Herelllllan
herelllllan2

لحظاتُ وداعٍ

 

القاصة / زينب الشهاري

أدرَكَتْ حينَ رأتْ تلك العبراتِ تترقرقُ في عينيهِ أنه لا يمكنُ لأي شيءٍ أن يقفَ حائلاً دونهُمَا، رغمَ محاولاتِها هيَ و أبيهِ المتكررةِ في إقناعهِ بأنَّهُ لا يزالُ في السادسةِ عشرةَ من عمرهِ ، و هناكَ من يفوقُونَهُ سناً و أقدرُ منهُ على الذهابِ ، لكنَّ كلُّ محاولةٍ لهمَا باءتْ بالفشلِ ، و استيقنَا أخيراً بأنهما لن يكونَا حجرَ عثرةٍ بينَهُ و بينَ شيءٍ عشقَهُ حدَّ بذلِ الروحِ و التضحيةِ بها …
ها هي لا تزالُ تتذكّرُ عتابَها له كلَّ مرةٍ يعودُ فيها حافيَ القدمين ،، فيبتسمُ ابتسامتَهُ المعتادةَ و هو يقولُ بكلِ هدوءٍ : تركتُهمَا لمن هوَ أحوجُ مني…

لم يكنْ في نظرِهَا سوى طفلِهَا الصغيرِ ، رغمَ معرفتِها بأنَّ روحاً جبارةً تسكنُ ذلكَ الطفلَ ، و بأنَّ عقلاً يملُكُهُ يضاهي في الوعيِ من يفوقونَُه في العمرِ…

لا زالت تتذكّرُ نفسَهَا و هي تزجُرُهُ في كل مرة تعطيه المال فينفقه سريعاً و تلوحُ تلكَ الابتسامةَ الهادئةَ التي لا تفارقُ محياهُ قائلاً: كان ينقصُهُم كذا و كذا فأعطيتُهم…

لم تنسَ أبداً لحظاتَ الوداعِ الأخيرِ حينَ وقفَ أمامَها متوشحاً سلاحَهُ و هي تمازحُهُ و تقولُ : انظرْ إلى السلاحِ يبدو أكبرَ منكَ يا ولدي.. ، فيقبِّلُ يديها و تبرقُ تلكَ النظراتِ من عينبغيَ التي تحملُ كلَّ معاني الإباءِ و الرجولةِ ، فتجتاحُ كيانَها مشاعرُ الزهوِ و الفخرِ و العزةِ فيُسابقُ فؤادَها فمَها بالدعواتِ له بأن يحمِيهِ المولى و يرعاهُ…

في تلكَ اللحظاتِ أخذتْ ترددُ في نفسِها قائلةً : ها هو ابني كبرَ و حملَ همَّ دينهِ ووطنهِ ، ها هو يصبحُ من المسارعينَ في اللحاقِ بركبِ العظماءِ.. رجلي الصغيرُ ذو ال١٦ عاماً لم يرضَ أن يحجزَ مقعداً له بين المتفرجينَ، أبى إلا أن يكونَ من صناعِ تاريخِ وطنٍ ينتصرُ برجالِهِ، و يكونَ من إحدى معجزاتِ الثباتِ و النصرِ،، و أن يكونَ من أحدِ الأيادي التي كفَّت بغيَ المعتدينَ عن أرضهِ،،، رجلي الصغيرُ كان أسمى من أن يرضَ بحياةِ الموتى الأحياءِ على الدنيا ، و اختارَ حياةَ الخلودِ و ارتقاءِ الأولياءِ،،، ذهبَ رجليَ الصغيرَ ليواجهَ الطائراتِ و الصواريخِ و المدافعِ و المدرعاتِ و الدباباتِ بسلاحهِ الشخصيِّ و إيمانِهِ.. رجلي الصغيرُ ذو ال ١٦ عاماً ذهبَ ليردعَ الخطرَ عنِ المرجفينَ و المنافقينَ الذين لا همَّ لهم سوى الاستمتاعِ بالأباطيلِ و الأراجيفِ و الأكاذيب…ذهب ليمنعَ الموتَ عن القاعدينَ في بيوتِهِم المتنعمينَ بالنومِ على أسرتِهم…

ها هي اليومَ حين زُفَّ إليها خبرُ عرسِهِ نحو الجنانِ تقولُ :
رجلي الصغيرُ – لا بل رجلي “الكبير” – ذهبَ حيثُ لا يمكنُ إلا لأمثالهِ أن يذهبُوا،، و طابَ له المقامُ حيث لم يهنأ له إلا السكنَ هناكَ و نالَ مرتبةَ الشهادةِ .. بينما الكثيرُ غيرُه ممن يرونَ أنفسَهم رجالاً رضوا بأن يكونوا مع الخوالف .. فطبع الله على قلوبِهم .. ويالَلمُفارقةِ!!

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com