الإمام زيد بن علي.. ثورة تتجدد بوجه الطغيان في كل زمن
الإمام زيد بن على (عليه السلام) هو واحدٌ من عظماء نجوم العِترة الطاهرة، ومن أعلام الأمة وقادتها الثائرون على الطغيان والإجرام والفساد،عرف في المدينة المنورة بحليف القرآن، وتتلمذ على يد والده الإمام زين العابدين وسيِّد الساجدين الذي هو نجل الإمام الحسين(عليه السلام) المتبقي في كربلاء من أُسرته بلطفٍ من الله وبرعاية كي لا ينقرض النسل الحسيني’ ,وكان شاهد العيان لحجم المظلومية التي حدث لأهل بيت رسول الله فيها.
ولما كان الإمام زين العابدين يعي جيدا الدور الذي ينتظر هذا المولود الجديد وأنه سيصبح علما عظيما من أعلام الهدى ورمزا شامخا من رموز الحق ومشعلا ينير درب الأمة إلى قيام الساعة ولذلك أولاه اهتماما خاصا وحباه برعاية استثنائية ساعدت في تشكيل البنية القوية لشخصية الإمام زيد واختص بتربية جهادية وأعده للمستقبل ليكون رجل المرحلة القادمة’ فخرج شاهراً سيفه في سبيل الله، وترك أمة ما تزال تسير على نهجه من ذلك اليوم إلى الآن.
يمانيون | أعد المادة للنشر: محسن علي الجمال
نسبه الشريف
هو الإمام الأعظم زيد بن علي (سيد العابدين) بن الحسين (سيد شباب أهل الجنة) بن علي (سيد العرب) بن أبي طالب صلوات الله عليهم.
فوالده هو: الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، الذي جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا كان يوم القيامة نادى منادي: ليقم سيد العابدين، فيقوم علي بن الحسين)).وجده هو: الإمام الحسين، سيد شباب أهل الجنة، وجده الأكبر هو: علي بن أبي طالب عليه السلام حيث روي أن رسول الله أنه قال: ((أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب)).
رؤيا والده الإمام السجاد قبل ولادته
قبل عام واحد من مولد الإمام دخل أبو حمزة الثمالي على الإمام زين العابدين فقال له زين العابدين:
يا أبا حمزة ألا أخبرك عن رؤيا رأيتها؟
قال: بلى يا ابن رسول الله.
قال: رأيت كأن رسول الله أدخلني جنة، وزوجني بحورية لم أرَ أحسن منها، ثم قال لي: يا علي بن الحسين: سمّ المولود زيداً فيهنيك زيد.
ثم يقول أبو حمزة: وإنها لرؤيا دفعتها عناية الله وحكمته إلى التصديق، فما هي إلا أيام قلائل، وإذ بالمختار بن أبي عبيد يبعث إلى الإمام علي بن الحسين بفتاة سندية تدعى (جيدا) كان قد اشتراها، فوجدها حورية بحق: ديناً، وخلقاً، وحياءً، وأدباً، تجدر بأن تكون سكناً لعلي بن الحسين، فاختصها السجاد لنفسه، بعد أن خيرها بين أبنائه فأبت – في إجلال – إلا هو، ومنها أنجب ابنه المنتظر (زيد بن علي).
قال أبو حمزة: فحججت عاماً آخر فأتيت علي بن الحسين، فلما دخلت عليه وجدته حاملاً لطفل صغير، وهو يقول: يا أبا حمزة هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا.
مولده وقصة اسمه
وُلِدَ الإمام زيد عليه السلام بالمدينة المنورة، سنة (75هـ)
كان الإمام السجاد عليه السلام, قد سمع من والده الحسين بن علي وأهل بيته ما ورد عن رسول الله بخصوص هذا المولود المبارك وعندما أطل على أهل هذا البيت العظيم تلقاه الإمام السجاد بكل حفاوة وتكريم ليس لأنه ابنه فحسب بل لأن الإمام زين العابدين يعلم جليا مكانة هذا الرجل عند الله ويعرف ما معنى أن تكون محط عناية من إله السموات والأرض, ,ولذا روي أن والده الإمام ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ ﻛﺎﻥ ﺇﺫا ﺻﻠﻰ اﻟﻔﺠﺮ ﻟﻢ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﻄﻠﻊ اﻟﺸﻤﺲ، فجاﺅﻭﻩ ﻳﻮﻡ ﻭﻟﺪ ﺯﻳﺪ، فبُشِّر ﺑﻪ ﺑﻌﺪ ﺻﻼﺓ اﻟﻔﺠﺮ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻱ ﺷﻲء ﺗﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﺃﺳﻤﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻟﻮﺩ؟ ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ: ﺳﻤﻪ ﻛﺬا، ﺳﻤﻪ ﻛﺬا، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﻏﻼﻡ ﻋَﻠَﻲَّ ﺑﺎﻟﻤﺼﺤﻒ، ﻗﺎﻝ: فجاﺅﻭا ﺑﺎﻟﻤﺼﺤﻒ ﻓﻮﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﻩ، ﺛﻢ ﻓﺘﺤﻪ ﻓﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﻝ ﺣﺮﻑ ﻓﻲ الورقة، ﻓﺈﺫا ﻓﻴﻪ: {ﻭﻓﻀﻞ الله اﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻋﺪﻳﻦ ﺃﺟﺮاً ﻋﻈﻴﻤﺎ}[اﻟﻨﺴﺎء: 95]، ﺛﻢ ﺃﻃﺒﻘﻪ، ﺛﻢ ﻓﺘﺤﻪ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻓﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ اﻟﻮﺭﻗﺔ: {ﺇﻥ الله اﺷﺘﺮﻯ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ ﺑﺄﻥ ﻟﻬﻢ اﻟﺠﻨﺔ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ الله ﻓﻴﻘﺘﻠﻮﻥ ﻭﻳﻘﺘﻠﻮﻥ ﻭﻋﺪاً ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻘﺎً ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺭاﺓ ﻭاﻹﻧﺠﻴﻞ ﻭاﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻣﻦ ﺃﻭﻓﻰ ﺑﻌﻬﺪﻩ ﻣﻦ الله}[اﻟﺘﻮﺑﺔ:111]؛ ﻗﺎﻝ: ﻫﻮ ﻭالله ﺯﻳﺪ ﻓَﺴُﻤِّﻲَ ﺯﻳﺪاً.
نشأته وتربيته
كان الإمام زين العابدين يعي جيدا الدور الذي ينتظر هذا المولود الجديد وأنه سيصبح علما عظيما من أعلام الهدى ورمزا شامخا من رموز الحق وسيضل مشعلا ينير درب الأمة إلى قيام الساعة ولذلك أولاه اهتماما خاصا وحباه برعاية استثنائية ساعدت في تشكيل البنية القوية لشخصية الإمام زيد واختص بتربية جهادية وأعده للمستقبل ليكون رجل المرحلة,حتى وصل إلى درجة أنه صار يُشَبَّه بأمير المؤمنين في الفصاحة والبلاغة والبراعة، حتى عرف في المدينة بـ(حليف القرآن), ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺴﻤﻊ اﻟﺸﻲء ﻣﻦ ﺫﻛﺮ الله ﻓﻴُﻐﺸﻰ ﻋﻠﻴﻪ, ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺷﺒﻪ ﺃﻭﻻﺩ ﺃﺑﻴﻪ زين العابدين ﺑﻪ، ﻓﻲ ﺷﺪﺓ ﺧﻮﻓﻪ، ﻭﻛﺜﺮﺓ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ، فلم ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺃﻭﻻﺩ ﺃﺑﻴﻪ ﻣﺜﻠﻪ..
وقبل أن يفارق الإمام زين العابدين عليه السلام الحياة أوصى ولده الأكبر الإمام محمد الباقر -سلام عليه- باستكمال تربية أخيه زيد، الذي أولاه رعاية خاصة كذلك فنهل الإمام زيد من علم أخيه الباقر وأفاد من أخلاقه النبوية ومواهبه العلوية حتى فاق أقرانه علما وحلما.
الرعاية الأسرية الفائقة
يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه واصفا واقع الأمة في تلك الفترة المظلمة من تاريخها ((كان الواقع الذي عاش فيه الإمام زين العابدين واقعا مظلما .. أمة هزمت وقهرت، وأذلت تحت أقدام يزيد وأشباه يزيد، لكنه هو من عمل الكثير الكثير وهو يوجه، وهو يعلِّم وهو يربي، أليس الإمام زيد هو ابنه؟ من أين تخرج الإمام زيد إلا من مدرسة أبيه زين العابدين؟.
إن الحالة التي كان فيها حالة فعلاً شديدة، بالغة الشدة النفوس مقهورة ومهزومة والأفواه مكممة، لكن زين العابدين من أولئك الذين يفهمون بأن المجالات دائماً لا تغلق أمام دين الله فانطلق هو ليعلم ويربي، ويصنع الرجال؛ لأنه يعلم أنه إن كان زمانه غير مهيأ لعمل ما فإن الزمان يتغير فسيصنع رجالا للمستقبل، وصنع فعلاً وخرج الإمام زيد (عليه السلام) شاهراً سيفه في سبيل الله، وترك أمة ما تزال تسير على نهجه من ذلك اليوم إلى الآن)).
صفته
ﻛﺎﻥ الإمام زيد عليه السلام ﺃﺑﻴﺾ اﻟﻠﻮﻥ، ﺃﻋﻴﻦ، ﻣﻘﺮﻭﻥ اﻟﺤﺎﺟﺒﻴﻦ، ﺗﺎﻡ الخَلْق، ﻃﻮﻳﻞ اﻟﻘﺎﻣﺔ، ﻛﺚَّ اﻟﻠﺤﻴﺔ، ﻋﺮﻳﺾ اﻟﺼﺪﺭ، ﺃﻗﻨﻰ اﻷﻧﻒ، ﺃﺳﻮﺩ اﻟﺮﺃﺱ ﻭاﻟﻠﺤﻴﺔ، ﺇﻻ ﺃﻥ اﻟﺸﻴﺐ ﺧﺎﻟﻄﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﺭﺿﻴﻪ, وﻛﺎﻥ عليه السلام ﻳُﺸﺒَّﻪ ﺑﺄﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻭاﻟﺒﻼﻏﺔ ﻭاﻟﺒﺮاﻋﺔ، ﻭكان ﻳﻌﺮﻑ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺤﻠﻴﻒ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻗﺎﻝ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﺻﻔﻮاﻥ: اﻧﺘﻬﺖ اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻭاﻟﺨﻄﺎﺑﺔ ﻭاﻟﺰﻫﺎﺩﺓ ﻭاﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﺇﻟﻰ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ، ﻟﻘﺪ ﺷﻬﺪﺗﻪ ﻋﻨﺪ ﻫﺸﺎﻡ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﻭﻫﻮ ﻳﺨﺎﻃﺒﻪ، ﻭﻗﺪ ﺗﻀﺎﻳﻖ ﺑﻪ ﻣﺠﻠﺴﻪ.
ﻓﻜﺎﻥ عليه السلام ﺟﺎﻣﻌﺎً ﻟﺨﺼﺎﻝ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻟﻮﺭﻉ ﻭاﻟﻔﻀﻞ ﻭاﻟﺴﺨﺎء ﻭاﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻭاﻟﻘﻮﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺪﺑﻴﺮ اﻷﻣﺮ.
بعض ما جاء في استشهاده
-لعظمة هذا الإمام العظيم والدور الذي سيحققه فقد ورد في ذكره الكثير من الأحاديث النبوية ومنها :
-روي أن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) نظر ذات يوم إلى زيد بن حارثة فبكى وقال: «المقتول في الله، المصلوب من أمتي، المظلوم من أهل بيتي سَمِيُّ هذا» وأشار إلى زيد بن حارثة ثم قال: «أدن مني يا زيد، زادك اسمك عندي حباً، فإنك سَمِيُّ الحبيب من ولدي».
– ((ﻳﺼﻠﺐ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ﻋﺮﻳﺎﻥ، ﻻ ﻳﻨﻈﺮ ﺃﺣﺪ ﺇﻟﻰ ﻋﻮﺭﺗﻪ ﻣﺘﻌﻤﺪاً ﺇﻻ ﺃﻋﻤﺎﻩ الله ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ)).
– ((ﻳﻘﺘﻞ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﻭﻟﺪﻱ ﻳﺪﻋﻰ: “ﺯﻳﺪ”، ﺑﻤﻮﺿﻊ ﻳﻌﺮﻑ ﺑﺎﻟﻜﻨﺎﺳﺔ، ﻳﺪﻋﻮ ﺇﻟﻰ اﻟﺤﻖ ﻳﺘﺒﻌﻪ ﻛﻞ ﻣﺆﻣﻦ)).
-خطب أمير المؤمنين على منبر الكوفة، فذكر أشياء وفتنا، حتى قال: (ثم يملك هشام تسع عشرة سنة، وتواريه أرض رصافة، رصفت عليه النار، مالي ولهشام جبار عنيد، قاتل ولدي الطيب المطيب، لا تأخذه رأفة ولا رحمة، يصلب ولدي بكناسة الكوفة، (زيد) في الذروة الكبرى من الدرجات العلى، فإن يقتل زيد، فعلى سنة أبيه، ثم الوليد فرعون خبيث، شقي غير سعيد، ياله من مخلوع قتيل، فاسقها وليد، وكافرها يزيد، وطاغوتها أزيرق) .. إلى آخر كلامه صلوات الله عليه.
حليف القرآن
ﻛﺎﻥ الإمام زيد بن علي عليه السلام ﻣﻼﺯﻣﺎً ﻟﻘﺮاءﺓ اﻟﻘﺮﺁﻥ، حتى عُرِف بـ”حليف القرآن”، وهو من قال: ﺧﻠﻮﺕ ﺑﻜﺘﺎﺏ الله ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﺃﻗﺮﺃﻩ ﻭﺃﺗﺪﺑﺮﻩ ﺛﻼﺙ ﻋﺸﺮﺓ ﺳﻨﺔ؛ ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ بعضُهم: ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﺠﻌﻠﺖُ كلَّما ﺳﺄﻟﺖُ ﻋﻦ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻗﻴﻞ ﻟﻲ: ﺫاﻙ ﺣﻠﻴﻒ اﻟﻘﺮﺁﻥ.
هذه الملازمة والمداومة على قراءة القرآن، والتدبر لآياته، انعكست في شخصية الإمام زيد عليه السلام، في أفعاله وأقواله، حتى بلغ في التقوى والإيمان والورع والتحرجِ في الدين مبلغاً لم يبلغه غيره؛ ﻭﻗﺪ ﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ عليه السلام ﻟﺒﻌﺾ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻘﺎﻝ: “ﺇﻥ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻟﻢ ﻳﻬﺘﻚ لله ﻣَﺤﺮَﻣَﺎً ﻣﻨﺬُ ﻋﺮﻑ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﻣﻦ ﺷﻤﺎﻟﻪ”.
علمه وما قيل عنه
الإمام زيد عليه السلام هو وارث علم النبيين, ومفجر ينابيع العلم والمعرفة، قد شهد له بأنه أعلم أهل زمانه كلُّ من عرفه.
-ﻗﺎﻝ فيه ﺃﺧﻮﻩ محمد اﻟﺒﺎﻗﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ:(ﻭالله ﻟﻘﺪ ﺃﻭﺗﻲ ﺃﺧﻲ ﺯﻳﺪ ﻋﻠﻤﺎً ﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﺎﺳﺄﻟﻮﻩ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ).
-وقال أيضاً لمن سأله عن أخيه الإمام زيد (ع):(سألتني عن رجل مُلِيء إيماناً وعلماً، من أطراف شعره إلى قدمه، وهو سيد أهل بيته).
-وجاء عن عمرو بن القاسم، قال: دخلت على جعفر بن محمد وعنده أناس من الرافضة، فقلت: إن هؤلاء يبرؤون من عمك زيد قال: يبرؤون من عمي زيد، قلت: نعم، قال: (برئ الله ممن يبرئ منه، كان والله أقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم.. إلى آخر كلامه).
-ويقول الإمام أبو حنيفة: شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمانه أفقه منه، ولا أعلم ولا أسرع جواباً، ولا أبين قولاً، لقد كان منقطع القرين.
-ويقول الشعبي: والله ما ولد النساء أفضل من زيد بن علي، ولا أفقه ولا أشجع، ولا أزهد.
-ويقول أبو إسحاق السبيعي: رأيت زيد بن علي، فلم أرَ في أهله مثله، ولا أعلم منه، ولا أفضل، وكان أفصحهم لساناً، وأكثرهم زهداً وبياناً.
لقد كان الإمام زيد عليه السلام مدرسة علمية تتلمذ على يديه كبارُ العلماء والأئمة وأولاهم بالذكر أولاده الكرام: عيسى، ومحمد، والحسين، ويحيى؛ ومن أشهر علماء الحديث الذين أخذوا عنه: نصر بن المعتمر، وأبو حنيفة، وعمرو بن خالد الواسطي، وهارون بن سعيد العجلي، ومعاوية بن إسحاق الأنصاري، ونصر بن خزيمة، وغيرهم الكثير.
مؤلفاته
للإمام عليه السلام عددٌ من المؤلفات أشهرها: “المجموعان الفقهي والحديثي” والذي حوى ستمائة وسبعة وثمانين خبراً، ما بين حديث نبوي وأثر علوي ، و”تفسير غريب القرآن”، و”رسالة في إثبات الوصية”، و”كتاب مدح القلة وذم الكثرة”.
رسالة الإمام الى علماء الأمة
نص الرسالة التي بعث بها الإمام زيد ع الى علماء الأمه:-
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
إلى علماء الأمَّةِ الذين وجبت للَّه عليهم الحجة، مِن زيد بن علي بن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.
سلام على أهل وَلاَية اللّه وحِزبِه.
ثم إني أوصيكم مَعْشَر العلماء بحظِّكم من اللّه في تقواه وطاعته، وأن لا تبيعوه بالـمَكْس([1]) من الثَّمَن، والحقير من البَذل، واليسير من العِوَض، فإن كل شيء آثرتموه وعَمِلتم له من الدُّنيا ليس بخَلَفٍ ممازيَّن اللّه به العلماء من عباده الحافظين لرعاية ما استرعـاهم واستحفظهم من أمره ونهيه، ذلك بأن العاقبة للمتقين، والحَسْرَةَ والنَّدامة والويل الدائم للجائرين الفاجرين.
فتفكّروا عباد اللّه واعتبروا، وانظروا وتَدَبَّروا وازدجروا بما وعظ اللّه به هذه الأمَّة من سوء ثنائه على الأحْبَار والرُّهبان.
إذ يقول: {لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63].
وإنما عاب ذلك عليهم بأنهم كانوا يشاهدون الظَّلمة الذين كانوا بين ظهرانيهم يأمرون بالمنكر، ويعملون الفساد، فلا ينهونهم عن ذلك، ويرون حق اللّه مُضَيَّعاً، ومالَ اللّه دُولة يؤكل بينهم ظلماً، ودولة بين الأغنياء، فلا يَمْنعون من ذلك، رغبةً فيما عندهم من العَرَض الآفل، والمنزل الزائل، ومُدَاهنة منهم على أنفسهم.
وقد قال اللّه عز وجل لكم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ [لَيَأْكُلُونَ أَمْـوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]،] كيما تحذروا.
وإذا رأيتم العَالِم بهذه الحالة والمَنْزِلة أنزلتموه منزلة من عَاثَ في أموال الناس بالْمُصَانَعة ([2])، والمُدَاهنة، والمُضَارعة ([3]) لِظَلَمَهِ أهل زمانهم، وأكابر قومهم، فلم ينهوهم عن منكر فعلوه؛ رغبة فيما كانوا ينالون من السُّحْت ([4]) بالسكوت عنهم.
وكان صُدُودُهم عن سبيل اللّه بالإتِّباع لهم، والإغترار بإدِّهَانهم، ومقاربتهم الجائرين الظالمين المفسدين في البلاد؛ ذلك بأن أتباع العلماء يختارون لأنفسهم ما اختار علمـاؤهم، فاحذروا علماء السوء الذين سلكوا سبيل من ذَمَّ اللّه وباعوا طاعة اللّه الجائرين ([5]).
إن اللّه عز وجل قال في كتابه: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ [الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَـدَاءَ فَلَا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ}[المائدة: 44]].
فعاب علماءَ التوراةِ والإنجيلِ بتركهم ما استحفظهم من كتابه ـ وجَعَلَهم عليه شهداء ـ خَشْيَة الناس، ومواتاة([6]) للظالمين، ورضىً منهم بأعمال المفسدين. فلم يؤثروا اللّه بالخشية فَسَخِط اللّه عليهم لَمَّا اشتروا بآياته ثمناً قليلاً، ومتاعاً من الدنيا زائلاً.
والقليل عند اللّه الدنيا وما فيها من غَضَارَتِهَا ([7]) وعيشتها ونعيمها وبهجتها؛ ذلك بأن اللّه هو عَلاَّم الغيوب، قد عَلِمَ بأن ركوبَ معصيَتِهِ، وركوب طاعَتِهِ، والمداهنة للظلمة في أمره ونهيه، إنما يلحق بالعلماء للرَّهْبة والرَّغبة من عند غير اللّه، لأنهم علماء بالله، وبكتابه، وبسُنَّة نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم.
ولعَمْري لو لم يكن نال علماءَ الأزمنةِ من ظلمتها وأكابرها ومفسديها شدةٌ وغلظة وعداوة ما وَصَّاهم اللّه تعالى وحذّرهم، ذلك أنهم ما ينالون ما عند اللّه بالهوينا، ولا يخلدون في جنته بالشهوات.
فكره اللّه تعالى للعلماء ـ المُسْتَحْفِظِين كُتُبَه وسُنَّته وأحكامه ـ ترك ما اسْتَحْفَظَهم، رغبةً في ثواب مَنْ دُونَه، ورهبةَ عقوبةِ غيره.
[فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وقد مَيَّزَكم اللّه تعالى حَقَّ تمييز، ووسَمَكم سِمَةً لا تخفى على ذي لُبّ، وذلك حين قال لكـم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71]].
فبدأ بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر عنده، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده.
ولعَمْرِي لقد استفتح الآية في نَعْت المؤمنين بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاعتبروا عباد اللّه وانتفعوا بالموعظة.
وقال تعالى في الآخرين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ}[التوبة:67].
فلعَمْرِي لقد استفتح الآية في ذمهم بأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف، فاعتبروا عباد اللّه وانتفعوا، واعلموا أن فريضة اللّه تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا أقيمت له استقامت الفرائض بأسرها، هَيِّنُها وشَدِيْدُها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو: الدعاء إلى الإسلام([8])، والإخراج من الظُّلْمَة، ورَدّ الظالم، وقِسْمَةِ الفَيء والغنائم على منازلها، وأخذ الصَّدقات ووضعها في مواضعها، وإقامة الحدود، وصِلَةِ الأرحام، والوفاء بالعهد، والإحسان، واجتناب المحَارم، كل هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول اللّه تعالى لكم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2]، فقد ثَبَتَ فرضُ اللّه تعالى، فاذكروا عهد اللّه الذي عاهدتموه وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [المائدة:7].
عباد اللّه، فإنما تصلح الأمورُ على أيدى العلماء، وتفسد بهم إذا باعوا أمر اللّه تعالى ونهيه بمعاونـة الظالمين الجائرين، فكذلك الجهال والسفهاء إذا كانت الأمور في أيديهم، لم يستطيعوا إلا بالجهـل والسَّفَه إقامتها، فحينئذ تَصْرُخُ المواريث، وتضج الأحكام، ويفتضح المسلمون([9]).
وأنتم أيها العلماء عصابةٌ مشهورة، وبالورع مذكورة، وإلى عبادة اللّه منسوبة، وبدراسة القرآن معروفـةٌ، ولكم في أعين الناس مهابةٌ، وفي المدائن والأسواق مكرمةٌ، يهابكم الشَّريف، ويكرمكم الضَّعيف، ويرهبكم من لا فضل لكم عليه، يُبدَأ بكم عند الدُعْوَةِ والتُحْفَة ([10])، ويشار إليكم في المَجَالس، وتشفعون في الحاجات إذا امتَنَعَت على الطَّالبين، وآثارُكم مُتَّبَعَةٌ، وطُرُقُكُم تُسْلَك، كل ذلك لما يرجوه عندكم مَنْ هُوَ دونكم مِنْ النَّجاة في عرفان حق اللّه تعالى، فلا تكونوا عند إيثار([11]) حق اللّه تعالى غافلين، ولأمره مضيِّعين، فتكونوا كالأطباء الذين أخذوا ثَمَنَ الدَّواء واعْطَبوا المرضى، وكرُعَاةٍ استوفوا الأجر وضلوا عن المرعى، وكحراس مدينة أسلموها إلى الأعداء، هذا مثل علماء السوء.
لا مالاً تبذلونه لله تعالى، ولا نفوساً تُخاطرون بها في جَنْبِ اللّه تعالى، ولا داراً عطلتموها، ولا زوجة فارقتموها، ولا عشيرة عاديتموها.
فلا تتمنوا ما عند اللّه تعالى وقد خالفتموه، فترون أنكم تَسْعَوْن في النُّور، وتَتَلَقَّاكم الملائكة بالبشارة من اللّه عز وجل؟ كيف تطمعون في السَّلامة يوم الطامَّـة؟! وقد أخْدَجْتُم الأمانة ([12])، وفارقتم العِلْمَ، وأدْهَنتم في الدين، وقد رأيتم عهـد اللّه منقوضاً، ودينه مبغوضاً، وأنتم لا تفزعون، ومن اللّه لا ترهبون، فلو صبرتم على الأذى، وتحملتم المؤنة في جنب اللّه لكانت أمور اللّه صادرة عنكم، وواردة إليكم.
عباد اللّه لا تُمَكِّنوا الظالمين من قِيَادكم ([13]) بالطمع فيما بأيديهم من حُطامِ الدنيا الزَّائل، وتراثها الآفل، فتخسروا حظكم من اللّه عز وجل.
عباد اللّه استقدموا إلى الموت بالوثيقة في الدين، والإعتصام بالكتاب المتين، ولا تعجبوا بالحياة الفانية، فما عند اللّه هو خير لكم، وإن الآخرة هي دار القرار.
عباد اللّه انْدُبُوا الإيمان، ونوحوا على القرآن، فوالذي نفس (زيد بن علي) بيده لن تنالوا خيراً لا يناله أهلُ بيتِ نبيكم صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولا أصبتم فضلاً إلا أصابوه فأصبتم فضله.
خطاب لعلماء السوء
فيا علماء السوء أكببتم على الدنيا وإنها لناهية لكم عنها، ومحذرة لكم منها، نَصَحَتْ لكم الدنيا بتصرفها فاسْتَغْشَشْتُمُوها، وتَقَبَّحَتْ لكم الدنيا فاستحسنتمُوها، وصَدَقَتْكم عن نفسها فكذَّبتمُوها.
فيا علماء السوء، هذا مِهَادكم الذي مَهَدْتمُوه للظالمين، وهذا أمانكم الذي ائتُمنتُموه ([14]) للخائنين، وهذه شهادتكم للمبطلين، فأنتم معهم في النار غداً خالدون: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر:75]، فلو كنتم سَلَّمتم إلي أهل الحق حقهم، وأقْرَرْتم لأهل الفضل بفضلهم، لكنتم أولياء اللّه، ولكنتم من العلماء به حقاً الذين امتدحهم اللّه عز وجل في كتابه بالخشية منه.
فلا أنتم عَلَّمتم الجاهل، ولا أنتم أرشدتم الضَّال، ولا أنتم في خلاص الضعفاء تعملون، ولا بشرط اللّه عليكم تقومون، ولا في فِكَاكِ رقابكم، ولا السلبَ إلا سلبكم.
يا علماء السوء اعتبروا حالكم، وتفكروا في أمركم، وستذكرون ما أقول لكم.
يا علماء السوء إنما أمنتم عند الجبَّارين بالإدْهَان، وفزتم بما في أيديكم بالمُقَارَبَة، وقربتم منهـم بالْمُصَانَعَة([15])، قد أبحتم الدين، وعطلتم القرآن، فعاد عملكم حجة للَّه عليكم، وستعلمون إذا حَشْرَجَ الصَّدر، وجاءت الطامة، ونزلت الدَّاهية.
يا علماء السوء أنتم أعظم الخلق مصيبة، وأشدهم عقوبة، إن كنتم تعقلون، ذلك بأن اللّه قد احتج عليكم بما استحفظكم؛ إذ جعل الأمور ترد إليكم وتصدر عنكم، الأحكام من قِبَلِكم تُلْتَمَس، والسُّنن من جِهَتِكم تحتبر، يقول المتبعون لكم: أنتم حجتنا بيننا وبين ربنا. فبأي منزلة نزلتم من العباد هذا المنزلة؟
فوالذي نفس (زيد بن علي) بيده لو بينتم للناس ما تعلمون ودعوتموهم إلى الحق الذي تعرفون، لتَضَعْضَعَ بُنْيَان الجبَّارين، ولتهَدَّم أساس الظالمين، ولكنكم اشتريتم بآيات اللّه ثمناً قليلا، وادْهَنتم في دينه، وفارقتم كتابه.
هذا ما أخذ اللّه عليكم من العهود والمواثيق، كي تتعاونوا على البر والتقوى، ولاتعاونوا على الإثم والعدوان، فأمْكَنتم الظلمة من الظلم، وزيَّنتم لهم الجَورَ، وشَدَدْتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقارنة، فهذا حالكم.
فيا علماء السوء محوتم كتاب اللّه محواً، وضربتم وجه الدين ضرباً، فَنَدَّ ([16]) والله نَدِيْدَ البَعِيْرِ الشـارد، هرباً منكم، فبسوء صنيعكم سُفِكَت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ورُفِعَت رؤوسهم فوق الأسنة، وصُفِّدوا في الحديد، وخَلَصَ إليهم الذُّل، واستشعروا الكَرْب، وتَسَرْبَلوا الأحزان، يتنفسون الصُّعَـداء ([17])، ويتشاكون الجهد؛ فهذا ما قدمتم لأنفسكم، وهذا ما حملتموه على ظهـوركم، فالله المستعان، وهو الحكم بيننا وبينكم، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين.
دعوته ـ عليه السلام ـ إلى نصر الحق
وقد كتبت إليكم كتاباً بالذي أريد من القيام به فيكم، وهو: العمل بكتاب اللّه، وإحياء سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فبالكتاب قَوَام الإيمان، وبالسُّنَّة يثبت الدين، وإنما البدع أكاذيب تُخْتَرَع، وأهواء تُتَّبَع، يتولى فيها وعليها رجالٌ رجالاً صدُّوهم عن دين اللّه، وذادوهم عن صراطه، فإذا غَيَّرها المؤمن، ونهى عنها المُوَحِّد، قال المفسدون: جاءنا هذا يدعونا إلى بدعة!!
وأيم اللّه ماالبدعة إلا الذي أحدث الجائرون، ولا الفساد إلا الذي حكم به الظالمون، وقد دعوتكم إلى الكتاب فأجيبوا داعي اللّه وانصروه.
فوالذي بأذنه دَعَوْتُكم، وبأمره نصحتُ لكم، ما ألتمس أَثَرَةً على مؤمن، ولا ظلماً لِمُعَاهِد، ولوددت أني قد حميتكم مَرَاتع ([18]) الهَلَكَة، وهديتكم من الضلالة، ولو كنت أوْقِدُ ناراً فأقذفُ بنفسي فيها، لا يقربني ذلك من سخط اللّه، زهداً في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم، وخلاصكم، فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والمَوْفُوْرين حظاً ونصيباً.
عباد اللّه انصحوا داعي الحق، وانصروه إذا قد دعاكم لما يحييكم، ذلك بأن الكتاب يدعو إلى اللّه وإلى العدل والمعروف، ويزجر عن المنكر.
فقد نَظرنا لكم وأردنا صلاحكم، ونحن أولى الناس بكم، رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جَدُّنا، والسابقُ إليه المؤمن به أبونا، وبنته سيدة النِّسوان أمُّنا، فمن نَزَل منكم منزلتنا؟ فسارعوا عباد اللّه إلى دعوة اللّه، ولا تنكلوا عن الحق، فبالحق يُكْبَتُ([19]) عَدُوُّكم، وتُمْنَع حريمكم، وتأمن ساحتكم.
وذلك أنا ننزع الجائرين عن الجنود، والخزائن، والمدائن، والفيء، والغنائم، ونُثْبِتُ الأمين المؤتمن، غير الرَّاشي والمرتشي الناقض للعهد؛ فإن نَظْهَر فهذا عهدنا، وإن نستشهد فقد نصحنا لربنا، وأدينا الحق إليه من أنفسنا، فالجنة مثوانا ومنقلبنا، فأي هذا يكره المؤمن، وفي أي هذا يرْهَب المسلم؟ وقد قال اللّه عز وجل لنبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم: {وَلَا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء: 107].
وإذا بدأت الخيانة، وخُرِبَت الأمانة، وعُمِل بالجور، فقد افتضح الوالي. فكيف يكون إماماً على المؤمنين من هذا نعته وهذه صفته؟!
اللهم قد طلبنا المعذرة إليك، وقد عَرَّفْتَنَا أنك لا تُصلح عَمَلَ المفسدين، فأنت اللهم ولينا، والحاكم فيما بيننا وبين قومنا بالحق.
هذا مانقول وهذا ما ندعوا إليه، فمن أجابنا إلى الحق فأنت تُثِيْبه وتجازيه، ومن أبى إلا عُتواً وعناداً فأنت تعاقبه على عتوه وعناده.
فالله اللّه عباد اللّه أجيبوا إلى كتاب اللّه، وسارعوا إليه، واتخذوه حَكَماً فيما شَجَر بينكم، وعدلاً فيما فيه اختلفنا، وإماماً فيما فيه تنازعنا، فإنا به راضون، وإليه منتهون، ولما فيه مُسْلِمون لنا وعلينا، لانريد بذلك سلطاناً في الدنيا، إلا سلطانك، ولا نلتمس بذلك أثرة على مؤمن، ولا مؤمنة، ولا حُرٍّ، ولا عبد.
عباد اللّه فأجيبونا إجابة حَسَنة تكون لكم البشرى بقول اللّه عز وجل في كتابه: {فَبَشِّرْ عِبَادِي(17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]، ويقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت: 33].
عباد اللّه فاسرعوا بالإنابة وابذلوا النصيحة، فنحن أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل (القرآن)، وفينا كان يهبط (جبريل) عليه السلام، ومِنْ عندنا اقتبس الخير، فَمَنْ عَلِمَ خيراً فمنا اقتبسه، ومن قال خيراً فنحن أصله، ونحن أهل المعروف، ونحن النَّاهون عن المنكر، ونحن الحافظون لحدود اللّه.
عباد اللّه فأعينونا على من استعبد أمتنا، وأخرب أمانتنا، وعَطَّل كتابنا، وتَشَرَّف بفضل شرفنا، وقد وثقنا من نفوسنا بالمضي على أمورنا، والجهاد في سبيل خالقنا، وشريعة نبينا صلى اللّه عليه وآله وسلم، صابرين على الحق، لا نجزع من نائبة مَنْ ظَلَمَنا ، ولا نَرْهَبُ الموتَ إذا سَلِمَ لنا دِيْنُنَا ، فتعاونوا تنصروا، يقول اللّه عز وجل في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، ويقول اللّه عز وجل: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40 ـ 41].
عباد اللّه فالتمكِين قد ثبت بإثبات الشريعة، وبإكمال الدين بقول اللّه عز وجل: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}[الذاريات: 54]، وقال اللّه عز وجل فيما احتج به عليكم : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: 3].
عباد اللّه فقد أكمل اللّه تعالى الدِّين، وأتم النعمة، فلا تنقصوا دين اللّه من كَمَاله، ولا تُبَدِّلوا نعمة اللّه كفراً فيحل بكم بأسه وعقابه.
عباد اللّه إن الظالمين قد استحلوا دماءنا، وأخافونا في ديارنا، وقد اتخذوا خُذْلانَكم حجة علينا فيما كرهوه من دعوتنا، وفيما سفهوه من حقنا، وفيما أنكروه من فضلنا.
عباد الله، فأنتم شركاؤهم في دمائنا، وأعوانهم في ظلمنا، فكلُّ مالٍ للَّه أنفقوه، وكل جمعٍ جمعوه، وكل سيف شَحَذُوه ([20]) وكل عدل تركوه، وكل جور رَكِبوه، وكل ذمة للَّه تعالى أخفروها ([21])، وكل مسلم أذلوه، وكل كتاب نَبَذوه، وكل حكم للَّه تعالى عطّلـوه، وكل عهد للَّه نقضوه فأنتم المعينون لهم على ذ لك بالسكوت عن نهيهم عن السوء.
عباد اللّه إن الأحبار والرُّهبان من كل أمة مسؤلون عما استحفظوا عليه، فأعِدُّوا جواباً للَّه عز وجل على سؤاله.
اللهم إني أسألك بنبينا محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم تثبيتاً منك على الحق الذي ندعوا إليه وأنت الشهيد فيما بيننا، الفاصل بالحق فيما فيه اختلفنا، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة.
والسلام على من أجاب الحق، وكان عوناً من أعوانه الدالين عليه.
أهم المؤهلات التي ساعدت في نهوض الإمام زيد عليه السلام
ساهمت عدد من العوامل في صقل شخصية الإمام زيد بن علي سلام الله عليه وفي كماله الخُلقي والمعرفي والثقافي بشكل مميز لفت أنظار الناس إليه وجعل منه محط تقدير واحترام من قبل الجميع ثم أهلته فيما بعد لقيادة ثورة عارمة في وجه الطاغوت المستفحل، ثورة لازالت آثارها وبركاتها ملموسة إلى يومنا هذا وستستمر كذلك ما بقي الليل والنهار ومن أبرز تلك العوامل:
الهدوء النسبي الذي شهدته المدينة المنورة
ساعد الهدوء النسبي والاستقرار الذي شهدته المدينة المنورة خلال ولاية عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي الذي تميز بالعقلانية والتسامح تجاه أهل البيت سلام الله عليهم والذي أراد من خلال تلك السياسة أن يكفر عن بعض مساوئ بني أمية تجاههم وخاصة مأساة كربلاء فكان يظهر الاحترام لزين العابدين سلام الله عليه بوجه خاص ولبقية أهل البيت بشكل عام.
حرصه على صلاح أمة جده
كان الإمام زيد -سلام الله عليه- حريصا كل الحرص على صلاح أمة جده رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- يتحرق أسفا وحزنا وكمدا على بعدها عن دين الله وعن نهج الحق والعدل يعز عليها كلما رأها تظلم وتقهر ويستبد بها أشرارها وشفهاؤها بينما هي صامتة صابرة لا تتحرك ولا يبدر منها أي ردة فعل خاصة وأن في مقدورها أن تفعل أشياء كثيرة لو هي تحركت بجد وفق رؤية قرآنية, وكان يعلم جليا مدى خسارة الأمة جراء ذلك التفريط والصمت والسكوت على استفحال الباطل وضياع الحق سواء خسارة الأمة لدورها المنوط بها في تنوير العالم من حولها أو خسارتها في ضياع الحقوق والواجبات فيما بينها وعودتها إلى دائرة التظالم والاستبداد كما كانت في جاهليتها أو من حيث ضياع جهود رسول الله والإمام علي والحسن والحسين وغيرهم من شهداء المسلمين ومجاهديهم الذين أفنوا أعمارهم وقدموا أرواحهم في سبيل نشر دين الله وها هي تضيع تلك الجهود وتصبح هباء منثورا كل تلك الإدراكات وغيرها كانت تحز في نفس الإمام زيد سلام الله عليه ولذلك نرى شدة تلك الحرقة وعمق تلك الحسرات في قوله (والله لوددت أن يدي ملصقة بالثريا ثم أقع إلى الأرض أو حيث أقع فأتقطع قطعة، قطعة وأن يصلح الله بذلك أمر أمة محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم).
معرفته العظمة بالله ومواجهته لهشام
المعرفة العظيمة لله جعلته لا يخشى أحدا في هذا الوجود سوى الله -سبحانه وتعالى- ولذلك نراه يدخل على هشام ثلاث مرات وفي كل مرة يلقن هشام درسا قاسيا عندما ينطق بالحق في وجهه دون أن يخشى سطوته ومنها قوله: (أتق الله يا هشام) بعد أن سمع أن هشام قد قال والله لا يقول لي أحد أتق الله إلا قطعت عنقه, ولكن الإمام زيد عليه السلام قالها له وهو في مجلسه وبين كبار دولته دون أن يتهيب ردة فعله فلما سمع هشام كلام الإمام زيد صاح في وجهه -أو مثلك يأمر مثلي بتقوى الله- فأجاب عليه الإمام زيد عليه السلام (يا هشام ليس أحد فوق أن يؤمر بتقوى الله ولا دون أن يأمر بتقوى الله).
-يروى بأن الناس كانوا يتابعون كلام الإمام زيد، ويحفظونه كما يحفظ النادر من الشعر، والغريب من الحكم، ولهذا قال هشام في رسالة لـه إلى يوسف بن عمر:
(امنع أهل الكوفة من حضور زيد بن علي، فإن لـه لساناً أقطع من ظبة السيف، وأحصد من شبا الأسنة، وأبلغ من السحر والكهانة).
وقال أبو الجارود: قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن.
واقع الأمة المزري دافعا للثورة
كان واقع الأمة قبل ثورة الإمام زيد محطم بكل ما للكلمة من معنى بين أوساط أمة مقهورة وأعراض مهتوكة ودماء مسفوكة وضياع للدين وانتهاك لحرمة المسلمين ومقدساتهم وتطبيع مع اليهود نشأ ورأى بأم عينيه ما فعله يزيد وأشباه يزيد بأمة جده ومدينة جده وأرث جده نشأ ليرى ألاف من القلوب المفطورة والنفوس المقهورة والضمائر المكسورة نشأ ليترعرع في مدينة الأحزان تلك وليطوف ببيوتها المحرقة ودورها المهدمة ليلفي آلاف الأسر التي شردها جيش يزيد ومثلها التي ابادها عن بكرة أبيها ليمسح عيون دامعة وقلوب موجعة ليرووا له حادثة كربلاء والحرة وقصة إحراق الكعبة.
وكل تلك الأحداث وغيرها دفعت بالإمام زيد عليه السلام ليرفع في وجه البغاة سلاحه وليقول لكل الخانعين إن مع الحركة البركة وفي الصبر على الباطل خسارة الدنيا والآخرة ليقول للكل (والله ماكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا) وإن علينا أن نتحرك جميعا حتى لولم تملك إلا نفسك ولا عذر للجميع أمام الله (والله لو لم يخرج إلا أنا وابني زيد لخرجت).
من أشهر مقولاته
خلد التاريخ له العديد من النصائح والحكم والمواعظ؛ من أشهرها قوله عليه السلام:
- والله ما كذبت كذبة منذ عرفتُ يميني من شمالي، ولا انتهكتُ لله محرماً منذ عرفتُ أن الله يعاقب عليه
- ما سرني بجرعة غيظ اتجرعها، وأصبر عليها حمر النعم
- لا تقولوا: خرجنا غضباً لكم، ولكن قولوا: خرجنا غضباً لله.
- ما كره قوم قطُّ حرَّ السيوف إلا ذلُّوا
- وتتضح لنا الصورة جلية عندما يتحدث عن التضحية والفداء في سبيل إقامة دين الله، وإحياء ما اندثر من سنة جده المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيقول:
- والله لو علمتُ أن رضاء اللّه عز وجل في أن أقدح ناراً بيدي حتى إذا اضطرمت رميتُ بنفسي فيها لفعلت
- والله ما أبالي إذا أقمتُ كتابَ اللّه عزَّ وجل وسنة رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أجِّجَت لي نارٌ ثم قُذِفْتُ فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة اللّه تعالى
- والله لوددت أن يدي ملصقة بثريا، ثم أقع منها حيث أقع فأتقطع قطعة قطعة ويصلح الله بذلك أمر أمة محمد
- ويختم الإمام زيد عليه السلام سجل حياته الحافل بمقولة لم يكن التاريخ ليمحوها، حين يقول:((الحمد لله الذي أكمل لي ديني؛ أما والله لقد كنتُ أستحي من رسول اللّه (ص) أن أَرِدَ عليه ولم آمر في أمته بمعروف ولم أنه عن منكر)).
الثورة.. يا منصور أمت
حدد الإمام عليه السلام أول ليلة من شهر صفر لسنة 122 هـ، موعداً لانطلاق الثورة ضد طاغية عصره هشام بن عبد الملك الأموي, ونادى بشعار رسول الله في غزوة أُحد: “يا منصور أمت“. ، غير أن تخاذل الناس عنه، ونكثهم البيعة، وانكشاف أمر الثورة، وخروج الأمويين عليه، دفعه للخروج في 23 محرم 122 هـ، واستمرت الحرب الى 25 محرم 122 هـ بعد إصابته بسهم غادر في جبهته الشريفة.
وصيته الأخيرة
كانت وصيته لابنه يحيى وهو يفارق الحياة أن يواصل حربه ضد الطغاة قائلا له (قاتلهم يا بني فو الله إن قتلاك في الجنة وقتلاهم في النار).
استشهاده
استشهد عليه السلام بعد ثلاثة أيام من البطولة والاستبسال، بعد أن أصابه سهم غادر في جبينه الطاهر حتى بلغ الدماغ، فقال حينها عليه السلام: “الشهادة الشهادة، الحمد لله الذي رزقنيها”؛ وكان استشهاده في (25) محرم، سنة (122هـ)، ثم دفن عليه السلام في مكان سري، وحينها طلبه جيش الأمويين ميتاً، ورصدوا لمن يدل عليه جائزة ثمينة، فدلهم عليه غلام من السند حضر دفنه السري على مجرى نهر، فاستخرجوه، وحزوا رأسه ووجهوا به إلى هشام، وصلبوا جثته بالكناسة، و”الكُناسة”، موضعٌ في سوق الكوفة مخصصٌ للقمامة.
بعد أن وصل رأس الإمام الى هشام بن عبدالملك، وجه بأن يُطاف به في البلدان، حتى انتهوا به إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وطاف به جنوده في المدينة 7 أيام.
وبقي الإمام مصلوباً الى أيام الوليد بن يزيد بن عبدالملك – تولى الحكم في نهاية سنة 125 هـ، فأمر الوليد واليه على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي إنزال جسد الإمام وحرقه ووضع رماده في قواصير، ونثره في مياه الفرات، وهو يقول: والله يا أهل الكوفة لأدعنّكم تأكلونه في طعامكم وتشربونه في مائكم.
ولما كثُرت الآيات حال بقائه أحرقوه، وذروه في البحر، فاجتمع في الموضع كهيئة الهلال، قال الديلمي – مؤلف كتاب القواعد: قد رأيناه، ويراه الصديق والعدو، بلا منازع.
ولكن لم يلبث أن نُبِش من قبره، فاحتز رأسه، وصلب جسده الطاهر بالكناسة عرياناً، ليظل على تلك الحالة أربع سنين، ثم يُنزل ويحرق ويذرى رماده في الفرات، فصلوات الله وسلامه عليه يوم ولد، ويوم استشهد ويوم صلب وأحرق وذري، ويوم يبعث حيَّا.
ولله در إسماعيل بن عباد حين قال:
ابن النبيِّ نَعَمْ وابن الوصيِّ نَعَمْ … وابن الشهيد نَعَمْ والقول تحقيقُ
لم يشفهم قتله حتى تعاوره … قتل وصلب وإحراق وتمزيقُ
فالسلام على حليف القرآن، يوم وُلِد، ويوم أُستشهد، ويوم نُبش قبره، ويوم صُلب، ويوم أُحرق وذُرّ رماده الطاهر في فرات العراق، السلام على الأرواح الطاهرة التي جددت الدين، وفتحت باب الجهاد الى يوم الدين، من أجل الحفاظ على إسلامنا، دين الرحمة والسلام.
– المصادر والمراجع:
-من كتاب ” ثورة الإمام زيد عليه السلام ” للأستاذ يحي قاسم أبو عواضة
-كتاب الحدائق الوردية
-الإمام يحيى بن الحسين الهاروني، الإفادة، دار الحكمة اليمانية، الطبعة الأولى 1996.
-لسيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي، اللآلئ المضيئة، الجزء الأول.
-السيد العلامة مجدالدين بن محمد المؤيدي، التحف شرح الزلف المؤلف، الطبعة الخامسة.
–علي عبدالكريم الفضيل، الزيدية نظرية وتطبيق، جمعية عمال المطابع التعاونية – عمان، الطبعة الأولى 1985.
— يحيى الفضيل، من هم الزيدية، جمعية عمال المطابع التعاونية – عمان، الطبعة الثالثة 1981.
— زيد يحيى المحبشي، وقفة تأمل في ذكرى استشهاد حليف القرآن، صحيفة الأمة، العدد 235، 4 أبريل 2002.
– أحمد محمد الهادي، التاريخ الإسلامي، الجزء الأول، الطبعة الثانية 2011.