Herelllllan
herelllllan2

القيادة الثورية والقيم الروحية أسرار الانتصارات في الحروب الوطنية

القيادة الثورية والقيم الروحية أسرار الانتصارات في الحروب الوطنية

يمانيون../

يتحدث الكثير من الناس عن الدور الديني في الحروب، لكن الحقيقة ليس المفهوم الديني وحده هو ما يعطي الشعوب المعنويات المرتفعة ويحقق الانتصارات، بل إن الأهم هو امتلاك الشعب الإيمان بعدالة القضية التي يحارب من أجلها. فالموقف المعنوي لا يتحدد بمدى سلامة الدين أو ببطلانه في تحقيق الانتصارات، وإنما يتعلق بمدى أحقية القضية وعدالتها. والدليل واضح على الواقع، حيث إن شعوباً قاومت الغازي رغم أنه يحمل دينا معينا سماويا وهي لا تحمل دينا سماويا وإنما تتمسك بحقها في أرضها ووطنها وفي كونها ضحية عدوان أجنبي يغزوها للسيطرة على أرضها وبلادها، بغض النظر ما إذا كانت تؤمن بدين أم لا. فالإيمان القوي معنويا يأتي من حقيقة العدوان وعلى من؟ ومن هو الضحية؟ ومن هو مالك الأرض وصاحب والحق فيها؟ ولا يجدي التدين إذا كان يتعارض مع الحق، فلا يعطي الموقف المعنوي القوي إلا شعور الإنسان المقاوم بأنه مظلوم، معتدى عليه ظلما وجورا.

الصهيونية تستخدم الادعاء الديني في تبرير سيطرتها على العرب والمسلمين. وتستخدم الصهيونية الأناجيل والتوراة وأسفارها، كما تستخدم أفكار الوهابية وشيوخها ممن يسمونهم مجددي الدعوة السلفية، في تبرير الاحتلال الصهيوني لفلسطين والبلاد العربية الأخرى المحتلة. ويتكئ المتحدث باسم الجيش الصهيوني الحالي على ما يسوقه شيوخ الوهابية السعودية من حجج على المسلمين والعرب المقاومين للغزو والاحتلال ولعملائهما، وهو ما يوكد طبيعة الروابط الأخوية بين الصهيونية والرجعية السعودية الوهابية ووحدة المنشأ الاستعماري الغربي وخدم المشروع الامبريالي المشترك والواحد.

التدين والغزو 

الغزاة يستخدمون الدين كراية لتبرير الفتح والغزو لأراضي الغير واحتلالها باسم نشر الدين، والحقيقة ألا علاقه لهم بالدين الحقيقي وإن تظاهروا بخدمته، مثل خادم الحرمين راهناً، وخادم العثمانية وخدام ملك بني أمية وخدام ملك بني العباس سابقاً، كل هؤلاء الملوك ادعوا خدمتهم للإسلام والإسلام منهم براء، ولم يكن أي منهم مخلصا لدينه حقيقة، فقصورهم تشهد مجرياتها وحياتها على الفجور والفسق، والبعد عن الأخلاق والقيم الدينية، والتهالك على الشهوات الملذات والنعيم والترف والمجون، ومثلهم ملوك الصليبية الذين جاؤوا لاحتلال الأراضي المقدسة للإسلام والعرب باسم تخليصها من أيدي غير المسيحين، وإنقاذ ابن الرب، وفي الحقيقة لم يكونوا يعبدون سوى الذهب والشهوات والمجون. والترف المتعارض مع المسيحية الأصلية، فكانوا أسوأ مثال على الكذب باسم الدين. مثلهم فعل الفاشيون والنازيون الألمان في العصر الحديث، فقد رفعوا شعار الصليب المعقوف وهم يغزون العالم، أوروبا وغيرها، باسم أنهم ينشرون القيم الصليبية في وجه الذين لا يؤمنون بها، ولم تكن تلك إلا ذريعة فجة لإخفاء الهدف الاستعماري المتوحش. ولذلك فإن مفهوم القيم الروحية لا يرتكز على المظهر الخارجي للأديان، وإنما على جوهرها العادل على أحقية وعدالة القضية التي نقاتل من أجلها.

جميع الأديان السماوية الصحيحة (غير المحرفة) لا تسمح لأتباعها بإيذاء الآخرين أو الاعتداء عليهم بغير عدوان منهم بنفس القدر. ومع ذلك فإن كثيراً من الشعوب الشرقية والأفريقية تعرضت للإفناء من قبل المستعمرين الغربيين باسم أنهم غير مؤمنين وباسم نشر الدين بينهم، كما أن شعوبا ليس لها دين سماوي قد صمدت في وجه المحتلين المتدينين بدين المسيح، الغزاة باسمه وقد هزموا في نهاية تلك الحروب العدوانية.

سر النصر والإخفاق في الحروب الوطنيةالحرب السوفييتية مثالا 

يكمن سر الإخفاقات الاستراتيجية الألمانية في عدوانها على بلاد السوفييت خلال الحرب العالمية الثانية وهزيمتها واستئصال شأفتها، بعد أن سيطرت على قارة أوروبا بأكملها وغيرها أيضاً، يعود إخفاقها بدرجة أساسية إلى قوة الروح المعنوية لدى شعوب السوفييت ووحدتهم والتفافهم حول قيادتهم وإخلاصهم وحبهم للوطن واستعدادهم لافتدائه بأرواحهم ومهجهم، وإلى نوعية القادة التاريخيين العظام، سياسيين وعسكرين، وإلى النظام الاجتماعي العام الذي يحقق العدالة الاجتماعية وإشراك المجموع القومي في نتائج الثروات الوطنية العامة ومنع احتكارها في طبقة ضيقة مميزة، وتشارك أنماط العيش بين القيادة والشعب والجيش وتقاسم الخبز والضروريات بين القائد والشعب والجيش، وعيش القائد نفس نمط عيش الشعب وظروفه.

والروح المعنوية، كعامل رئيسي من عوامل الحرب الوطنية التحررية العادلة، يقصد بها العقائد والقناعات والقيم الروحية الشعبية، ويقصد بها أيضاً طبيعة القيادة الوطنية وذكاؤها وسعة حيلتها ودهاؤها، وقوة إرادتها وعزيمتها وإيمانها الصلب. والانتصار في الحروب الوطنية يقتضي التلازم بين العنصرين الأساسيين.

وتتأثر الروح المعنوية في أي جيش بطبيعة النظام الذي تدافع عنه، فليس هناك عزلة بين النظام وطبيعته وبين الجيش المدافع عنه. وفي النهاية تتغلب طبيعة النظام في أحدهما من حيث المحتوى. فالجندي والمقاتل، وهما في الخنادق أو في التلال والصحاري والسهول، وهما يقاتلان وينزفان دماءهما، يفعلان ذلك لا من أجل قيادتهما وما تقدمه من أموال ومغريات وغنائم، بل من أجل ما يؤمنان به من قيم وأحقيات ومظلوميات ومقدسات. ويشتد الصمود بقدر ما يكون النظام معبرا عن أغلبية الشعب والأمة، قريبا إليهما، قريبا إلى نفس وقلب وروح كل جندي ومقاتل ومتطوع. تلك المشاعر المقدسة هي التي تدفع المقاتل إلى التشبث بالأرض والموقع والسيادة، لأن النظام يعبر عن المقدس الجماعي وإن اختلف الناس معه في تفاصيل معينة، لكن ليس في الأساسيات؛ فهم يتمسكون به ويسيرون خلفه ويتوحدون به.

أهمية ودور الشخصيات القيادية

يقف خلف النكسات والانتصارات دوما قادة معينون هم السبب الأساسي لما يتحقق من هزائم أو انتصارات، فلا توجد انتصارات بلا قادة على الإطلاق، بل لا توجد جيوش بدون قيادة من الأصل، فالقائد هو الذي يمنح الجماعة المحاربة شكل الجيش وروحه ويرفعها من مستوى النشاط العفوي المشتت إلى مستوى التنظيم الواعي، المركزي، الموحد، الهادف، المتلاحم.

فالقائد العظيم لا يكون منفردا لوحده، وإنما ضمن منظومة من القادة والطليعيين الذين يعبرون عن تطلعات عصرهم وأممهم وشعوبهم وطبقاتهم ويكونون أدواته وسواعده ومساعديه ووزراءه وجهازه التنفيذي ودعاته وشارحي أفكاره وناشري رسالته بين الناس ومناصريه ومويديه. وفي الحروب تزداد أهمية القادة إلى أقصى حدودها، وعليهم يتوقف مصير الأمم والشعوب.

وكانت الحرب العالمية الثانية التي شنتها ألمانيا النازية الامبريالية وحلفاؤها ضد شعوب العالم والقارات المختلفة بهدف استعبادها، كانت أعظم امتحان أمام الإنسانية في مواجهة أكبر خطر يهدد البشرية وحريتها واستقلالها، ويذكرها بغزوات جنكيز خان وهولاكو وتيمورلنك، والغزوات باسم الصليبية في القرون الوسطى التي اجتاحت مناطق واسعة من قارات العالم، قبل أن يتم صدها من قبل بعض القوى والشعوب والأمم الحية الحرة لإنقاذ العالم من شرورها في القرون الغابرة. وقد تولى المسلمون والعرب مهمة إنقاذ البشرية عندما تصدوا لجحافل جنكيز خان وهولاكو وتيمورلنك والمغول والتتار والصليبيين المستعمريين.

وفي العصر الحديث، سارت ألمانيا المتوحشة النازية على سيرة من سبقها من الطغاة الجبابرة مصممة على احتلال العالم كله وتحويله إلى مستعمرات تابعة لها ولمترفيها، وذبحت على طريقها أكثر من 50 مليوناً من البشر خلال بضع سنوات في طريقها للسيطرة على العالم لامتصاص خيراته بالحديد والنار. وقد انهارت كل أوروبا وأغلب آسيا وإفريقيا تحت ضرباتها وكادت أن تحقق غاياتها الاستعمارية المتوحشة لولا أن قيض الله في وجهها والتصدي لها أمة قوية حية متمثلة في الاتحاد السوفييتي الذي قدم أكثر من 30 مليون شهيد وهو يقاوم العدوان النازي في حرب وطنية تحررية، حتى قصم ظهره وقمعه وسحق قواته وغزا قاعدته في قلب دولته وعاصمته التي انطلق منها ليحيلها ترابا ورمادا ويجبره على الاستسلام دون قيد أو شرط بعد أن أفنى قواته خلال معارك التحرر الوطني السوفييتية الروسية.

كان الروس قد ذاقوا من قبل مرارة الاحتلال الأجنبي المتوحش المتمثل في الاحتلال المغولي التتري لعدة قرون، حتى تحرروا منه بعد كفاح طويل، عانوا فيه الكثير وضحوا بالكثير من أفضل أبنائهم قبل أن يؤسسوا لهم دولة مستقلة حديثة بقيادة زعمائهم وقادتهم التاريخيين من الثوار الأحرار.

كما تعرضوا خلال القرن الماضي لغزو استعماري كبير هو الأضخم في التاريخ آنذاك، وهو الغزو النابوليوني الاستعماري الفرنسي، ثم غزو 30 دولة استعمارية غربية في مطلع القرن، كرد على ثورتهم وتحررهم من النظام الإمبريالي الامبراطوري التبعي الرهين الإقطاعي، واختيارهم طريق الحرية والاستقلال. وقد صدت روسيا ذلك الغزو الغربي الجماعي الذي تواصل عدة سنوات وأودى بحياة ملايين الروس قبل أن ينكسر ويتحطم أمام صلابة وصمود تلك الأمة القوية، بعد أن تشربت العقائد الثورية الاستقلالية والتحررية. ولذلك أدركوا مبكرا خطورة الدعوات الفاشية الغربية الاستعمارية المتطرفة، وأنهم سيكونون المستهدف الأول والأكبر منها، لذا فقد استعدوا لمواجهتها منفردين بعد أن خانتهم معظم الدول الكبرى المستهدفة من الاحتلال الألماني. وبدلا من التعاون معهم ضد الهجوم الفاشي وعدوانه راحوا يحرضونه سرا على غزو بلاد السوفييت واستعدادهم لتقاسم بلاد الشرق كلها مع الغازي، إلا أن الغزو النازي رفضهم وأذاقهم الويلات واحدا تلو الآخر، ثم استعد لغزو الاتحاد السوفييتي في طريقه لاجتياح الشرق كله، بعد استكماله السيطرة على الغرب.

قراءة: علي نعمان المقطري

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com