من ساحات المدارس الصيفية.. “فتية التنمية” يشعلون فتيل ثورة الوعي الزراعي
يمانيون/ تقارير
ترجمة حية لموجهات السيد القائد السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله، والتي تترجمها توجيهات المجلس السياسي الأعلى، وحكومة التغيير والبناء، نحو الهدف الأسمى: النهوض بالقطاع الزراعي حتى نبلغ شاطئ الاكتفاء الذاتي ونعزز الأمن الغذائي. وغرس تلك البذرة الطيبة، ثقافة الزراعة، في نفوس “فنية التنمية”؛ النشء والشباب، وتشجيعهم على مد الأيادي لزراعة الأشجار، وتعريفهم بفوائد النباتات، والحد من ذلك الزحف المخيف للتصحر، وحماية البيئة، وتحسين الأوضاع المعيشية، ودعم وتنمية الاقتصاد الوطني، ذلك العصب القوي للدولة.
واستغلالاً للفرصة الذهبية، موسم الصيف الزراعي، تشهد ساحات اليمن التعليمية صحوة مباركة. تتحول من خلالها المراكز الصيفية إلى حقول خصبة لزراعة الحبوب والثمار، وغرس الوعي الزراعي وترسيخ ثقافة الاكتفاء الذاتي في أرواح جيل المستقبل. وفي مشهد يبعث في النفوس التفاؤل، تتضافر جهود حكومية ومجتمعية، لتنطلق سلسلة من الأنشطة والفعاليات التي تلامس وجدان أبنائنا وتعمق في نفوسهم كـ”فتية التنمية” الارتباط الوثيق بأرضهم وهويتهم الزراعية الأصيلة.
في العاصمة صنعاء الشامخة دقت ساعة العمل الزراعي الصيفي باجتماع حاسم، ترأسه نائب رئيس الوزراء – وزير الإدارة المحلية والتنمية الريفية، محمد المداني. في الاجتماع، دار نقاش معمق، كبذور تُزرع في تربة خصبة، حول الأنشطة المنفذة ضمن موسم التشجير الطموح وخطط توسيع الرقعة الخضراء في شتى ربوع اليمن.
وبحضور وزيري الزراعة والبيئة وقادة العمل الزراعي، أطلق نائب رئيس الوزراء شرارة التوجه الحكومي الواضح، كضوء يهدي السائرين في الظلام: “نعمل بمسارات متوازية لإيجاد بدائل مستدامة لمن يعتمدون على قطع الأشجار كمصدر رزق”. وأضاف بصوت الواثق، كهمسة تبعث الطمأنينة: “حماية بيئتنا مسؤولية وطنية ومجتمعية، تستدعي تضافر كل الجهود”.
هنا، صدرت التوجيهات الحاسمة للسلطات المحلية، كأوامر لجند عاهدوا على الولاء، لتمكين الجهات المشرفة على المراكز الصيفية من تنفيذ خطط التشجير بكفاءة عالية، مع استغلال موسم الخريف كفرصة ذهبية لتوسيع المساحات الخضراء، لتتنفس الأرض هواءً نقياً. والحماس بدا واضحاً في دعوته لتوفير بذور أشجار السلام والسدر المباركة، وتوسيع إنتاج الشتلات التي ستبني بيئة مستدامة للأجيال القادمة، إرثاً نفخر به.
ولم يغفل أهمية الدور التوعوي، موجهاً كلماته المؤثرة للإعلام والخطباء والوجهاء، كرسائل محبة للوطن: “مجتمعنا اليمني بطبيعته الريفية مؤهل لقيادة هذا التحول الزراعي البيئي، خاصة مع تحريك المجتمع عبر الاتحاد التعاوني الزراعي.
بدوره، أشار وزير الصحة والبيئة، الدكتور علي شيبان، إلى أن تدهور الغطاء النباتي ينعكس كظل قاتم على الصحة العامة والوضع البيئي، ما يتطلب تكاتف الجهود وإيجاد معالجات وبدائل لمنع الاحتطاب الجائر، وتعزيز الوعي البيئي بمخاطره وأضراره، لنحمي أرضنا من براثن الجفاف.
وأكد شيبان على ضرورة التنسيق بين مختلف الجهات المعنية لتوفير بيئة صحية وآمنة، كخيوط متينة تنسج نسيجاً قوياً للمستقبل، داعياً جميع أفراد المجتمع إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية في الحفاظ على الموارد البيئية وحمايتها، فهي أمانة في أعناقنا.
فيما أكد رئيس الاتحاد التعاوني الزراعي، مبارك القيلي، التزام الاتحاد بتنفيذ توجيهات وزارة الزراعة وشركاء التنمية، “كعهد نقطعه على أنفسنا”، لافتاً إلى أهمية تنفيذ حملات التشجير عبر الجمعيات التعاونية الزراعية لضمان الوصول المباشر إلى المزارعين وتحقيق الأثر الفعلي على الأرض، لتزهر جهودنا ثمراً طيباً.
في خطوة تترجم الأقوال إلى أفعال ملموسة، أعلن وزير الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، الدكتور رضوان الرباعي، عن تدشين مشروع وطني ضخم لزراعة مليون شتلة خلال الموسم الزراعي الحالي، كبشارة خير تلوح في الأفق. وبنبرة الواثق، أكد أن العمل بدأ فعلياً منذ مارس الماضي، ليشمل زراعة 100 ألف شتلة سدر في تهامة وصعدة، تلك المناطق التي تحتضن هذه الأشجار المباركة، كرمز للصمود والعطاء.
وكشف الرباعي عن خطوة استراتيجية أخرى، كبناء حصن لحماية المستقبل الزراعي: إنشاء مشاتل جديدة في محافظات كانت تفتقر إليها، وعلى رأسها الجوف، لتعزيز البنية التحتية للقطاع الزراعي، ذلك الأساس المتين الذي تقوم عليه النهضة. وفي إشارة ذات دلالة، أكد أن “برامج التوعية الزراعية تشمل أيضًا المراكز الصيفية، في إطار بناء جيل يمتلك وعياً زراعياً”، فهم قادة المستقبل وحماة الأرض.
في قلب المشهد الصيفي النابض بالحياة، تتألق المراكز الصيفية كنجوم تضيء دروب المعرفة الزراعية للنشء، كمشاعل تنير الطريق نحو مستقبل أخضر. ففي أمانة العاصمة، انطلق قطار المعرفة بزيارة طلاب المدارس الصيفية في مديرية شعوب إلى السوق المركزي للحبوب، ذلك الصرح الذي يعرض خيرات الأرض. هناك، تجول الطلاب بين أروقة السوق، يتعرفون على كنوز اليمن من محاصيل الحبوب الغذائية المحلية بأنواعها، كقصيدة تروي قصة كرم الأرض. واستمعوا من القائمين على السوق، إلى شرح حول طبيعة المنتجات الزراعية من الأصناف المحلية ذات الجودة العالية، وأهميتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي، في ظل اهتمام القيادة الثورية بتشجيع زراعة وإنتاجية المحاصيل الزراعية، ذلك الهدف الذي نسعى إليه جميعاً.
وفي أمانة العاصمة صنعاء أيضاً، استقبل مشتل دار سلم خمسة مراكز صيفية من مديرية السبعين، حيث شارك الطلاب في أنشطة تعريفية بأهمية الزراعة وأنواع النباتات وطرق الزراعة المنزلية، كبذور تزرع في عقولهم الصغيرة. وفي مشهد مؤثر، تم توزيع 206 شتلات على الطلاب لغرسها في منازلهم ومدارسهم، لتتحول الساحات إلى لوحات خضراء تنبض بالحياة، وتشهد على بداية علاقة وثيقة بين الجيل الصاعد والأرض.
ولم تخلُ مديرية الصافية بأمانة العاصمة من هذه المبادرات المباركة، حيث نفذ فرع الزراعة نشاطاً توعوياً حول التشجير في المركز الصيفي بمدرسة السنيدار، وشارك الطلاب في تجهيز مواقع للزراعة، ليخطوا بأنفسهم الخطوات الأولى نحو الاكتفاء الذاتي، ذلك الشعور بالعزة والكرامة.
تحولت المدارس الصيفية في مديرية الظهار في محافظة إب إلى ورش عمل زراعية حقيقية، كخلايا نحل تعج بالنشاط والإنتاج. دُشنت الأنشطة الزراعية في مدارس النهضة والفاروق وغيرها، حيث تم توفير 35 ألف شجرة من بن العديني ذي الجودة العالية لزراعتها في ساحات المدارس والمراكز الصيفية، كهدية من الأرض لأبنائها. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل تضمن البرنامج دروساً توعوية وتدريبية لغرس ثقافة الزراعة في نفوس النشء وتعريفهم بفوائد النباتات وأهمية التشجير، لنحميهم من غبار الجهل.
أما في محافظة ذمار، فقد اتخذت المبادرات طابعاً ميدانياً، كجيش يتحرك على الأرض. حيث يجري التحضير لتوزيع 43 ألف شتلة من السدر على مختلف قرى وعزل مديرية المنار، وفق آلية مدروسة أشرفت عليها الجهات الزراعية في المديرية، بالتنسيق مع السلطة المحلية وجمعية المنار التعاونية الزراعية، كتعاون مثمر يهدف إلى الخير. ومن بين الشتلات التي ستُزرع، 300 ألف شتلة فاكهة تم إنتاجها في مشتل هِران التابع لصندوق النظافة والتحسين، و100 ألف شتلة من المشتل المركزي في رصابة، و80 ألف شتلة من مشتل البن في مدينة الشرق، لتنتشر الخيرات في كل مكان.
كما نفذ مكتب الزراعة بمديرية جهران نزولا ميدانيا إلى المراكز الصيفية بعزلة الموسطة، لتفعيل المادة الزراعية وتوزيع الوسائل التعليمية، كبذور للمعرفة تُزرع في العقول. وفي لفتة مجتمعية دافئة، تم زيارة مركزي الإمام الحسين في قرية بيت النهمي، والشهيد الصماد في قرية العليب، وهناك تم توزيع وسائل تعليمية زراعية كمبادرة مجتمعية مقدمة من مكتب الزراعة، استفاد منها 160 طالبًا وطالبة في مركز الإمام الحسين، و90 طالبًا وطالبة في مركز الشهيد الصماد، لتضيء لهم دروب المستقبل.
ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد، بل استقبل مركز بحوث الموارد الطبيعية في ذمار طلاب كلية الزراعة في برنامج تدريبي صيفي مكثف، حيث تلقوا برنامجاً تدريبًا عمليًا لمدة ثلاثة أيام: تدربوا فيها على طرق تحليل التربة والمياه والأعلاف والأسمدة، كخطوات عملية نحو فهم أعمق لأسرار الأرض. وقدّم المختصون في المركز شروحا تفصيلية حول خطوات التحاليل الفيزيائية والكيميائية للعينات الواردة إلى المختبر، اكتسب من خلالها الطلاب مهارات تطبيقية ومعارف علمية متخصصة تعزز من قدراتهم الأكاديمية والمهنية، ليصبحوا قادة المستقبل في المجال الزراعي. كما تم وضع خطة لتوزيع الشتلات على مختلف القرى والعزل بالتعاون مع الجمعيات التعاونية، بما يضمن الاستفادة القصوى منها في تحسين البيئة وتوفير مراعي للنحل، ذلك المخلوق الصغير ذي الأهمية الكبيرة.
وتشهد محافظة تعز هذا العام حراكاً طلابياً للأنشطة الصيفية، كبستان يزهر في فصل الصيف، حيث بلغ عدد المدارس بمديريات المحافظة 759 مدرسة، تستوعب 72 ألفًا و605 طلاب وطالبات، منها ثلاثة مراكز ذات سكن داخلي في مديريات التعزية ومقبنة وخدير، و80 مدرسة نموذجية، لتكون منارات للعلم والمعرفة.
وتبقى الدورات الصيفية ملاذاً آمناً للطلاب والطالبات في مختلف مراحل التعليم، لإكسابهم المزيد من المعارف والمهارات وتأهيلهم تأهيلاً علمياً في مختلف المجالات، وأبرزها حفظ وتلاوة القرآن الكريم، والتزود من الثقافة القرآنية، وتعزيز الهوية الإيمانية، ذلك السلاح الذي نحتمي به.
في محافظة صعدة الصامدة، اتخذت الأنشطة الزراعية في المراكز الصيفية أبعاداً استراتيجية، كحصن منيع في وجه التحديات. ففي مديرية كتاف نفذ فريق تنموي زيارات ميدانية لتفعيل المادة التعليمية الزراعية وتعزيز الوعي بأهمية الزراعة كجبهة اقتصادية لمواجهة التحديات، كسلاح ذي حدين يحمينا ويقوينا. تم حث الطلاب على إنشاء مشاتل مدرسية ومنزلية، والتوعية بأضرار زراعة القات، وضرورة التوجه نحو زراعة المحاصيل الاستراتيجية، لنحمي أرضنا ونغذي شعبنا.
وفي مديرية غمر، قدم المهندس محمد ضيف الله نشاطاً توعوياً يهدف إلى رفع وعي الطلاب وتعزيز ارتباطهم بالأرض، مؤكداً على أهمية الزراعة المنزلية كخطوة عملية نحو الاكتفاء الذاتي، كبذرة صغيرة تنمو لتصبح شجرة مثمرة. كما لاقت الأنشطة تفاعلاً إيجابياً من قبل الطلاب، وأسهمت في تعزيز وعيهم الزراعي، وغرس حب الزراعة في نفوسهم، وتحفيزهم على ممارسة الزراعة المنزلية بمختلف أنواعها، بما في ذلك زراعة الفواكه والخضروات والنباتات الطبية والعطرية، ليصبحوا منتجين ومكتفين. كما أكسبتهم معارف ومهارات زراعية بسيطة تسهم في بناء جيل منتج ومتمسك بأرضه، ذلك الكنز الذي لا يفنى.
وامتدت هذه الجهود المباركة لتشمل مديريات أخرى في صعدة، كسحار وبني بحر وآل سالم ورازح والظاهر وساقين، حيث تنوعت الأنشطة بين دروس توعوية وتطبيقات عملية، لغرس حب الأرض والعمل الإنتاجي في نفوس الطلاب، فهم أمل المستقبل.
لم تقتصر هذه الصحوة الزراعية المباركة على مناطق يمنية بعينها، وإنما امتدت كالنور ليشمل محافظات حجة وعمران والمحويت ومأرب، ليغطي الخير كل أرجاء الوطن. ففي حجة، دُشنت الأنشطة الزراعية والرياضية في المراكز الصيفية، وتم توزيع مئات الآلاف من الشتلات المتنوعة، كبذور أمل تُزرع في كل بيت. وفي عمران، استعرض المختصون في القطاع الزراعي مضامين المادة الزراعية في المراكز الصيفية بمدرسة الشورى، وتم غرس شتلات رمزية لربط الجانب النظري بالتطبيق العملي، ليترسخ العلم في أرض الواقع. وفي حجة تم تدشين توزيع 300 ألف شتلة متنوعة، تشمل شتلات البن وأخرى تشجيرية، لزراعتها في المدارس والمقرات والمنازل والأراضي الزراعية بعدد من مديريات محافظة حجة، ضمن جهود التوسع الزراعي، لتخضر أرضنا بأيدينا.
أما في المحويت ومأرب، فقد دُشنت الأنشطة الزراعية بزراعة شتلات المانجو والجوافة في عدد من المدارس، لتعزيز الوعي بأهمية الزراعة كركيزة أساسية للأمن الغذائي، ذلك الحصن الذي يحمي عزيمتنا. وتواصلت الزيارات الميدانية للمراكز الصيفية لتعزيز الوعي الزراعي ضمن برنامج متكامل، كرحلة استكشافية لعالم مليء بالخير. كما تم التأكيد على أن توزيع الشتلات على المدارس الصيفية يأتي ضمن حملات التوعية البيئية والزراعية، التي يتم تنفيذها عبر مكاتب الزراعة بالتعاون مع الجمعيات في مختلف المديريات، لتعم الفائدة كل مكان.
وفي ساحات المخيمات الصيفية النابضة بالحياة، يسطر “فرسان التنمية والإرشاد الزراعي” حكايات ملهمة، كنجوم تضيء دروب المعرفة. هؤلاء الرواد، بالتنسيق مع مهندسي الإرشاد، يقدمون لجيل المستقبل كنوز الزراعة بأسلوب جذاب، كقصص شيقة تُروى لـ”فتية التنمية” طلاب المراكز الصيفية. وبرعاية مدراء المديريات وإشراف مكاتب الزراعة ومتابعة الجمعيات التعاونية، تتحول المخيمات إلى حقول تجارب حسية، حيث يتعلم الطلاب بأيديهم وعقولهم. يتعرف الطلاب على ألوان وأنواع الحبوب، ويتعلمون تحويل المخلفات إلى سماد عضوي، يشاهدون سحر تحولها إلى حياة جديدة، كمعجزة صغيرة تتكرر كل يوم.
تمتد الأنشطة لتشمل العمل اليدوي، حيث يزرع “فتية التنمية” من طلاب وطالبات المدارس البذور بشغف، يراقبون نموها كأحلام صغيرة تتحقق، ليتعلموا قيمة الصبر والعمل. وفي زيارات ميدانية، يصطحبهم “الفرسان” والمرشدون في رحلات استكشافية لعالم الزراعة، يقدمون حكايات عن أهمية الأرض وكيف يمكن للزراعة المنزلية البسيطة أن تعزز الاكتفاء الذاتي وتحسن الحياة، كخطوات صغيرة نحو مستقبل أفضل.
يركز “فرسان الأرض” على غرس الوعي بأهمية الاكتفاء الذاتي كهدف ممكن التحقيق بمحبة الأرض وخطوات صغيرة، ليصبح الاعتماد على الذات شعاراً للمستقبل. هكذا، تتحول أيام الصيف في المخيمات إلى فرص لغرس قيم عميقة، وبذور معرفة تنمو لتصبح أشجار وعي واعتماد على الذات، تغير نظرة الجيل إلى أرضه ومستقبله، وتزرع فيهم حب الانتماء والمسؤولية.
في مديرية السبعين بأمانة العاصمة صنعاء، وتحديداً في حي الرحاب، بزغ فجر قصة نجاح ملهمة، تجسدت في مركز الشهيد “هاني طومر” للأنشطة الطلابية الصيفية، والذي تحول ضمن رؤية ثاقبة وجهود مضنية إلى منارة إشعاع في مجال الزراعة المستدامة والتنمية المجتمعية، كشعلة تنير الدرب للآخرين.
كل من زار المركز، وقف مندهشاً أمام مشتل المركز، ليعلن بصدق وإعجاب: “لم نرَ مثيله في أي مركز صيفي حتى الآن”. كلمات رسمت صورة لمشهد فريد، حيث تتناغم أشجار الفاكهة والخضروات والنباتات الطبية والعطرية في سيمفونية خضراء، تشهد على “عمل جبار” يستحق التقدير والاقتداء، كبصمة أمل في أرض العطاء.
لم تكن البداية مفروشة بالورود. أحد القائمين على المشتل، يسترجع الماضي القريب ليصف المكان بأنه كان “مليئاً بالعلب والأشجار الشوكية والخراب، ولم يكن صالحاً للزراعة من قبل”. لكن الإصرار والعزيمة حوّلا هذا القفر إلى واحة غناء، كإرادة صلبة تغلبت على الصعاب. تضافرت جهود الطلاب، وتحت إشراف اللجنة الزراعية، وبدعم لوجستي من فرقة الكشافة والهلال الأحمر، تم استبدال تربة خصبة بالسابقة القاحلة، لتنطلق بعدها مباشرة عملية الزراعة، كحياة جديدة تدب في الأرض.
لم يكن هذا التحول وليد لحظة، بل ثمرة تعاون مثمر بين المدرسة ومبادرات مجتمعية فاعلة. فريق فرسان التنمية في المنطقة، هو من لعب دوراً محورياً في تحفيز الطلاب وتوعية المجتمع بأهمية الزراعة، كشعلة حماس أشعلت القلوب. يروي “المعمري” كيف بدأت الفكرة برصد حالة المكان المليء بالصخور، وكيف تحولت مبادرة طلابية لإزالة هذه الصخور وزراعة الأشجار إلى مشروع رائد بفضل تضافر الجهود وتوفير المياه، ليتحول التحدي إلى قصة نجاح.
عام واحد مرّ على بداية العمل، واليوم، يزهو المشتل بثماره. يقول القائمون بفخر: “والحمد لله، الآن نأكل من ثمار زراعتنا”. أشجار التفاح والليمون والبرتقال واللوز تتمايل أغصانها محملة بالخير، وشجرة الأفكادو تقف شامخة كرمز للإصرار على النجاح، لتثبت أن لا شيء مستحيل مع الإرادة. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد ليشمل زراعة الشاي والنعناع والخوخ (الفِرسِك) والرُمان، ليتحول المكان إلى بستان متنوع يعكس اهتمام الطلاب وعنايتهم اليومية، كلوحة فنية رسمتها أياديهم الصغيرة.
ويضيف القائمون بحماس: “نحن الآن نشهد غابات من الأشجار والحقول التي تحيط بالمكان”. لم يكن الهدف مجرد زراعة مشتل، بل غرس ثقافة الزراعة وحب الأرض في نفوس الطلاب، ليصبحوا حماة المستقبل. لقد تعلموا مهارات الزراعة والعناية بالأشجار، وأصبحوا شركاء فاعلين في تطوير هذا النموذج الملهم، كبناة لمستقبلهم ومستقبل وطنهم.
لم تخلُ المسيرة من تحديات، أبرزها نقص المياه، ذلك الشريان الحيوي للأرض. لكن بفضل المساعي الحثيثة والتواصل الفعال مع محطة المياه، يبدو أن هذا العائق في طريقه إلى الزوال، ليفتح آفاقاً أوسع لتوسع المبادرة، كضوء في نهاية النفق.
إن قصة نجاح مشتل مركز الشهيد “هاني طومر” تتجاوز حدود المدرسة، لتصبح نبراساً يضيء الدرب للآخرين. لقد أصبح مصدر إلهام للمدارس المجاورة، حيث يتم تبادل الشتلات والخبرات الزراعية، كشعلة تنتقل من يد إلى يد. بل إن تأثيره امتد إلى المنازل، حيث انتشرت مبادرات الزراعة المنزلية، معززة بذلك مفهوم الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي، ليصبح كل بيت منتجاً.
في الحكاية، تتجسد رؤية واضحة للمستقبل، حيث يتم العمل على إدخال نماذج زراعية حديثة، ونشر ثقافة التقطير، وبناء مشاتل ذاتية الإنتاج في المنازل، كخطوات واثقة نحو الاكتفاء الذاتي. الهدف الأسمى هو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الوعي البيئي والتنمية المستدامة في المجتمع، لنرتقي بوطننا إلى أعلى المراتب.
إن قصة مشتل مركز الشهيد “هاني طومر” شهادة حية على قوة الإرادة، وجمالية التعاون، وأهمية الاستثمار في الأجيال القادمة، كرسالة أمل تبعث فينا العزيمة. إنها قصة نجاح نموذجية، تستحق أن تُروى وتُحتذى، لتلهم المزيد من المبادرات الخضراء في كل ربوع اليمن، ليصبح وطننا واحة خضراء.
تبرز المراكز الصيفية في هذا المشهد كحاضنات فاعلة للوعي، وبيئات تربوية متكاملة تتيح للنشء فرصة التعرف على أهمية الزراعة بشكل مباشر وتفاعلي، كمدارس للحياة تعلمهم أصول العطاء. من خلال الأنشطة العملية والزيارات الميدانية، يكتسب الطلاب فهماً عميقاً لدورة حياة النبات، وأهمية الحفاظ على التربة والمياه، ودور الزراعة في تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، ليصبحوا جيلاً واعياً بأهمية هذه الثروات.
إن هذه المراكز تعمل على ترسيخ ثقافة الاكتفاء الذاتي من خلال تعريف الطلاب بالمنتجات المحلية، وتشجيعهم على زراعة غذائهم بأنفسهم، ولو على نطاق ضيق في منازلهم ومدارسهم، كبذور استقلال تُزرع في نفوسهم. كما أنها تساهم في بناء جيل واعٍ بأهمية القطاع الزراعي كركيزة أساسية للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة، ليكونوا قادة المستقبل الذين يرفعون شأن الوطن.
إن ما نشهده اليوم في اليمن من تفعيل للأنشطة الزراعية في المراكز الصيفية، يمثل خطوة واعدة نحو بناء جيل جديد أكثر ارتباطاً بأرضه، وأكثر وعياً بأهمية الزراعة في تحقيق الاكتفاء الذاتي والنهضة الشاملة، كبشارة خير تلوح في الأفق. إنها استثمار في المستقبل، وغرس لبذور الازدهار التي ستثمر خيراً ونماءً لليمن وأجياله القادمة، ليصبح وطننا جنة خضراء. فمن حقول المعرفة تتجلى المراكز الصيفية في اليمن كمنارات تضيء دروب المستقبل، حاضنات للوعي الزراعي، وورش عمل حقيقية تغرس بذور الاكتفاء الذاتي في نفوس النشء، كشعلة أمل تنير الطريق. إنها ليست مجرد أماكن لقضاء الإجازة، بل هي بيئات تربوية خصبة، تلامس شغف الأطفال وتحولهم إلى بناة لمستقبل زراعي مزدهر، ليصبحوا قادة التغيير.
من خلال الأنشطة العملية والتفاعلية، يكتسب الطلاب فهماً عميقاً لأهمية الزراعة ودورها الحيوي في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة، ليدركوا قيمة أرضهم وثرواتها. إنها قصة أمل تُروى في قلب الصيف اليمني، قصة جيل جديد ينشأ على حب الأرض والعمل المنتج، جيل يحمل في قلبه بذور الازدهار لمستقبل يمني أكثر قوة واكتفاءً، ليصبح وطننا شامخاً عزيزا.
- نقلا عن موقع أنصار الله