الشيطان الأمريكي يعظُ الهند وباكستان
يمانيون../
يبدو أن السياسات الأمريكية الهادفة إلى الحفاظ على الهيمنة واعتلاء عرش العالم، لتبقى القطب الأول، في أسوأ الاحوال – إن لم تكن القطب الوحيد- تدفع العالم إلى مستنقع من الحروب وشلالات الدماء في جبهات متناثرة؛ ولاسيما على حدود التقاطعات الاستراتيجية للصراع المتعلقة بالممرات التجارية وتأجيج الصراعات في المحيط الحيوي للخصوم والأقطاب الصاعدة المناهضة والمهددة للعرش الأمريكي.
يتجلى هذا الأمر في التطور الخطير الأخير بين الهند وباكستان والوصول إلى حافة حرب كبرى؛ حيث أعلن توقفها مؤقتا بشكل مفاجئ ومريب، تتناقض روايات الأطراف عنه. وهذا ما يستدعي التوقف والرصد، وخاصة أن أجندة ترامب الراهنة ترفع الصين إلى مرتبة العدو الأول على قائمة خصومها، ومعروف حساسية هذا الصراع، جغرافيًا وأمنيًا وتجاريًا بالنسبة إلى الصين.
محل الغرابة، هنا، هو التحول في الموقف الأمريكي من غير المبالاة في بداية الأمر، إلى الدخول بقوة بشكل مفاجئ مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف إطلاق النار. إذ نسبَ إليه الفضل في ذلك، وتناقض مع رواية الهند، والتي قللت من مدى التدخل الأمريكي في الاتفاق، حين صرحت وزارة الإعلام الهندية بأنّهم توصلوا إلى الاتفاق “مباشرةً بين البلدين”، كما كذّبت الوزارة رواية أميركا بالاتفاق على محادثات لاحقة للتسوية، حين قالت إنه لا يوجد قرار بإجراء المزيد من المحادثات.
في هذا الصدد؛ نحن أمام عدة مشاهد موحية ومثيرة للتساؤلات؛ يمكن رصدها واستنتاج دلالاتها بشكل موجز؛ ومنها:
1- توظيف أميركا الصراعات وابتزاز الأطراف المتصارعة
عقب إعلان ترامب المفاجئ بوقف إطلاق النار ونسب الفضل لأميركا فيه؛ قال الرئيس الأميركي في منشور آخر على موقع “تروث سوشيال”، في وقت متأخر من الليل، إنه: “سيزيد التبادل التجاري مع الهند وباكستان”، وقال ما نصه: “سأعمل مع الهند وباكستان لمعرفة ما إذا كان من الممكن، بعد ألف عام، التوصل إلى حل بشأن كشمير”.
هذا الأمر يوحي بتوظيف مباشر للصراع لمصلحة الأجندة الأمريكية، والتي تسعى دومًا إلى امتلاك مفاتيح حل الصراعات وابتزاز أطرافها، خاصة وأن أميركا أهملت العلاقات مع باكستان لمصلحة تطوير علاقتها مع الهند. وبدا أن باكستان تتفلت من الشراكة الاستراتيجية مع أميركا، شيئا فشيئا، لمصلحة الشراكة مع الصين، كما أن هناك رصدًا لتحسين العلاقات بين الهند والصين ومحاولة توثيقها في العام الأخير، وهذا ما أزعج أميركا وأشعرها بأنها لم تعد الطرف الموازن للعلاقة بين الهند وباكستان، وأن مركز الثقل ينتقل شرقا إلى الصين.
2- ظهور تفوّق السلاح الصيني على الأسلحة الغربية
سارعت صحيفة “نيويورك تايمز” بتسريب يسوّغ تدخل مسؤولي إدارة ترامب من أجل تهدئة الأوضاع بين الهند وباكستان؛ على الرغم من عدم المبالاة في بداية اندلاع الحرب، بدليل تصريحات نائب ترامب “جيه دى فانس” لـــ”فوكس نيوز” بأن الأمر ليس من شان أمريكا على الإطلاق، وأنه يمكن أن تتشاور واشنطن مع كلا الطرفين للتراجع عن الحرب، لكنها ليست معركة أمريكا.
هذا التسريب بحاجة إلى تأمل وتحليل؛ لأن الصحيفة قالت إن ما دفع “فانس” و”روبيو” إلى التحرك هو وجود أدلة على أن القوات الجوية الباكستانية والهندية بدأتا الاشتباك فى معارك خطيرة، وأن باكستان أرسلت ما بين 300 إلى 400 مسيّرة إلى الأراضى الهندية لاختبار دفاعاتها الجوية. لكن أكثر ما دعى للقلق كان، مساء الجمعة، عندما حدث انفجار فى قاعدة نور خامن الجوية، في راولبندي في باكستان، وهى المدينة الحامية المجاورة لـــ”إسلام أباد” والواقعة على مقربة من مقر فرقة الخطط الاستراتيجية لباكستان، والتي تشرف على الترسانة النووية للبلاد، ويعتقد أنها تضم 170 أو أكثر من الرؤوس الحربية. وكان قد نُقل عن مسؤول أمريكي سابق مطلع على البرنامج النووي الباكستاني أن أعمق مخاوف باكستان هو فقدان سلطتها القيادية النووية. وأضاف هذا المسؤول أنه كان من الممكن تفسير الضربة الصاروخية على “نور خان” على أنها تحذير من أن الهند قد تفعل ذلك.
لكن هذا الأمر يذكر جانبًا من حقيقة المخاوف الأمريكية، وأهمل الجانب الأكبر منها والمتعلقة بظهور السلاح الصيني وتفوقه، فقد ارتفعت أسهم شركة “تشنغدو” لصناعة الطائرات الصينية بنسبة 40% هذا الأسبوع، بعد أن قالت باكستان إنها استخدمت طائرات جي-10 سي المقاتلة التي تنتجها الشركة لإسقاط طائرات مقاتلة هندية- بما في ذلك طائرة “رافال” الفرنسية المتطورة- خلال معركة جوية، يوم الأربعاء الماضي.
يُذكر أنه، على مدى السنوات الخمس الماضية، زودت الصين باكستان بـ81% من الأسلحة المستوردة، وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، وتشمل هذه الصادرات طائرات مقاتلة متطورة وصواريخ ورادارات وأنظمة دفاع جوي؛ يقول الخبراء إنها ستؤدي دورًا محوريًا في أي صراع عسكري بين باكستان والهند. وهو ما يجعل” أي تفاعل بين الهند وباكستان بيئة اختبار فعلية للصادرات العسكرية الصينية”، وفقا لما قاله “ساجان غوهيل”، من مؤسسة آسيا والمحيط الهادئ البحثية.
إلا أن تصريح ” كريغ سينغلتون”، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها الولايات المتحدة، يبدو أكثر كشفا للأمور، حين قال إن: “دعم بكين طويل الأمد لــ”إسلام آباد” بالمعدات والتدريب، والآن الاستهداف المدعوم بالذكاء الصناعي بشكل متزايد قد غيّر التوازن التكتيكي بهدوء، ولم يعد هذا مجرد صدام ثنائي؛ بل هو لمحة عن كيفية إعادة تشكيل صادرات الدفاع الصينية لقوة الردع الإقليمية”. وتاليًا؛ مع حصول باكستان على معظم أسلحتها من الصين، وحصول الهند على أكثر من نصف أسلحتها من الولايات المتحدة وحلفائها، فإن أي صراع بين الجارتين قد يكون فعليًا مواجهة بين التقنيات العسكرية الصينية والغربية.
في الاشتباكات الأخيرة؛ قالت باكستان إنها حققت نصرًا عظيمًا بواسطة قواتها الجوية، وأن 5 طائرات مقاتلة هندية و3 طائرات رافال وطائرة ميغ-29، وطائرة سو-30 أسقطتها مقاتلاتها من طراز جي-10 سي الصينية.
يكفي، هنا، القول إن أسهم شركة “أفيك تشنغدو إيركرافت” الصينية المملوكة للدولة، وهي الشركة المصنعة للطائرات المقاتلة الباكستانية “جيه-10سي”، قد أغلقت على ارتفاع بنسبة 17%، في “بورصة شنتشن”، يوم الأربعاء، حتى قبل أن يعلن وزير الخارجية الباكستاني أن هذه الطائرات استُخدمت لإسقاط طائرات هندية. وارتفعت بذلك أسهم الشركة بنسبة 20% إضافية يوم الخميس، واحتفل العديد من القوميين الصينيين بتفوق السلاح الصيني على الغربي علنيًا.
3- دخول العدو الصهيوني على الخط
كان سفير “إسرائيل” في الهند رويفن أزار واضحًا في التأكيد على دعم الكيان الكامل للهند؛ ووصفه بــ”حق الدفاع عن النفس”، ودخلت الأسلحة الإسرائيلية في المعركة، ولكنها أثبتت اهترائها، حين أعلنت باكستان عن إسقاط 25 طائرة مسيّرة إسرائيلية الصنع أطلقتها الهند، منذ مساء الأربعاء، غداة اندلاع المواجهة العسكرية بين الطرفين. وهذا ما يؤكد أن للعدو الصهيوني مكانًا على خط الصراع ، وهو ما يؤكد ارتباط الحرب بمصالح للكيان في الممر الهندي ودوره المحوري على أنقاض مشروع الحزام والطريق الصيني، في حال قطعه بسبب تنامي الصراعات العسكرية فيه.
4- الاندلاع المريب للاشتباكات
اندلع الصراع الأخير عقب مقتل 26 سائحًا، معظمهم من الهنود، على أيدي مسلحين في منطقة جبلية من الشطر الهندي من كشمير. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم. وقالت تقارير إعلامية إن جماعة مرتبطة بتنظيم “لشكر طيبة” الجهادي الباكستاني ربما تدّعي مسؤوليتها عن الهجوم. وقد نفت باكستان أي علاقة لها به. ونفى السفير الباكستاني في الولايات المتحدة علاقة باكستان، وطرح احتمال إجراء “عملية العلم الزائف” لإلقاء اللوم عمدًا على بلده.
كذلك من المعروف أن الجماعة المنسوب إليها الهجوم “لشكر طيبة” قد أنشئت بمعرفة المخابرات الأمريكية والباكستانية لمواجهة الاتحاد السوفياتي السابق، وعلى صلات وثيقة بالخليج، وهي المسؤولة عن هجمات مومباي في العام 2008. وقد كشف كتاب، صدر في العام 2011 بعنوان “داخل القاعدة وطالبان: ما بعد بن لادن و11 سبتمبر” للخبير الباكستاني في تنظيم القاعدة سيد سليم شهزاد، أن الهدف النهائي لهجمات مومباي كان إثارة حرب شاملة بين الهند وباكستان.
يُذكر أن هذه الجماعة تتمتع بعلاقة جيدة مع الجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمين في باكستان)، وهو ما يوضع من خلال التنسيق في عدد من المواقف السياسية، سواء ضد حكومة نواز شريف أم في ما يتعلق بالسياسية الخارجة، وآخر خروج في مظاهرات لدعم المملكة العربية السعودية في حربها ضد أنصار الله في اليمن.
5- ملاحقة مشروع الحزام والطريق الصيني
أعلن “شي جين بينغ” مشروع الحزام والطريق، في العام 2013. ويشكل الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني أهم ركيزة في هذا المشروع العالمي. وقد سمح ذلك لبكين بالوصول مباشرة إلى بحر العرب عبر ميناء جوادر، وتعزيز موقعها في هذه المنطقة الإستراتيجية. من ناحية أخرى، أثار التعاون في الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني رد فعل الهند؛ بسبب تنفيذ بعض المشاريع في منطقة كشمير.
إذ في الصراع الأخير أفادت المعلومات بأن الهند حركت أسطولها البحري باتجاه الموانئ الباكستانية؛ ما ينذر بإغلاق ميناء كراتشي الذي يُدخل موارد إلى البلاد بقيمة 100 مليار دولار سنويًا، وأن لبكين استثمارات كبرى في باكستان، منها استثمارها في ميناء كراتشي المهدد بالإغلاق من الأسطول الهندي، ما من شأنه أن يشكّل تحديًا مباشرًا للمصالح الصينية.
كما تفيد المعلومات بأن الصين استحوذت على ميناء جوادر في إقليم بلوشسان، في 16 مايو/أيار 2013. وبلغت قيمة مشاريع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، حتى العام 2022 نحو 65 مليار دولار. ولطالما عدّ نشاط الانفصاليين المدعوم من الخارج، في هذه المنطقة، نشاطًا يستهدف الاستثمارات الصينية.
– موقع العهد الاخباري