تهديدات الرئيس المشاط تثير الذعر في كيان العدو.. اليمن يعيد صياغة معادلة الردع في الشرق الأوسط
يمانيون | تحليل
في لحظة سياسية وعسكرية بالغة الحساسية، أطلق الرئيس مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، تصريحًا هادئًا في نبرته، صادمًا في مضمونه، أعاد من خلاله رسم خارطة التهديد الاستراتيجي لكيان العدو الصهيوني.
حين حذّر من التعامل مع الطائرات المعادية التابعة للاحتلال، داعيًا شركات الطيران الدولية إلى تجنّب المسارات الجوية التي يستخدمها العدو لشن اعتداءاته على اليمن، لم يكن يصدر توصية فنية عابرة، بل يعلن – بلغة محسوبة – فتح باب مرحلة جديدة من المواجهة.
من الرسالة اليمنية إلى الهلع الصهيوني
لم تمضِ ساعات على هذا التهديد الصريح حتى بدأت ارتداداتُه تظهر بوضوح في الداخل الصهيوني، حيث انفجرت موجة من التحليلات والقلق في وسائل الإعلام العبرية والغربية، كشفت حجم الذعر من اليمن، لا فقط كفاعل عسكري، بل كمحور إقليمي آخذ في الصعود ويُعيد تموضعه على خارطة القوى المؤثرة في الصراع مع العدو.
هذا التصعيد لم يكن منفصلاً عن السياق العملياتي، بل جاء في أعقاب سلسلة ضربات نوعية نفذتها القوات المسلحة اليمنية بطائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة طالت العمق المحتل، ما زاد من فاعلية التهديد وحدّته، وجعل منه ورقة ردع استراتيجية أكثر منها خطابية.
اليمن .. جبهة لا يمكن تطويقها
في هذا الإطار، لم يتأخر التوصيف الصهيوني للمشهد؛ إذ نشرت صحيفة “غلوبس” العبرية تصريحات لعقيد في سلاح الدفاع الجوي وصف فيها اليمن بأنه “فتح جبهة تهديد بزاوية 360 درجة”، وهو توصيف يكشف عن إدراك داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية لواقع جديد تُفرض فيه المعادلات من الجنوب العربي لا من شمال فلسطين المحتلة.
وركزت التصريحات على فشل منظومات الاعتراض التقليدية – كالقبة الحديدية – في مواجهة المسيّرات اليمنية، التي تُحلّق على ارتفاعات منخفضة وتُربك أنظمة الرادار.. والنتيجة: كلفة عالية لاعتراض أدوات عسكرية زهيدة الثمن، وهو ما وضع العدو أمام معضلة استنزاف مالي وعسكري معًا.
بنية دفاعية هشة.. وقوة ردع يمنية تصاعدية
الأخطر من ذلك، أن اعترافات العدو لم تقف عند حدود الصعوبات التقنية، بل وصلت إلى وصف نظام الحماية الجوي بـ”كهرباء وإلكترونات”، ما يكشف هشاشة منظومته أمام موجات الضربات اليمنية المتكررة، خصوصًا بعد استهداف مطار بن غوريون ومرافق حيوية في عمق الأراضي المحتلة.
هذا الاعتراف – الصادر عن ضباط صهاينة لا عن محللين مستقلين – يؤشر إلى بداية انهيار في “أسطورة التفوق العسكري الإسرائيلي”، ويعزز موقع اليمن كقوة قادرة على إنتاج وتبادل تكنولوجيا الردع مع حلفاء محور المقاومة، ما يجعل من صنعاء مركز إشعاع عسكري متقدم.
أمريكا تراجع حساباتها.. وبوليتيكو تكشف المسكوت عنه
ولم تكن واشنطن بمنأى عن ارتدادات هذه المتغيرات.. فقد نشرت مجلة بوليتيكو الأمريكية معلومات مسرّبة حول اتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين صنعاء، كاشفة أن الاتفاق لم يشمل كيان العدو، وهو ما اعتُبر تحوّلًا في أولويات السياسة الأمريكية.
ووفق المجلة، فإن مسؤولي البيت الأبيض يدركون أن اليمنيين لن يتراجعوا عن ضرب الكيان، حتى لو نص الاتفاق على ذلك، ما يعني أن واشنطن باتت ترى في “حماية إسرائيل” ترفًا سياسيًا لم يعد يتوافق مع أولوياتها الاستراتيجية في ظل عجز الردع، وتصاعد التكلفة، واحتدام المواجهة.
المثير أن منظمات صهيونية أعربت عن غضبها من استبعاد أمن الكيان من الاتفاق، ما يكشف تصدعًا غير مسبوق في التحالف التقليدي بين واشنطن وتل أبيب، وهو تصدع لا ينفصل عن الضغط اليمني الذي يربك حسابات الحلفاء قبل الخصوم.
فشل تاريخي غربي أمام اليمن
في سياق مشابه، نشرت التلغراف البريطانية تقريرًا مطولًا رصدت فيه ما وصفته بـ”الفشل الثلاثيني” أمام اليمن، مشيرة إلى أن الأساطيل الغربية باتت هدفًا يوميًا في البحر الأحمر، وأن القوات البريطانية والأمريكية لم تعد قادرة على تأمين الممرات البحرية، رغم كل ما أنفقته من أموال وتقنيات.
ولم تغفل الصحيفة التطرق إلى حوادث إسقاط طائرات أمريكية متقدمة، وتضرر حاملات طائرات، وارتفاع نسبة المخاطر في باب المندب، ما يجعل من المنطقة ساحة حرب مفتوحة، تديرها صنعاء بإيقاع محسوب، وتضع عبرها كبرى القوى في وضع دفاعي هش.
من مأرب إلى فلسطين.. مشروع أمة
كل ما سبق، من تهديدات الرئيس المشاط إلى الاعترافات الغربية المتتالية، يضع اليمن في موقع غير مسبوق على خارطة الإقليم: من قوة محاصَرة إلى مركز قرار.. لقد أعاد اليمنيون تعريف “الأمن القومي العربي” من خارج غرف الملوك والأمراء، وبلغة لا تعرف الازدواجية، بل تعيد الاعتبار للقدس، وتضع الأمة على سكة التحرر الحقيقي من المشروع الصهيوأمريكي.
لقد خاطب الرئيس المشاط واشنطن وتل أبيب معًا، وأعاد توجيه البوصلة نحو فلسطين، لا بوصفها شعارًا، بل هدفًا عسكريًا مباشرًا، تُبنى عليه العقيدة القتالية والاستراتيجية الردعية.
المشهد الجديد يبدأ من صنعاء
أمام هذا المشهد المتغير، لم تعد “إسرائيل” تمتلك حرية المبادرة، ولم تعد واشنطن قادرة على ضمان أمنها، ولم تعد لندن قادرة على تمرير حاملاتها بسلام.. كل ذلك بفعل معادلة ردع جديدة كُتبت حروفها بصواريخ يمنية ومسيرات محلية الصنع، تُعيد رسم معادلة الشرق الأوسط.
إنها لحظة انتقال تاريخي من زمن الهيمنة الأحادية إلى زمن التوازن الصلب، حيث تنهض صنعاء بدور لا يمكن تجاوزه، وترتفع راية المقاومة كخيار استراتيجي شامل، يُعيد للأمة إرادتها، ويضعها في قلب معركة التحرر الكبرى.