القرآن والتزكية وبناء الأمة .. قراءة في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي
في زمن تتكالب فيه التحديات على الأمة الإسلامية، وتخبو فيه معالم الوعي والبصيرة، تبرز قراءات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) كصوت ناصحٍ ورؤية نبوية متجذّرة في الثقافة القرآنية، في تفسيره العميق للآية الكريمة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } من سورة الجمعة- آية (2)
يمانيون / خاص
يُقدّم الشهيد القائد قراءةً لا تقتصر على المعاني اللغوية أو البيانية، بل تتجاوزها إلى معانٍ دلالية وحركية تصوغ مشروعًا نهضويًا شاملًا يُعيد للأمة رشدها وموقعها الحضاري، في هذه القراءة، نغوص في أبرز محاور رؤيته، ونستعرض أبعادها التربوية والسياسية والفكرية.
الضلال .. المصيبة الأخطر على الإنسان ![]()
يرى الشهيد القائد أن أعظم خطر يهدد الإنسان ليس الجوع ولا الفقر ولا المرض، بل الضلال، لأنه يُفقد الإنسان البوصلة في الدنيا، ويقوده إلى الخلود في جهنم في الآخرة، ويؤدي إلى الذلة والعبودية لأولياء الشيطان في الواقع المعاش.
في هذا السياق، يُبرز الشهيد القائد أن التذكير الإلهي ببعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في الآية إنما هو تنبيه لعظمة النعمة التي تنقذ الناس من الضلال، لا مجرد بيان لحادثة تاريخية.
بعثة الرسول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مشروع تزكية وتغيير جذري
الآية تشير إلى أربع وظائف كبرى للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الأولى تلاوة الآيات وهي ليست فقط التلاوة اللفظية، بل التبليغ والتفعيل العملي للقرآن في الواقع، والثانية هي التزكية، و تطهير النفس، وتنمية الوعي الأخلاقي، والثالثة هي تعليم الكتاب وبناء الفهم الصحيح للقرآن، وإدراك معانيه الكونية والتشريعية، والرابعة تعليم الحكمة، والتي فصّل الشهيد القائد معناها بأنها ليست “السنة النبوية”، بل الوعي، والرؤية، والمواقف الصحيحة التي تنتج عن فهم قرآني عميق.
“الأميون” والنقلة الحضارية .. من الجهل إلى الريادة
يتوقف الشهيد القائد عند لفظ “الأميين”، مبينًا أن القرآن استخدمه للدلالة على العرب الذين لم تكن لديهم ثقافة مدونة أو تعليم نظامي، وللدلالة على من هم خارج إطار أهل الكتاب، ثم يبيّن أن بعثة النبي في أمة أمية هو فضل عظيم من الله؛ لأنه أخرجها من بدائية فكرية إلى أرقى المستويات الحضارية بفضل القرآن الكريم.
الأمة الأمية بالوسائل، إذا امتلكت القرآن كثقافة، يمكن أن تتفوق على الأمم التي تمتلك أدوات المعرفة، لكنها تفتقر إلى الحكمة والبصيرة.
الحكمة هي الوعي والحصافة
يفنّد الشهيد القائد الفهم التقليدي القائل بأن الحكمة هي السنة النبوية، مبينًا أن هذا يحصر الحكمة في دائرة ضيقة، بينما القرآن نفسه يتحدث عن الحكمة باعتبارها رؤية راقية ومواقف رشيدة تنبع من التزكية القرآنية، ويؤكد أن الحكمة نتاج مباشر للثقافة القرآنية، مستشهدًا بآيات عديدة، منها: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} (الإسراء: 39)
{كِتَابٌ حَكِيمٌ} (القرآن، في مواضع متعددة)
الانتكاسة إلى “أمية حديثة”.. واقع الأمة اليوم
بأسلوب تحليلي ناقد، يرصد الشهيد القائد واقع الأمة الإسلامية المعاصرة، ويصفه بأنه عودة إلى الأمية، رغم وجود التعليم والمكتبات والتكنولوجيا، لأن الأمية الحقيقية ليست فقط الجهل بالقراءة، بل الانفصال عن القرآن كثقافة وهُوية.
ويقول بوضوح: ❝ أصبحنا أمة بلا رؤية، بلا حكمة، بلا موقف .. وأمريكا وإسرائيل تسوقنا من تنازل إلى آخر ❞
ويُحمّل الأنظمة والنخب والمجتمعات مسؤولية هذا التراجع، بسبب الابتعاد عن القرآن كمصدر للوعي والمواقف.
ثقافة القرآن .. السبيل الوحيد للتحرر والبناء
يركّز الشهيد القائد على ضرورة أن تكون الثقافة القرآنية هي هوية التعليم والتوجيه والتربية، فبها فقط، تُزكّى النفوس، تُبنى العقول، تُصنع المواقف، تُستعاد الحكمة، تُنهض الأمة من واقعها المزري.
ويُحذّر من اختزال تعليم القرآن في مجرد الحفظ أو التلاوة الشكلية، دون فهمه كمنهج حياة ومشروع حضاري.
نحو أمة قرآنية واعية
في تحليل الشهيد القائد للآية ، لا نجد تفسيرًا تقليديًا، بل مشروعًا تحويليًا يلامس جوهر الأزمة الحضارية التي تعيشها الأمة الإسلامية، الآية في نظره ليست فقط وثيقة عن ماضٍ مشرّف، بل هي خريطة طريق للخروج من النكسة الحضارية المعاصرة “ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء”… هي دعوة لأن نكون مستحقين لهذا الفضل، عبر العودة الجادة للقرآن الكريم كمرجعية، ومصدر للحكمة، ومحور لبناء الإنسان والأمة .