المخطط الأمريكي–الصهيوني لتفكيك لبنان.. من نزع السلاح إلى “المنطقة الاقتصادية”
يمانيون | تقرير تحليلي
تتكشف معالم مشروع خطير يتقاطع فيه الدور الأمريكي مع المشروع الصهيوني في استهداف لبنان من الداخل.. هذا المشروع لا يقتصر على البعد العسكري المباشر المتمثل في الاعتداءات والتهديدات، بل يمتد إلى مسار موازٍ أشد خطورة يقوم على استخدام الاقتصاد كسلاح لإعادة صياغة المشهد السياسي والاجتماعي اللبناني.
التسريبات الأخيرة التي نشرها موقع “أكسيوس” عن المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين (الذي أُشير إليه في بعض المصادر باسم “تومبراك”) كشفت بوضوح أن واشنطن تضغط على حكومة الاحتلال لتقليص العمليات العسكرية غير الضرورية في لبنان، ليس بدافع إنساني أو خشية على المدنيين، وإنما لتهيئة الأرضية السياسية والإعلامية لمشروع نزع سلاح المقاومة وتسويقه تحت لافتة “الخيار السيادي”.
هذا التطور يعكس استراتيجية أمريكية–صهيونية متكاملة، تستهدف المقاومة باعتبارها العقبة الجوهرية أمام مخططات الإخضاع والتفكيك، وتسعى في الوقت نفسه إلى جر لبنان نحو مسار اقتصادي مشبوه أُطلق عليه إعلامياً “منطقة ترامب الاقتصادية” في الجنوب بتمويل سعودي–قطري. وهكذا، يُقدَّم للبنانيين ما يبدو كفرص تنمية وإعمار، بينما جوهره تحويل الجنوب إلى منطقة عازلة تخدم أمن الكيان الصهيوني، وتُفرغ لبنان من أحد أهم عناصر قوته: المقاومة وسلاحها.
الخطط الأمريكية – ما وراء الأمن
التحركات الأمريكية في لبنان ليست عابرة أو محصورة بالمجال العسكري. صحيح أن واشنطن مارست ضغوطاً متزايدة على حكومة الاحتلال لتعديل وتيرة العمليات في الجنوب، لكن الهدف الأعمق لا علاقة له بالحرص على المدنيين أو الحفاظ على الاستقرار، بل يرتبط برسم مشهد جديد للبنان يخدم الرؤية الأمريكية–الصهيونية.
فالولايات المتحدة تعتبر أن أي مواجهة شاملة مع المقاومة قد تفضي إلى نتائج عكسية، تزيد من شعبيتها وتمنحها شرعية مضاعفة في الداخل اللبناني والإقليمي.
لذلك، يجري العمل على استراتيجية أكثر “نعومة” تقوم على نزع السلاح من الداخل عبر الترويج لبدائل اقتصادية مغرية. بهذا المعنى، يصبح الاقتصاد أداة مكملة للضغط العسكري، بل سلاحاً قد يكون أشد فتكاً لأنه يضرب في صميم المجتمع ويحول المقاومة إلى عبء بدلاً من أن تبقى صمام أمان.
“منطقة ترامب الاقتصادية” – الفخ الاقتصادي
من أبرز تجليات هذه الاستراتيجية المشروع الذي بات يُعرف إعلامياً بـ “منطقة ترامب الاقتصادية”.. هذا المشروع، الذي يقف وراءه تمويل سعودي–قطري، يُسوّق على أنه مبادرة لإعادة الإعمار والتنمية في جنوب لبنان. لكن القراءة المتعمقة تكشف أنه مجرد غطاء لتحويل المنطقة إلى “منطقة عازلة” على غرار المناطق التي نشأت في تجارب أخرى من قبل الاحتلالات الكبرى.
الجنوب، الذي شكّل تاريخياً العمود الفقري للمقاومة وساحة المواجهة مع العدو، يُراد له أن يتحول إلى مساحة اقتصادية مرتبطة عضوياً بمصالح الكيان الصهيوني. والهدف النهائي أن يصبح استقرار هذه المنطقة مرتبطاً بالأمن الصهيوني، بحيث تتحول أي مقاومة مستقبلية إلى تهديد مباشر لقوت اللبنانيين ولقمة عيشهم. إنها صيغة جديدة لإخضاع الشعوب عبر تحويل الاقتصاد إلى أداة ابتزاز: “الأمن مقابل الاقتصاد”.
الرهان على الاقتصاد كورقة ضغط
الولايات المتحدة وحلفاؤها يعرفون أن اللبنانيين يعانون من أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات، وأن المجتمع بات مستنزفاً بفعل انهيار العملة، تراجع الخدمات، وارتفاع معدلات البطالة والفقر. من هنا، يجري الترويج لمشاريع استثمارية “مغرية” على شكل أسهم وفرص عمل تُقدَّم كحلول سحرية، بينما حقيقتها أنها مصيدة جماعية.
الفكرة الجوهرية تكمن في ربط استقرار الاقتصاد اللبناني بالمصالح الصهيونية، بما يجعل أي خيار للمقاومة مستقبلاً بمثابة “خيانة للمصلحة الوطنية” وفق الرواية التي تسعى واشنطن إلى تسويقها. وهكذا يتحول المجتمع اللبناني إلى رهينة معادلة زائفة: إما الأمن وفق شروط الاحتلال وما يفرضه من قيود، وإما المجاعة والانهيار الاقتصادي.
التواطؤ الحكومي اللبناني
الأخطر في هذا السياق ليس فقط وجود المشروع الأمريكي–الصهيوني، بل تجاوب بعض القوى الرسمية اللبنانية معه. فبيان مكتب نتنياهو الأخير، الذي شكر فيه الحكومة اللبنانية وأشاد بما وصفه “روح التعاون” بين بيروت والكيان الصهيوني، يشير إلى أن ثمة قوى نافذة داخل الدولة اللبنانية تتماهى مع هذا المخطط تحت عنوان “القرار السيادي”.
هذه المقاربة تعكس مدى الاختراق السياسي، حيث يجري تقديم تنازلات استراتيجية على أنها قرارات وطنية. الأخطر أن حكومة الاحتلال نفسها لم تتردد في التلويح بتقليص وجودها العسكري على الحدود إذا التزمت بيروت بمسار تفكيك المقاومة، في مشهد يظهر “السيادة اللبنانية” كأنها ورقة بيد العدو يلوّح بها متى شاء.
أهداف العدو الصهيوني
من خلال تفكيك تفاصيل هذا المشروع، يمكن تلخيص أهداف العدو في النقاط التالية:
- إحداث انقسام داخلي عبر تصوير المقاومة كعبء اقتصادي على اللبنانيين، بما يعزز الانقسامات الطائفية والسياسية.
- نزع الشرعية الشعبية عن المقاومة عبر ربط استمرارها بتدهور الوضع المعيشي.
- تحويل الجنوب إلى منطقة عازلة خالية من أي تهديد استراتيجي للكيان الصهيوني.
- إخضاع لبنان كاملاً للمشروع الأمريكي–الصهيوني، بحيث يصبح مجرد ساحة نفوذ اقتصادية وأمنية مشتركة.
قراءة تحليلية
ما يفرض على لبنان ليس خياراً بين الحرب والسلام كما يُسوّق في الإعلام الغربي، بل مشروع تفكيك ممنهج يقوم على ضرب أهم عناصر القوة الوطنية. نزع السلاح هنا لا يُطرح كخيار داخلي سيادي، بل كجزء من معادلة مفروضة من الخارج، تستخدم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية لإجبار اللبنانيين على قبولها.
إن ما يسمى بـ “المنطقة الاقتصادية” ليس سوى نسخة حديثة من مشاريع “السلام الاقتصادي” التي روّجت لها واشنطن في فلسطين، والتي لم تُنتج سوى المزيد من التبعية والهيمنة.
الخطر الأكبر أن يؤدي الانخراط اللبناني في هذا المشروع إلى إضعاف موقف المقاومة وإفراغها من بعدها الوطني الجامع، لتتحول إلى مجرد طرف معزول في المشهد الداخلي.
الخلاصة
بين واشنطن التي تخطط والعدو الصهيوني الذي ينفذ، وبين بعض القوى الداخلية التي تنخرط في لعبة المصالح قصيرة المدى، يسير لبنان نحو منعطف خطير. المشاريع المطروحة ليست حلولاً اقتصادية أو إنسانية، بل أدوات ناعمة لتجريد البلاد من عناصر قوتها وتحويلها إلى ساحة مفتوحة أمام الاحتلال.
لكن في المقابل، تبقى المقاومة هي العامل الحاسم.. فقد أثبتت تاريخياً أنها قادرة على قلب المعادلات وإفشال المخططات مهما بدت محكمة.
التحدي اليوم يكمن في وعي اللبنانيين لهذا المخطط، ورفضهم الانخراط في أوهام اقتصادية تُقدَّم لهم كطوق نجاة بينما هي في الحقيقة حبل خانق.