المولد النبوي في اليمن .. إحياء للإرث المحمدي وتجديد للهوية الجامعة

في مشهد لافت يتكرر كل عام، تحتشد الملايين من أبناء الشعب اليمني في الساحات والميادين العامة، احتفاءً بذكرى المولد النبوي الشريف، في مشهد لا يمكن قراءته كمجرد فعالية دينية، بل هو تعبير عن حالة وعي جمعي، وتجسيد حيّ لهوية إيمانية راسخة، صنعتها قرون من الانتماء الروحي والارتباط العميق برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

يمانيون / تحليل خاص

 

الاحتشاد ليس عابرًا .. بل دلالة على عمق الهوية

المراقب لمظاهر الاحتفال في صنعاء وكل المحافظات اليمنية، يلاحظ أن هذه الحشود لا تأتي بدافع عاطفي لحظي، وإنما تنبع من وعي شعبي متجذر، إذ يُظهر اليمنيون  في كل مناسبة، أن علاقتهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليست علاقة رمزية، بل علاقة ولاء وتبنٍّ لقيمه وتعاليمه في الحياة اليومية، في السلم والحرب، في الخطاب والموقف.

هذا الحضور الكبير في ظروف معيشية واقتصادية صعبة، لا يُمكن عزله عن بُعد الهوية للشعب اليمني، الذي لطالما اعتبر أن الإسلام ليس مجرد دين، بل مكون أساسي من مكونات شخصيته الحضارية والسياسية.

 

بين الدين والسياسة.. رسائل في كل الاتجاهات

لا يخفى أن هذا المشهد الجماهيري الضخم يحمل أبعادًا سياسية إلى جانب الدينية، فالاحتشاد في هذا التوقيت، وعلى هذا النطاق، يمثل رسالة واضحة، أن الشعب اليمني موحد في ولائه لرمز الرسالة المحمدية، وأنه يمتلك من الوعي الجمعي ما يجنبه الوقوع في مستنقعات التبعية أو التشويه الثقافي والديني.

في زمن يتعرض فيه الإسلام لهجمات شرسة من قبل أنظمة وأدوات إعلامية تهدف إلى تفريغه من مضمونه القيمي، يظهر اليمن وكأنه الاستثناء، فبينما تُختزل الرسالة المحمدية في بعض المجتمعات إلى شعارات، نجد في اليمن تجسيدًا عمليًا لهذه الرسالة، عبر وحدة الصف، والتفاف الجماهير حول قيم الحق والعدل، والاعتزاز بالإرث النبوي.

 

الهوية الإيمانية كشكل من أشكال المقاومة

في هذا السياق، يمكن القول إن المولد النبوي أصبح في اليمن شكلًا من أشكال المقاومة الثقافية والدينية، في مواجهة محاولات طمس الهوية الإسلامية الأصيلة، فاليمنيون  وهم يحيون هذه الذكرى العظيمة، يعلنون أن الدين ليس طقوسًا موسمية، بل هوية جامعة، ومصدر إلهام في مواجهة العدوان والحصار.

كما أن استحضار سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في هذه المرحلة، يذكّر المجتمع بقيمه الأساسية، الرحمة، العدل، الكرامة، نصرة المظلوم، والوقوف في وجه قوى الاستكبار والهيمنة، وهي ذات القيم التي يتبناها اليمنيون اليوم في مواقفهم تجاه القضايا الإقليمية والدولية.

 

سياق تاريخي متجذر

لم يأتِ هذا الارتباط بالمولد النبوي فجأة، فاليمن عرف منذ قرون طويلة احتفالًا مميزًا بهذه الذكرى، وكان دائمًا من أوائل البلدان التي استجابت للرسالة المحمدية، واحتضنت دعوة النبي صلوات الله عليه آله وسلم، وأسهمت في نشر الإسلام.

ويكفي أن نُشير إلى شهادة النبي نفسه “الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية”، وهي شهادة لا تزال حاضرة بقوة في الوعي الجمعي اليمني، الذي يرى في نفسه امتدادًا لهذه الحكمة وذلك الإيمان، بما يحمله من صبر، وصمود، وبصيرة.

 

خاتمة

الاحتفال بالمولد النبوي في اليمن لم يعد مناسبة دينية فحسب، بل أصبح حدثًا سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا، يُعبّر فيه الشعب عن تمسّكه بهويته الإيمانية في وجه كل محاولات التشويه والتذويب.
وفي الوقت الذي ينكفئ فيه البعض عن رموز الدين تحت ضغط التغريب أو الخوف من التبعات، يخرج اليمنيون بالملايين ليقولوا: نحن أمة محمد، وهذا فخرنا، وهذه هويتنا .

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com