أربعون يومًا ويوم

يمانيون|بقلم: ناصر الخذري*

في الذاكرة والوجدان تظل أحداث الزمان والمكان بخيرها وشرها حاضرة بل قد تتجاوز ذلك بكثير لتصبح جزءًا من تاريخ وطن وشعب قياسًا بمستوى الحدث وتداعياته وتأثيره على المرء سلبًا أو إيجابًا.

منذ العاشر من سبتمبر الماضي مرت أربعون يومًا ويوم لنجد أنفسنا أمام أولى محطات ذكرى مؤلمة ألا وهي جريمة الحرب المروعة التي أقدمت عليها الصهيونية بكل وحشيتها المتطورة باستهداف مقر صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن”، والتي أودت بحياة 31 صحفيًا وإعلاميًا في وضح النهار دون ذنب سوى أنهم يحملون أقلامهم لمناصرة القضايا العادلة لشعبهم وأمتهم وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
هذه المذبحة الفظيعة لن تمحو ذكراها مرور الأيام والشهور والسنون لأنها عمقت الجراح في شغاف قلوب كل أحرار شعبنا وأمتنا ورسمت في عقولهم صورة عن بشاعة وإجرام القتلة الصهاينة وشرهم المستطير الذي طال حملة الأقلام الحرة في اليمن وفلسطين.
بالأمس كانت ذكرى الأربعين على ترجل 31 علمًا من أعلام الصحافة والإعلام اليمني وقفنا أمامها كلٌّ بطريقته لنتذكر بعضًا من سيرة وعطاء زملاء لنا سبقونا إلى الدار الآخرة متوشحين وسام الشهادة ومتوجين بأكاليل النصر بعد أن قضوا جل وقتهم في مقارعة الباطل بقول كلمة الحق بأسلوب ومهنية الصحافة التي تقف بمسؤولية أمام القضايا المصيرية للوطن والأمة مدركين أن الكتابة عنها يعد التزامًا أخلاقيًا .
الذكرى المؤلمة للجريمة ربما أنها لامست مشاعر الكثيرين خاصة ممن شهدوا عن قرب فظاعة المذبحة وفداحة الخسارة التي طالت صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن” وعايشوا تداعياتها السلبية. لكن هناك اختلاف بين من يستحضر الذكرى ليأخذ منها العظة والعبرة وبين من يراها عادية يتخيل فيها أن الموت شأن من شؤون الناس.
ولكن بين هذا وذاك تظل جريمة العاشر من سبتمبر حدثًا مؤلمًا من الصعب تناسيه أو تناسي الدماء التي روت تربة الوطن لتنبت الكرامات وتُسجل بأحرف من نور في صفحات التاريخ عظمة التضحية والفداء والموقف الذي سطره كوكبة من رجال الإعلام بدمائهم في مرحلة استثنائية من تاريخ اليمن والوطن العربي .
ستظل الأجيال المتعاقبة تتذكر دوما أنه في الساعة (4.45 دقيقة) من عصر يوم لأربعاء الدامي بتاريخ العاشر من شهر سبتمبر عام 2025م شن سرب من الطائرات الصهيونية غارات جوية ألقت خلالها عشرات الأطنان من القنابل الأمريكية الفتاكة على مقر صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن” نسفته بشكل كامل وحولته أثرا بعد عين وذبحت العشرات من الكُتاب والإعلاميين في قلب العاصمة صنعاء بدم بارد أمام مرأى ومسمع العالم.
لن تمحو الأيام فظاعة الجريمة من الذاكرة الوطنية ولن ينسى الأحرار الدور الخالد لحملة الأقلام الذين ارتقوا شهداء على طريق القدس في ملحمة تاريخية خاضوها بأقلامهم وعدسات كاميراتهم التي كان لوقعها الأثر البالغ في نفوس العدو الصهيوني الذي لم ولن يستطيع أن يسكت بطائراته وصواريخه أصوات العقول والأقلام مهما سفك من الدماء.

*مدير تحرير صحيفة 26 سبتمبر.

You might also like