الاعتراف الدولي بفلسطين .. خطوة شكلية تخفي تواطؤًا سياسيًا وسلاحًا موجّهًا إلى غزة
في ظل تصاعد الغضب الشعبي الدولي ضد الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وخاصة بعد حرب غزة الأخيرة، سارعت أكثر من 150 دولة حول العالم إلى “الاعتراف بدولة فلسطين”. وبينما يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها مكسب معنوي وتاريخي للقضية الفلسطينية، فإنها تثير الكثير من التساؤلات حول نوايا الأنظمة الأوروبية الداعمة لهذا التوجه، في وقتٍ تتزايد فيه المؤشرات على أن هذه الاعترافات تحمل طابعًا شكليًا يهدف إلى تخفيف الضغط الدولي على “إسرائيل”، أكثر مما تهدف إلى تحقيق عدالة حقيقية للفلسطينيين.
يمانيون / تقرير / خاص
توقيت مريب .. اعترافات متأخرة بعد عقود من التجاهل
الاعترافات المتتالية التي أعلنت عنها دول مثل بريطانيا ، وفرنسا، وألمانيا، وغيرها، جاءت في وقتٍ بلغ فيه التوتر في الأراضي الفلسطينية ذروته، ومع تصاعد موجة التضامن العالمي مع غزة إثر المجازر المرتكبة من قبل جيش العو الإسرائيلي.
لكن هذا التوقيت يطرح علامات استفهام كبيرة، لماذا الآن؟ ولماذا بعد كل هذه العقود من الاحتلال والتهجير والاستيطان؟
يُجمع عدد من المحللين السياسيين أن هذه الخطوة الأوروبية ليست سوى محاولة، لتنفيس الغضب العالمي، تجاه إسرائيل، وإعادة تسويق الدول الأوروبية أمام شعوبها كجهات ،محايدة، أو ،داعمة للسلام،، في حين تستمر هذه الأنظمة نفسها في دعم الكيان الإسرائيلي عسكريًا واستخباراتيًا واقتصاديًا.
تواطؤ بالسلاح .. فرنسا وألمانيا وبريطانيا في مرمى الاتهام
رغم الاعتراف السياسي بفلسطين من قبل بعض الدول الأوروبية، لا تزال دول محورية مثل فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا من بين أبرز مزودي إسرائيل بالسلاح والمعدات التقنية، حتى خلال فترات التصعيد العسكري ضد الفلسطينيين.
ألمانيا، التي لطالما تغنّت بمسؤوليتها الأخلاقية تجاه اليهود، أصبحت اليوم أحد أكبر ممولي جيش العدو الإسرائيلي بالسفن الحربية والغواصات.
فرنسا، رغم انتقاداتها العلنية لبعض السياسات الإسرائيلية، لا تزال تسمح بتصدير معدات مزدوجة الاستخدام قد تُستخدم في قمع المدنيين الفلسطينيين.
بريطانيا، ورغم ما أبدته من مواقف متوازنة إعلاميًا، لم توقف صفقات التسليح أو التعاون الاستخباراتي مع تل أبيب، بل عمدت إلى عرقلة أي تحركات حقيقية في مجلس الأمن تدين الاحتلال.
في ضوء ذلك، تبدو الاعترافات الأخيرة مجرّد مناورات سياسية تهدف إلى تجميل الصورة الخارجية لهذه الدول أمام الرأي العام الدولي، لا سيما في ظل تنامي حركة المقاطعة، وتزايد الأصوات المطالبة بوقف الدعم العسكري لإسرائيل.
حل الدولتين أداة لإجهاض المقاومة؟
إلى جانب الاعتراف بفلسطين، تُروّج هذه الدول لمبادرة حل الدولتين، باعتبارها المخرج السلمي للصراع، إلا أن هذا الطرح في صورته الأوروبية الحالية، يفتقر إلى أبسط مقومات العدالة والندية، فالدولة الفلسطينية المفترضة ستكون منزوعة السلاح، خاضعة للرقابة الأمنية الإسرائيلية، ومحاصرة جغرافيًا، كما أن القدس والفلسطينيين المهجرين، وهما ركيزتان في القضية الفلسطينية، يُتجاهلان في الطروحات الأوروبية، الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية بات شرطًا ضمنيًا في المفاوضات، ما يعني شطب حق العودة وتثبيت الطابع العنصري للدولة المحتلة، وبالتالي، فإن حل الدولتين كما يُطرح أوروبيًا هو مجرد إعادة إنتاج للاحتلال بصورة ناعمة، يهدف إلى شرعنة الوضع القائم وتحويل الفلسطينيين إلى سكان في كانتونات إدارية تحت الهيمنة الإسرائيلية، دون سيادة حقيقية أو قوة دفاع ذاتية.
تحذير السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي .. الاعتراف الأوروبي محاولة خبيثة لتصفية القضية
في خضم التفاعل الدولي مع موجة الاعترافات بدولة فلسطين، جاء موقف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي ،حفظه الله، ليضع النقاط على الحروف، ويكشف الأهداف المضمَرة خلف هذه التحركات الأوروبية، وحذر السيد القائد من أن هذه الخطوة، وعلى الرغم مما قد يبدو عليها من إيجابية، ليست سوى تغطية سياسية مخادعة تهدف إلى تلميع صورة أنظمة غارقة في دعم العدوان الصهيوني، وأكد السيد القائد أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا تحديدًا هي أطراف لا يمكن الوثوق في نواياها تجاه الشعب الفلسطيني، موضحًا أن الاعتراف بدولة فلسطين من دول متورطة بشكل مباشر في دعم الكيان الصهيوني بالسلاح والتأييد السياسي لا يعد موقفًا مبدئيًا أو إنسانيًا، بل هو خطوة خبيثة يراد منها تخفيف الضغط الدولي عن كيان العدو، وتثبيت مشروع التصفية تحت عنوان حل الدولتين.
وأشار السيد القائد إلى أن هذه الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا، صاحبة وعد بلفور المشؤوم، ما تزال إلى اليوم تمارس دورًا استعماريًا جديدًا، ولكن بوجه دبلوماسي هذه المرة، عبر محاولات فرض حلول لا تعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني، بل تخدم أمن الكيان الصهيوني واستمراره، وأوضح أن الاعتراف الأوروبي، إذا لم يكن متبوعًا بخطوات فعلية تشمل، قطع الدعم العسكري والسياسي عن العدو الصهيوني، ومحاسبة قادته على جرائم الحرب، وضمان الحقوق الكاملة للفلسطينيين، فإنه لا يمثل شيئًا أكثر من خداع سياسي يراد به الالتفاف على جوهر القضية.
كما حذّر من أن ما يُروج له من “دولة فلسطينية” منزوعة السلاح ومحاصرة اقتصاديًا وجغرافيًا هو محاولة لإجهاض مشروع المقاومة وتجريد الفلسطينيين من وسائل الدفاع عن أنفسهم، مشددًا على أن الحل الوحيد والعادل للقضية الفلسطينية هو تحرير الأرض كاملة واستعادة الحقوق دون تفريط أو مساومة.
واختتم تحذيره بدعوة الشعوب العربية والإسلامية والأحرار في العالم إلى التمسك بخيار المقاومة كطريق أوحد للتحرر، مؤكدًا أن المشروع الأمريكي الصهيوني لا يزال يعمل بأدوات متعددة، وأن الاعترافات الشكلية ليست سوى واحدة من هذه الأدوات.
الاعتراف ليس بديلاً عن العدالة
الاعتراف بدولة فلسطين، رغم ما يحمله من رمزية سياسية ومعنوية، لا يمكن اعتباره نصرًا حقيقيًا ما لم يُترجم إلى إجراءات ملموسة، وقف الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، وفرض عقوبات على الاحتلال بسبب جرائمه المستمرة، ودعم الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقهم ،
ما لم يتحقق ذلك، فإن هذه الاعترافات تبقى مجرد ورقة سياسية، تستر عورة أنظمة أوروبية تواطأت طويلًا، ولا تزال، في إدامة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني في فلسطين.