إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ .. بيانٌ قرآنيٌّ يحسم الموقف ويسقط المساومات
تُعدّ الآية الكريمة {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} من القواعد القرآنية الحاكمة التي ترسم الإطار العام لفهم الدين في حقيقته وجوهره، بعيدًا عن الاختزال الشكلي أو الانتماء الاسمي، فهي لا تطرح الإسلام كعنوان تاريخي أو هوية ثقافية، بل كمنهج إلهي قائم على التسليم الكامل لله، يظهر أثره في السلوك والمواقف والاختيارات، وفي ضوء ما قدّمه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، تتكشف الأبعاد العملية لهذه القاعدة القرآنية، حيث يرتبط الإيمان الحقيقي بالصبر والصدق والإنفاق والاستغفار، بوصفها مظاهر عملية للتسليم، لا صفاتٍ معزولة عن الواقع، كما يبيّن المنهج القرآني أن الاختلاف والانحراف لا ينشآن من قصور في البيان، وإنما من البغي وغياب الخضوع لله، وأن الكفر في هذا السياق هو رفض عملي للالتزام بمنهج الله، لا مجرد إنكار لفظي، وينتهي هذا الفهم إلى ترسيخ موقف قرآني واضح في الدعوة والحوار، يقوم على البلاغ والثبات ورفض المساومة، والاكتفاء بالمنهج ومن يسير عليه، مع اليقين بأن الله بصير بالعباد وسننه ماضية في الدنيا والآخرة.
يمانيون / أعده للنشر / طارق الحمامي
الإسلام بوصفه تسليمًا لا مجرد انتماء
يركّز الشهيد القائد على أن كلمة الإسلام في الآية لا تعني الاسم أو الهوية الشكلية، وإنما تعني التسليم الكامل لله، تسليم الإرادة، تسليم القرار، تسليم السلوك، تسليم الموقف، فالآية، وفق هذا الفهم، تُعيد تعريف الدين على أنه حالة داخلية تنعكس عمليًا، لا مجرد اعتقاد ذهني أو انتساب اجتماعي، ولهذا يربط الشهيد القائد بين هذه الآية وبين صفات المتقين التي سبقتها في السياق القرآني: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}، ويبيّن أن هذه الصفات ليست شعارات، بل مظاهر عملية للتسليم لله، فالصبر، والصدق، والإنفاق، والاستغفار، كلها سلوكيات تعبّر عن خضوع النفس لأمر الله.
الاختلاف ليس نتيجة نقص البيان بل غياب التسليم
تنتقل الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن الاختلاف:{وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}، وفي هذا الموضع، يلفت الشهيد القائد إلى قاعدة قرآنية بالغة الأهمية، أن الاختلاف لا ينشأ بسبب قصور في بيان الله، ولا تقصير في أنبيائه، وإنما بسبب البغي، والبغي، كما يوضّح، هو نقيض التسليم لله ، وتعبير عن الأنا والهوى، واعتداء على الحق وعلى الآخرين، فحين تغيب حالة الخضوع لله، يتحول العلم نفسه إلى أداة صراع، لا وسيلة هداية.
الكفر بوصفه رفضًا عمليًا لا مجرد إنكار
تأتي الآية بعدها مباشرة، {وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، ويؤكد الشهيد القائد أن لفظ الكفر هنا لا يقتصر على الجحود النظري، بل يشمل الرفض العملي للالتزام بمنهج الله، فمن يعلم الحق ثم يرفض الانقياد له، أو يتحول إلى باغٍ، أو يناور ويُساوم على أساسه، فقد دخل في معنى الكفر، أي الرفض لما يجب التسليم به.
كما يشدد على أن قول الله تعالى : {سريع الحساب} لا يختص بالآخرة فقط، بل يشمل النتائج العاجلة في الدنيا، سواء في صورة توفيق أو خذلان.
أسلمت وجهي لله .. ثبات الموقف في مواجهة الجدل
في سياق المحاججة، تأتي الآية: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} ، ويقرأها الشهيد القائد باعتبارها إعلان موقف لا مجرّد ردّ جدلي، فالنبي صلوات الله عليه وعلى آله لا يدخل في مداهنات، وتنازلات، أو مساومات على جوهر الدين
بل يعلن بوضوح، أنا مسلم وجهي لله، وأسير على هذا الأساس، ومكتفٍ بمن اتبعني، وهنا يبرز مفهوم مهم، أن الدعوة ليست بحثًا عن كثرة عددية، وإنما ثبات على المنهج، حتى لو قلّ الأتباع.
البلاغ لا الاسترضاء
تتواصل الآيات: {أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ}، ويشير الشهيد القائد إلى أن الاستفهام هنا يحمل معنى التذكير بعد اكتمال البيان، هل آن لكم أن تسلموا؟ فالقرآن لا يطرح مفهوم التعدد الديني بمعنى تساوي المسارات، بل يقرر بوضوح، أن الهداية مشروطة بالإسلام لله، والتولي لا يغيّر من حقيقة المنهج، ومهمة الرسول صلوات الله عليه وآله، ومن بعده أعلام الهدى من آل بيته، هي البلاغ الواضح، لا تقديم تنازلات لإرضاء الطرف الآخر.
بصيرة الله بالعباد .. سنن لا تغيب
تُختتم الآية بقوله تعالى : {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} ، وهنا يبيّن الشهيد القائد أن هذا النص تذكير بأن، المواقف لا تضيع، والنوايا مكشوفة، والسنن الإلهية تجري على الجميع، فمن تولّى قد تظهر آثاره في مرحلة لاحقة، لأن الله بصير بالجميع.
ختاماً
وفق رؤية الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، فإن آية {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، منهج حياة يقوم على، التسليم العملي لله، ورفض البغي والهوى، والثبات في الموقف، ووضوح البلاغ، وعدم المساومة على الحق ،
وهي بذلك تشكّل قاعدة ينطلق منها المؤمن في فهم الدين، وتطبيقه، ومواجهة التحديات، وفق المنهج القرآني الأصيل.