الإساءة للقرآن الكريم .. إستهداف لمصدر وعي وقوة الأمة الإسلامية
يمانيون| بقلم: عبدالحكيم عامر
لم تكن الإساءة الأخيرة للقرآن الكريم في الولايات المتحدة حدثًا عابرًا أو تصرّفًا فرديًا طائشًا يمكن تجاوزه تحت ذريعة “حرية الرأي”، بل جاءت كفعل عدائي محسوب، يستهدف جوهر هوية الأمة الإسلامية، ويضرب في العمق مصدر قوتها الروحية والثقافية، وهو ما يؤكد أن المعركة الدائرة اليوم لم تعد مقتصرة على ساحات القتال، بل باتت معركة وعي وهوية ورواية بامتياز.
إن التعامل مع هذه الإساءة بوصفها حادثة منفصلة عن السياق العام، يُعد قراءة ساذجة أو متواطئة مع الواقع، فالإساءة للقرآن الكريم تأتي ضمن سياق عدائي ممتد، يستهدف الإسلام في رموزه ومقدساته، ضمن حرب ثقافية ممنهجة ترافق الحروب العسكرية التي تشن على منطقتنا منذ عقود، إنها الوجه الآخر للقنابل والصواريخ، لكن بلغة ضرب الوعي للأمة، وبأدوات «ناعمة» ظاهرها الحرية وباطنها الكراهية.
لقد أثبتت التجربة أن استهداف المقدسات الإسلامية خيارًا مدروسًا في سياق الصراع الديني، حيث يُراد كسر معنويات الشعوب، وتجريدها من عناصر تماسكها، تمهيدًا لإخضاعها سياسيًا واقتصاديًا وإعلامياً وعسكرياً.
إن اختيار القرآن الكريم هدفًا لهذه الإساءات ليس أمرًا اعتباطيًا أو عرضيًا، فالقرآن هو جوهر هوية الأمة الإسلامية، ومصدر تشريعاتها وقيمها، ومرجعيتها الأخلاقية، وبوصلة وعيها الثقافي، وهو الذي وحّد الشعوب الإسلامية، وبنى حضارتها، وأنتج منظومة الجهاد والمقاومة الفكرية والروحية في وجه الظلم والاستعمار.
ومن هنا، فإن استهداف القرآن الكريم يعني، في جوهره، استهداف لقدرة الأمة على الصمود والثبات والجهاد والمقاومة، ومحاولة تفريغ المجتمعات من عناصر قوتها المعنوية، وإحداث شرخ في علاقتها بمقدساتها، تمهيدًا لإخضاعها سياسيًا وثقافيًا.
إن المساس بالقرآن يعني طعن مباشر في الذاكرة الجمعية والوعي الجمعي للمسلمين، ومحاولة لإشعارهم بالهزيمة النفسية قبل أي هزيمة أخرى.
إن وضع المصحف الشريف في فم خنزير يُمثل رسالة رمزية ثقيلة الدلالة، تنضح بحقد أيديولوجي عميق، هذه الرسالة تستهدف نزع القداسة عن أقدس مقدسات المسلمين، وكسر الحاجز النفسي الذي يمنع الاعتداء عليها، في خطوة تمهيدية لكسر إرادة الشعوب نفسها.
وهي تعكس، بوضوح، مشروعًا صهيونيًا غربيًا يعمل على إعادة تشكيل وعي المنطقة، عبر تحطيم رموزها الدينية، وتشويه مقدساتها، وإشعار أبنائها بالدونية والمهانة، في سياق صراع طويل الأمد على الهوية والذاكرة.
في مواجهة هذا العدوان الثقافي، لا يكفي الغضب ولا تكفي ردود الفعل الانفعالية، فالدعوة إلى المقاطعة والتحرك الإعلامي تمثل انتقالًا نوعيًا من رد الفعل إلى الفعل المنظّم، وهذا بالضبط ما يخشاه العدو؛ لأن الوعي الثقافي والاقتصادي والإعلامي يهدد أدوات الهيمنة اليومية، ويمسّ المصالح المباشرة للشركات والدول الداعمة للعدوان.
المقاطعة الإقتصادية أداة ضغط فعالة، تنقل المعركة من مستوى الشعارات إلى مستوى التأثير الحقيقي، وتعيد للفرد دوره بوصفه عنصرًا فاعلًا في المواجهة، لا مجرد متلقٍ للصدمة.
لا يقل التحرك الإعلامي أهمية عن أي تحرك ميداني. فالمعركة على الرواية هي جوهر الصراع المعاصر، ومن يملك القدرة على سرد الحقيقة، يملك القدرة على توجيه الرأي العام، وتحديد من هو الضحية ومن هو الجلاد.
إن فضح ازدواجية المعايير الغربية، وكشف الترابط بين الإهانة الثقافية والعدوان العسكري، وتقديم رواية متماسكة للعالم، كلها أدوات أساسية في كسر الهيمنة، وبناء وعي عالمي أكثر عدلًا وإنصافًا.
إن الإساءة للقرآن الكريم عدوان ثقافي يستهدف الوعي والهوية قبل أن يستهدف المشاعر، والرد الحقيقي على هذا العدوان لا يكون بالصمت ولا بالانفعال المؤقت، بل ببناء وعي جمعي، وتحويل الغضب إلى فعل منظم، ومواجهة الحرب الثقافية بأدواتها: الوعي، والمقاطعة، والإعلام، والثبات على المقدسات، فالمعركة اليوم هي معركة وعي، ومن يحسن خوضها، يحدد شكل المستقبل.