البحر الكاريبي يعود إلى واجهة التوتر.. هيمنة أمريكية متجددة واحتمالات الغزو لفنزويلا
يمانيون | تحليل
تتحول منطقة البحر الكاريبي مجدداً إلى ساحة صراع مفتوح يعكس طبيعة السياسة الأمريكية القائمة على الهيمنة في نصف الكرة الأرضية الغربي منذ القرن التاسع عشر.فمنذ أن أعلن الرئيس الأسبق جيمس مونرو مبادئه الشهيرة أمام الكونغرس عام 1823، والولايات المتحدة تتعامل مع الكاريبي باعتباره مجالاً حيوياً لسيطرتها الاستراتيجية.
ومع العودة إلى البيت الأبيض في يناير 2025، أحيا دونالد ترامب هذه العقيدة بحدة أكبر، ممهداً لسلوك أكثر عدوانية تجاه فنزويلا ومنطقة الكاريبي عموماً تحت ذرائع “محاربة المخدرات”، بينما تقف المصالح الاقتصادية والسياسية الحقيقية في الخلفية.
المبدأ الأمريكي للسيطرة على الكاريبي
رسالة مونرو عام 1823 وضعت حجر الأساس لما اعتبرته واشنطن “حماية” الغرب، لكنه كان في حقيقته إعلانًا واضحًا لوصاية أمريكية على المنطقة.
ورغم أن الولايات المتحدة لم تنفذ المبدأ فعلياً إلا في مطلع القرن العشرين، فإن إدماج مبدأ روسفلت لاحقاً أعطى واشنطن حقاً معلناً في التدخل العسكري والسياسي والاقتصادي في شؤون دول المنطقة.
هذا الإطار كان مبرراً لتاريخ طويل من الانقلابات والتدخلات المباشرة، بدءاً من احتلال نيكاراغوا وهايتي والدومينيكان، وصولاً إلى حصار كوبا وتخريب استقرار جواتيمالا وفنزويلا.
عودة ترامب وإحياء الهيمنة بالقوة
ويمثل وصول ترامب إلى السلطة في يناير 2025 نقطة انعطاف جديدة.. فالإدارة الحالية أعادت صياغة مفهوم التدخل العسكري في الكاريبي، مبررةً تحركاتها بـ”محاربة المخدرات”، لكنها عملياً تعمل على إعادة فرض السيطرة الكاملة على منابع الطاقة والموارد الطبيعية.
شهدت الأسابيع الماضية توسيعاً غير مسبوق للانتشار العسكري الأمريكي، شمل إرسال حاملة الطائرات “جيرالد فورد”، أكبر حاملة طائرات في العالم، إلى البحر الكاريبي، وإعلان وزارة الحرب الأمريكية عن عملية “الرمح الجنوبي”.
وبحسب خبراء في القانون الدولي، فإن استهداف الإدارة الأمريكية لقوارب وسفن في البحر الكاريبي يشكل إعداماً خارج نطاق القانون، ويؤسس لمرحلة جديدة من التدخل المباشر.
فنزويلا هدف مركزي
وتُعد فنزويلا مركز الثقل في المواجهة الحالية.. فالرئيس نيكولاس مادورو ينتهج سياسات لا تتوافق مع الأجندة الأمريكية، بدءاً من تحالفاته مع دول تصنفها واشنطن “خصوماً”، وصولاً إلى مواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية ورفضه الاصطفاف مع السياسة الأمريكية.
حيث تسعى واشنطن للاستحواذ على الموارد الفنزويلية، وعلى رأسها النفط، وتجاوز تأثير الصين وروسيا في كاراكاس. ومن الواضح أن ذرائع “المخدرات” ليست سوى غطاء لعملية تطويق سياسي واقتصادي وربما عسكري لفنزويلا.
كولومبيا… الهدف التالي
ولا يقتصر التوتر على فنزويلا وحدها.. كولومبيا، رغم كونها حليفاً تقليدياً لواشنطن، تشهد تغيراً في سياستها الخارجية منذ وصول الرئيس غوستافو بيترو إلى السلطة.
مواقفه المؤيدة لغزة والمعارضة للكيان الصهيوني أثارت غضباً أمريكياً متزايداً.
ومع الاتهامات الأمريكية المتكررة لكولومبيا بالتساهل مع تجارة المخدرات، يبدو أن واشنطن تمهد لمرحلة جديدة من الضغط قد يتطور لاحقاً إلى تدخل مباشر أو عقوبات مشددة.
المخدرات أم السيطرة على موارد الغرب؟
المراقبون يعتبرون أن “محاربة المخدرات” ليست سوى ستار سياسي يغطي أهدافاً استراتيجية كبرى، أبرزها:
– ضمان السيطرة الأمريكية على أهم الممرات المائية جنوب الولايات المتحدة.
– منع تمدد النفوذ الروسي والصيني في أمريكا اللاتينية.
– الاستحواذ على الموارد النفطية والمعادن الاستراتيجية لفنزويلا والدول المجاورة.
– إعادة تثبيت العقيدة العسكرية القديمة التي ترى في الكاريبي “البوابة الأولى لأمن الولايات المتحدة”.
ختاماً
تتصاعد التوترات في البحر الكاريبي بوتيرة توحي بأن المنطقة مقبلة على اختبار حاد بين واشنطن ودول تعتبر السياسات الأمريكية تهديداً لسيادتها.
ومع الحشد العسكري الأمريكي وتضييق الخناق على فنزويلا وكولومبيا، يبرز السؤال الجوهري:
هل تتوقف واشنطن عند حدود الاستفزاز والضغوط، أم تذهب نحو مغامرة عسكرية جديدة قد تغير وجه المنطقة؟
الوقائع الحالية تشير إلى أن احتمالات التدخل الأمريكي المباشر باتت أعلى من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل إدارة تستخدم القوة كأداة أساسية في سياستها الخارجية، ما يجعل البحر الكاريبي اليوم أقرب إلى ساحة مواجهة مفتوحة منه إلى منطقة نفوذ أمريكي تقليدي.