وداعاً سيد الشهداء
يمانيون/ كتابات/ عبدالفتاح البنوس
ها هو المجاهد اليعربي الأصيل مرعب إسرائيل على مدى ثلاثين عاما سيد المقاومة الإسلامية في لبنان وقائدها الجسور وأمينها الأمين السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه ، يترجل من على ظهر جواده، بعد سفر نضالي خالد، ومواقف إيمانية عظيمة ، وتاريخ جهادي حافل بالعزة والشموخ والإباء والألق والتميز ، قارع خلاله الصهاينة وأسقاهم كؤوس المنايا و السم الزعاف، ليرتقي إلى العلياء شهيدا على طريق القدس ، شهيدا وهو يساند نساء وأطفال غزة ، شهيدا وهو يدافع عن شرف الأمة وكرامتها وعزتها بالنيابة عن أمة الخيانة والخضوع والخذلان ، أمة الذل والهوان التي ظل سيد المقاومة وشهيدها الكبير، يبث فيها روح الحماس ويخاطب الضمائر ويستدعي المواقف الإيجابية على أمل أن تستيقظ من سباتها، وتستفيق من غفلتها ، وتعي الدور المنوط بها ، والرسالة التي يجب عليها القيام بها ، وهي تواجه الغدة السرطانية الخبيثة التي زرعت في جسدها ، ومضت تنهش فيه ، وهي خانعة خاضعة لا تنبس ببنت شفة، ولا تحرك ساكنا وكأن الذلة والمسكنة ضربت عليها .
نعم لقد ارتقى سيد القول والفعل شهيدا على أرض لبنان الحبيبة، وعلى ثرى الجنوب الحر الثائر الطاهر، وهو يسطر الملاحم الجهادية البطولية ضد كيان العدو الصهيوني في معركة دعم وإسناد فلسطين ، لم يخضع للتهديدات الأمريكية والإسرائيلية ، ولم يأبه للضغوطات الداخلية والخارجية التي كانت تمارس عليه من أجل التخلي عن نصرة غزة وأهلها، لم يجبن ولم يخذل ولم يداهن ولم يراوغ، بل كان شجاعا مقداما، صريحا وواضحا في كل مواقفه وقراراته، منذ أن تولى مهام الأمانة العامة لحزب الله خلفا للشهيد عباس الموسوي رضوان الله عليه في العام 1992، ومنذ ذلكم التاريخ وحتى اليوم شكل سماحة سيد الشهداء شوكة في نحور أحفاد القردة والخنازير ، وظل كابوسا مرعبا لهم، ما إن يسمعوا اسمه حتى ترتعد فرائصهم، ويدب الرعب والخوف في أوساطهم؛ لذا عملوا على محاولة اغتياله لمرات عديدة، ولكنهم فشلوا بفضل الله ، وشاءت إرادة المولى عز وجل أن يظفر بالوسام الرباني الأغلى والأرفع وهو في درب الجهاد على طريق القدس ، منتصرا لمظلومية غزة وأهلها ، وفلسطين وقضيتها، وللعروبة وكرامتها، وللإسلام ومقدساته .
لقد نال ما كان يتمنى ، ووصل إلى الغاية التي كان ينشدها ، وبلغ المكانة التي كان يرنو إليها، وفاز بالمقام الكريم والمنزلة الرفيعة العالية في الجنة رفقة جده الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، ويا لها من خاتمة حسنة، ويا له من اصطفاء وتكريم رباني مستحق ( يا أبا هادي ) ، لقد فزت ورب الكعبة ، نعم لقد فزت فوزا عظيما ، ومني عدوك بالخسارة الكبيرة ، لم يكن النتن ياهو يعلم أن الشهادة كانت غايتك ، وأنك كنت تحرص عليها كما يحرص هو وزبانيته على الحياة ، لقد هزمتهم بقوة إيمانك ، وشدة بأسك ، ودهاء سياستك، ورباطة جأشك، وثبات مواقفك، ونظرتك الثاقبة ، وعقليتك الفذة، وفكرك النير ، و جهادك المثمر عزا ونصرا ، وإدارتك الناجحة حربا وسلما ، ومصداقية طرحك قولا وعملا ، لقد هزمتهم بتربيتك الإيمانية لمجاهديك ، ومشروع التأهيل والتطوير والتسليح والتكتيك القتالي الذي أتقنوه على يديك .
لم يصدقوا أنفسهم بأنهم أخيرا قد عثروا عليك، فأطلقوا أطنان المتفجرات صوب مكان تواجدك، لهم قرابة الثلاثين عاما وهم يبحثون عن هذه اللحظة، أرادوا أن يغطوا على هزائمهم النكراء التي تعرضوا لها على يديك، وظنوا أن اغتيالهم لك بهذه الطريقة انتصار ، ولم يدركوا أنهم بذلك أضافوا إلى سلسلة هزائمهم النكراء هزيمة جديدة ، فالأهداف التي تتحقق بواسطة قصف الطائرات لا تمثل انتصارا ، في الحروب الانتصارات هي التي تتحقق من خلال المواجهات المباشرة ، لقد جربوا حظهم في 2006ونالهم ما نالهم من بأس الله وحزب الله وخرجوا من لبنان يجرون أذيال الهزيمة ، بعد أن تم التنكيل بجنودهم وآلياتهم، وما تزال شواهد وآثار تلكم المحرقة التي تعرضت لها دبابات الميركافا ماثلة للعيان حتى اليوم .
يا سيد الشهداء : لقد خابوا وخسروا باغتيالك ، لقد فتحوا على أنفسهم وكيانهم المؤقت أبواب جهنم، لم يمت حزب الله باستشهاد أمينه العام السابق عباس الموسوي رضوان الله عليه، ولن يموت حزب الله باستشهادك يا سيد المقاومة، دمك الطاهر ورفاقك من الشهداء القادة طوفان سيعصف بهم ويعجل بزوالهم، المقاومة الإسلامية اللبنانية ولادة ، وسيظهر لهم آلاف ( حسن نصر الله ) من أوساطها يحملون نفس الفكر والتوجه والقيم والمبادئ والثوابت التي نشأوا وتربوا عليهم تحت قيادتك الحكيمة ، جيل متسلح بالإيمان بالله والثقة والتوكل عليه، وقوة العزيمة وصلابة الإرادة، جيل سيحمل الراية، و يواصل السير على خطاك، لإكمال المسيرة الجهادية التي خضت غمارها ورسمت خطوطها العريضة وعمدتها بدمك الطاهر ، جيل ستظل الملهم والقدوة لهم في كل شؤونهم، جيل لن يفرط بدمك الطاهر ودماء كل الشهداء العظماء .
يا سيد الشهداء : أوجعنا رحيلك كثيرا ، إنه لمصاب جلل، وإنها لفاجعة كبرى، وخسارة عظمى ، سنفتقدك كثيرا، وما يخفف من وطأة مصابنا أنك فزت بالشهادة ونلت ما كنت تتمنى، وهكذا هو حال الشهداء العظماء يخلدون في حياتهم وبعد استشهادهم، فهنيئا لك يا سيد المقاومة، هنيئا لك يا سيد الشهداء، هذا الاصطفاء ، وهذا الارتقاء الذي يليق بمقامك، لروحك الطاهرة الخلود في أعلى عليين، ولا نامت أعين القتلة الصهاينة الإسرائيليين، والأمريكيين ، ومن تحالف معهم أجمعين.