الصرخة.. بداية مشروع قرآني لمواجهة الهجمة الصهيونية الشاملة
يمانيون ـ عبدالحكيم عامر
في زمنٍ تنكسر فيه الأمة العربية والإسلامية، وتتهاوى فيه الحركات، وتُشترى فيه المواقف بثمنٍ بخسٍ من دنيا الخنوع، وتخنع أمة المليار مسلم لعربدة الصهيوأمريكي، وفي ظل تقدم المشروع الصهيوني الأمريكي الغربي التدميري الإستعماري، وُلد المشروع القرآني كعاصفة وعيٍ قرآني تهب على أرضٍ جدباء، فتغرس في النفوس العزة، وترويها من كتاب الله.
المشروع القرآني هو بناءٌ متكامل، صاغه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي من روح القرآن، ومن وجدان الأمة الجريح، ليكون صرخة في وجه المستكبرين، وموقفًا عمليًا في وجه الهيمنة، ومنهجًا لإحياء الإنسان.
في صرخة فيها تجد ملخصًا لمسيرة قرآنية، ومنبعًا للتحرر، ومنطلقًا لمواجهة الإستكبار:
“الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
كلمات للثبات، كلمات لم تتغير لا أمام التهديدات، ولا تحت وقع الإغراءات، ولا مع تبدل المراحل أو تبدل الوجوه، شعار لم يكن زينةً للمنابر، بل روحًا للميدان، وموقفًا عملياً.
فالصرخة كانت انبثاق مشروع قرآني شامل، يوقظ الأمة من سباتها الطويل، ويدفعها نحو نقطة اللاعودة في مسار التبعية والهيمنة.
كانت الصرخة صاعقةً أخلاقيةً في وجه العدو، وزلزالًا عملياً داخل أروقة أنظمةٍ خانعة، ومحاولةً أولى لإعادة بناء الوعي من تحت أنقاض الخوف، والإذلال، والتشويه المتعمد لمفاهيم الإسلام والكرامة والعدالة، وحين تفقد الأمة بوصلة الهداية، وتكفّ عن تسمية العدو الحقيقي، وتضيع في متاهات “الحياد” و”المصلحة الكاذبة”، فكانت الصرخة كافية لتعيد تشكيل الوعي، ولتشعل النور في أقبية الظلام.
لقد أثبت المشروع القرآني، في كل محطات الصراع، أنه ليس مشروعًا هشًا يمكن أن تذروه رياح التحديات، بل هو بناءٌ صلبٌ على أرضية صلبة، راسخة، ممتدة من نور الله وهديه، واجه السجون والاعتقالات، جوبه بالحروب والمؤامرات، طُورد بالفتاوى وشُوّه بالإعلام، لكنّه لم ينكسر، بل سقط خصومه، وتهاوت مكائدهم، وبقي هو واقفًا، شامخًا، يتنامى في الوعي، ويترسخ في الوجدان.
اليوم، أصبح المشروع القرآني ساحةً للتعبئة الواسعة، ومنارةً لإثارة السخط ضد الأعداء، ومحورًا لتحريك الأمة عمليًا في ميادين المواجهة، فكل من وعي تحرك بهذا المشروع، صار يعرف عدوه، ويدرك مكائده، ويُحَصّن نفسه من الخداع، لا يُستَغفَل، ولا يُباع، ولا ينخدع بمن يُدجّنُه العدو باسم الإسلام أو الوطنية أو السلام.
لقد نجح المشروع في بناء الوعي، في ترسيخ المسؤولية، وفي استنهاض الطاقات، من يَدخل نوره، لا يخرج إلا حرًا، واثقًا بالله، ثابتًا على موقفه، لا يتزعزع لا أمام قصف، ولا أمام إغراء، لأنه يرى النصر وعدًا من الله، ومنهجًا قرآنيًا لا يتبدل.
والنموذج القائم في اليمن شاهد حيّ على فعالية هذا المشروع، رغم الحصار، رغم الحرب، رغم كل أدوات أمريكا التي حُرّكت ضده، لم ينهزم، بل تقدم، وارتقى، وحقق إنجازات استراتيجية في ميادين متعددة: من الصمود الشعبي، إلى الردع العسكري، إلى الفاعلية الإعلامية، إلى الحضور السياسي، إلى البعد الإقليمي المؤثر.
المشروع القرآني أنشأ رجالًا لا يُهزمون، لأنهم يعرفون من عدوهم، وعلى أي أساسٍ يقفون ضده، غرس فيهم أول وأعظم مكاسب الوعي: الثقة بالله، لا يراهنون على أحدٍ سواه، ولا يهابون سواه، ولا ينشدون نصراً الإ منه وحده.
والأحداث، بكل ما فيها من فتن واختبارات، تؤكد صوابية هذا المشروع، وضرورته، وواقعيته، لم يكن عبثًا، ولا ترفًا فكريًا، بل كان ضرورة وجودية لأمةٍ تُذبح وتُستعمر وتُنهب، لذلك لم يكن غريبًا أن يلتف شعبنا العزيز حوله، لأنه مشروعٌ من صلب الإيمان، لا من زخرف الشعارات.
اليوم، بعد أكثر من عشرين عامًا، نرى آثار الصرخة في كل ساحات المواجهة: في غزة المحاصرة، في الجنوب اللبناني، في الضفة الثائرة، في العراق الصامد، في اليمن، كانت بداية ثورة أممية، تستعيد حق الأمة في تعريف نفسها، وعدوها، ورسالتها.
إن الصرخة ليست شعارًا سياسيًا يُردد فقط، بل هي رؤية استراتيجية تُبنى، ومشروع تحرري يُصاغ، وملامح هوية تُستعاد، إنها الخيط الذي يربط بين القرآن والواقع، بين الإيمان والحياة، بين الكلمة والموقف، بين الشهادة والنصر.
نحن اليوم أمام حقيقة كبرى: أن المشروع القرآني، بشعاره، بثقافته، برؤيته، هو المشروع الوحيد الذي لم يُبدّل، ولم يُهزم، ولم يُخدع، لأنه تحرك من الله، وإلى الله، وعلى نهج الله.