الشرف والعيب في اليمن .. كيف نظّمت الأعراف القبلية سلوك الأفراد وكيف تعزّزت في عهد المسيرة القرآنية؟
شكّل مفهوما الشرف والعيب عماد الحياة الاجتماعية في اليمن منذ قرون ، خاصة في المجتمعات القبلية، حيث لا تُقاس أفعال الناس بالقانون، بل بما يقرّه العُرف، ويُشرّعه الضمير الجمعي، هذه المفاهيم لم تكن مجرّد عناصر ثقافية، بل أصبحت جزءًا من منظومة رقابة اجتماعية غير مكتوبة، تحدد سلوك الأفراد، وتوجّه تصرفاتهم في مختلف جوانب الحياة، بدءًا من العلاقات الأسرية وصولًا إلى حل النزاعات العامة.
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
في ظل هذه الخلفية، يأتي هذا التقرير ليُسلّط الضوء على الكيفية التي نظّمت بها الأعراف القبلية سلوك الأفراد عبر مفهومي الشرف والعيب، وليتناول التحوّل الذي طرأ على هذه المنظومة في عهد المسيرة القرآنية ،والتي أضافت بعدًا دينيًا وسياسيًا جديدًا لهذه القيم.
يمثّل هذا التقرير محاولة لفهم ، كيف ساهمت هذه المفاهيم في حفظ النظام الاجتماعي؟ وكيف جرى تأطيرها دينيًا لتُصبح جزءًا من “الهوية الإيمانية”؟ وهل ساهمت في تعميق الانضباط الأخلاقي أم في تقييد الحريات الفردية؟
تأتي أهمية هذا الموضوع من كونه يمس بنية المجتمع اليمني وهويته الثقافية والدينية والسياسية في آنٍ معًا، ويطرح تساؤلات ملحة حول حدود الأعراف، ومآلاتها في ظل التحولات المعاصرة.
منظومة الشرف والعيب في الأعراف القبلية
لطالما ارتبطت مفاهيم الشرف والعيب في اليمن بالهوية القبلية والمكانة الاجتماعية، يُنظر إلى “الشرف” على أنه رأس مال رمزي للفرد والأسرة، يتكون من الالتزام بالأمانة، النخوة، الكرم، الدفاع عن العرض، ومراعاة التقاليد، بينما يُعد “العيب” كل ما يسيء إلى هذه القيم أو يخلّ بها.
هذه المنظومة لم تكن مجرّد مفاهيم نظرية، بل أداة عملية للضبط الاجتماعي، ساهمت في تنظيم العلاقات الأسرية، وحل النزاعات، وتحديد الأدوار بين الرجال والنساء، في كثير من الأحيان، كانت العقوبة الاجتماعية الناتجة عن ارتكاب “العيب” أشد من العقوبة القانونية ، كما يؤكد أحد الباحثين الاجتماعيين بقوله : (العيب أشبه بالقانون غير المكتوب في المجتمع اليمني، وقدرته على الضبط والانضباط تفوق القانون نفسه، خاصة في المناطق القبلية) .
أداة للتماسك القبلي والاستقرار الذاتي
في السياق القبلي، لم تكن الدولة هي الحكم، بل العُرف ، فالشرف كان يُصان بالتزام الرجل بكلمته، وعيب الغدر أو الكذب قد يُفقد الفرد مكانته إلى الأبد ، وبالمثل، كانت المرأة تعتبر تجسيدًا للشرف، وأي إخلال يُعد مساسًا بكرامة العائلة كلها ،
تشكّل هذه الأعراف ما يمكن تسميته بـمنظومة توازن اجتماعي، حيث يتم حل الخلافات عن طريق العُقلاء، ويتم تهذيب السلوك دون حاجة لمحاكم رسمية، في كثير من الأحيان، ساهم هذا النظام في خلق نوع من الاستقرار داخل القبائل والمجتمعات الريفية.
كيف أعادت “المسيرة القرآنية” تأطير مفهومي الشرف والعيب؟
سعت المسيرة القرآنية منذ أن تولت زمام الأمور في البلاد إلى إعادة تأطير مفاهيم الشرف والعيب ضمن المشروع القرآني ، وفي هذه الرؤية، لم تعد الأعراف القبلية كافية وحدها، بل جرى دمجها في سياق ديني يعتبر الشرف والعيب انعكاسًا للهوية الإيمانية ، وأصبح الشرف يُقاس بـالتقوى والايمان والأخلاق الإيمانية ، وفي المقابل، أصبح العيب لا يشمل السلوك الفاضح أو الخارج عن الأعراف فقط، بل أي سلوك يُخالف المنهج القرآني ويفرط في الثوابت والمبادئ الدينية والوطنية بالعمالة أو الموالاة لإعداء الله وأعداء الأمة.
الشرف والعيب كمنظومة متماسكة تجسّد الهوية الإيمانية
تقدم المسيرة القرآنية الشرف والعيب في إطار فكرة عامة ومنظومة متكاملة تُجسد الهوية الإيمانية ، التي تمثل مزيج من الطهر الشخصي، الطاعة، الغَيرة، الحياء، والانتماء الكامل للمشروع القرآني ، الذي يعزز في المجتمع التربية على الحذر والخوف من العيب أمام الله قبل الناس لأن كل سلوك يُقاس بمقدار قربه أو بعده من الهُدى الإلهي، بهذا، يتحول العيب إلى أداة رقابة ذاتية لا مجرد سلوك فردي شخصي.
أعراف متجددة بمفاهيم راسخة في الثقافة القرآنية
يبقى الشرف والعيب من المفاهيم الراسخة في الثقافة اليمنية، سواء في بعدها القبلي أو الديني ، ومع ظهور المسيرة القرآنية، جعلت هذه المفاهيم تتجاوز وظيفتها الاجتماعية التقليدية لتُصبح أدوات لبناء هوية جامعة موحدة وفي بعض الأحيان، أداة للضبط والسيطرة ودعائم للتماسك الاجتماعي .