القبيلة اليمنية كحاضنة للتكافل والتراحم .. قراءة في الأثر القرآني على البنية المجتمعية
في زمن تتكالب فيه التحديات على المجتمعات من كل جانب، وتُفتّت فيه الهُويات وتُغيَّب القيم، تبقى القبيلة اليمنية واحدة من آخر الحصون الاجتماعية التي ما تزال تَشُدّ النسيج المجتمعي بخيوط التكافل والتراحم، لم تكن القبيلة في اليمن مجرّد تكوين تقليدي، بل هي بنية متكاملة، تحمل في طياتها موروثًا قيميًا راسخًا، شكّل أساسًا لتماسك المجتمع اليمني في مواجهة المحن والعدوان والحصار.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
يأتي هذا التقرير ليسلّط الضوء على الدور المحوري الذي لعبته القبيلة اليمنية كحاضنة للتكافل والتراحم، ويفتح نافذة تحليلية على كيفية تَشكُّل هذا الدور في ضوء الأثر القرآني وضمن إطار منهجية المسيرة القرآنية المباركة، التي أحيت ارتباط الإنسان اليمني بالقرآن الكريم كمنهج حياة، وفعّلت القيم الربانية في الواقع العملي، ويبرز كيف يمكن للبنية القبلية عند عودتها الصادقة إلى الله وكتابه ، أن تتحول إلى رافعة مجتمعية تنهض بالأمة وتُسهم في صناعة مشروع حضاري قائم على الرحمة والعدالة والإنفاق والتكافل.
وفي ظل المسيرة القرآنية، لم تعد القبيلة اليمنية مجرد عنصر من الماضي، بل عادت لتكون عمقًا استراتيجيًا في بناء مجتمع قوي، مؤمن، متراحم، ومتماسك، يعيش القرآن في حياته اليومية، ويجسد قيمه في واقعه بكل تفاصيله.
الدور البنيوي للقبيلة اليمنية
تمثّل القبيلة في اليمن وحدة اجتماعية راسخة، تجاوزت حدود الانتماء الدموي لتغدو إطارًا تكامليًا يحكمه العرف، وتدعمه القيم، ولم تكن القبيلة يومًا مجرد تركيبة اجتماعية تقليدية، بل منظومة تفاعلية تنهض بوظائف متعددة، الحماية، العدالة، الكرم، الإنفاق، وفوق كل ذلك، التكافل الاجتماعي، وعبر التاريخ، لم تنفصل القبيلة اليمنية عن مرجعيتها الدينية، بل تماهت مع القيم الإسلامية منذ بزوغ نور الإسلام، فكان اليمنيون من أوائل من لبّى نداء الإيمان، فدخلوا في دين الله أفواجًا.
القرآن الكريم كرافد تشريعي وأخلاقي
منهجية المسيرة القرآنية المباركة، التي أعادت توجيه المجتمع نحو العودة الصادقة إلى القرآن الكريم كمرجعية حاكمة، لم تكن محصورة في الجانب العقدي فقط، بل امتدت لتُحيي الأبعاد الاجتماعية للقرآن، ومنها قيم، الرحمة ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، والإنفاق ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ ، والعدل ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ، والإصلاح ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ .
هذه المبادئ لم تُقرأ نظريًا فحسب، بل أصبحت نبضًا عمليًا في سلوكيات القبائل، خاصة في ظل التوجيهات المستنيرة لقيادة المسيرة القرآنية ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، التي أحيت الوعي الجماعي بضرورة التراحم والتعاون والتكافل، لا سيما في أوقات الأزمات.
منهجية المسيرة القرآنية وتأصيل التكافل
أعادت المسيرة القرآنية إحياء المفاهيم الإيمانية الأصيلة ضمن الواقع المعيشي للناس، من خلال عدة مسارات:
التحشيد المجتمعي لمبادرات الخير.. حيث أُنشئت مبادرات تطوعية في كل مديرية ومحافظة، بقيادة وجهاء ومشايخ القبائل، لتقديم العون للفقراء، وزيارة المرضى، ومساندة أسر الشهداء.
إحياء دور الزكاة كمورد شرعي يعود على المستضعفين في المجتمع .. تم توجيه القبائل نحو الالتزام الفعلي بإخراج الزكاة، وتوجيهها لمستحقيها، وفق ما أمر به الله، وتمثل الهيئة العامة للزكاة نموذجًا حيًا لهذه الرؤية.
إبراز التكافل في ميدان المواجهة .. في مواجهة العدوان والحصار، شكلت القبائل خطوط دعم مادي وبشري، حيث قدمت الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض، واحتضنت أسر المجاهدين والشهداء، في صورة تكافلية فريدة.
القبيلة كمصدر للتراحم لا للثأر
في ظل المسيرة القرآنية، تم العمل على تهذيب بعض الأعراف القبلية التي كانت تشكّل تهديدًا للسلم الأهلي، وأبرزها عادة الثأر، فأُعيد توجيه المفاهيم نحو الصلح، والعفو، وإصلاح ذات البين، مستندين إلى قول الله تعالى : ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ و ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ ، وقد نتج عن هذا التوجه انخفاض كبير في النزاعات القبلية، وارتفاع منسوب التسامح، بما جعل القبيلة اليمنية اليوم بيئة حاضنة للسلم الاجتماعي، لا بؤرة للنزاع.
نماذج من الواقع .. قبائل تصنع الفارق
في كل المحافظات الحرة ، نشطت لجان التكافل الاجتماعي في رعاية أسر الشهداء والمحتاجين، حيث تتعاون القبائل بشكل دوري لجمع التبرعات وتنفيذ المشاريع الصغيرة، وسعت القبائل إلى تبني برامج إصلاح ذات البين الجماعية، وأسهمت في إنهاء مئات القضايا خلال العام الماضي، كما برزت مبادرات أهلية ذات طابع قبلي لدعم التعليم وتوفير المستلزمات المدرسية للفقراء، في مشهد يعكس الإحساس الجمعي بالمسؤولية.
خاتمة
ليست القبيلة اليمنية مجرد كيان اجتماعي من الماضي، بل هي مشروع حضاري متجدد، حين يُعاد ربطها بالقرآن الكريم، ويُستخرج من ميراثها ما ينسجم مع تعاليم الله وسيرة نبيه صلوات الله عليه وعلى آله ،
منهجية المسيرة القرآنية المباركة لم تُعد فقط تأصيل هذه القيم، بل أطلقت طاقات القبيلة في ميادين الخير، ورسّخت معاني الرحمة والتكافل، لتغدو القبيلة اليمنية بحق نموذجًا يُحتذى في زمان التيه والانقسام.