Herelllllan
herelllllan2

زمن الفساد المغلف بـ”الازدهار”: شهادة لا تموت

يمانيون /بقلم/ جميل القشم

يكفي كذبا وتزييفا للواقع.. كفى تغنيا بزمن “جميل” كان قبحه يلتهم الكفاءات، ويطحن الناس وهم أحياء.

لقد حكمنا نظام لا يعرف من الكفاءة إلا اسمها، ولا من الجدارة إلا ظلها، الأول على الدفعة يترك على الأرصفة خمس سنوات، والراسب أو صاحب التقدير المقبول يُعين مباشرة مديرا عاما بجرة قلم مسؤول، لا مكان للكفؤ، ولا قيمة للمؤهل، ولا اعتبار للجدارة.

 

كانت الوظائف والمناصب توزع على أساس القرب، والولاء، والنسب، والوجاهة. كانت تمنح للمقربين وذوي الوساطات، بينما تحجب عن أصحاب الحق والمستضعفين.

 

وللذين ما زالوا يتغنّون بزمن “الازدهار العفاشي”، نقول بوضوح: لم نعِش القهر كما يروى… بل كما يؤكل لحما حيا..لا إنصاف، لا عدالة، لا إنسانية.

 

سأروي أبسط الشواهد. خرجت يوما من مقر عملي في وكالة سبأ، فتفاجأت بسيارة مسرعة تصدمني أمام البوابة، لم تكن الضربة في الجسد فقط، بل في الكرامة والمعنى، ستة أشهر وأنا أتنقل بعكازين، أذهب إلى العمل كل يوم رغم الألم، لا حبّا في الوظيفة، بل خوفا من الخصم على راتب لا يكفي قوت أسبوع.

 

لم يسأل عني أحد.. زملاء قلائل زاروني على استحياء، مدير الإدارة جاءني بكيس عصائر… جزاه الله خيرا.. اضطررت لبيع أسطوانة غاز لتسديد بقية تكاليف العملية، لم أكن أطمح لاتصال من عفاش، بل كنت أنتظر موقفا إنسانيا من قيادة الوكالة، لم أجد شيئا.. فأين كانت المسؤولية؟ وأين الازدهار الإنساني؟ وأنا محسوب صحفي على مؤسسة إعلامية رسمية من أرفع مؤسسات الدولة.

 

لكن هذا مجرد غيض من فيض.

 

الشاهد الآخر: بعد أن سلم عفاش السلطة، عملنا معه في قناة “اليمن اليوم”، التي حولها إلى منبر يومي للتغني بإنجازاته، كنت أنا وعدد من الزملاء نعمل مدراء تحرير للأخبار، وكان عدد الموظفين الفعليين لا يتجاوز ٢٠ شخصا، بينما كشف الراتب يضم أكثر من ٢٠٠ اسم وهمي..نعم، أكثر من عشرة أضعاف العدد الحقيقي على الورق.. هذا أبسط مثال على الفساد الممنهج.

 

عشرات المشرفين تناوبوا على إدارة القناة، ولم يجرؤ أحد على تصحيح كشف راتب مخلول، مزور، يطعم الوهم ويحرم الكفاءات، لم تكن المشكلة في كشف واحد، بل في منطق مؤسسي عام: فساد هو الأصل، لا الاستثناء.

 

كان الموظف يتقاضى راتبا لا يغطي قيمة وجبات الغداء والعشاء أثناء الدوام، في حين توزع الهبات والعطايا على المدراء والمشرفين والقيادات والمقربين، ممن يقيمون في “طيرمانات القناة”، لا يعرفون وجع الجوع ولا هم الكدح، وكل همهم أن يرضى عنهم “الزعيم”، لا أن تدار المؤسسة بكرامة أو عدالة.

 

أنا لا أروي مأساة شخصية، بل أُشير إلى منظومة كاملة من الفساد والعجز والتضليل..وكم من شواهد وقهر عاشها غيري… ومع ذلك، لا يزال من يحاول إقناعك أننا كنا نعيش في أستراليا، نرفل في نعيم العدالة والرخاء…

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com