الحكومة الشهيدة، والكيان القذر

د. فاضل الشرقي

شرف كبير لليمن أن يكون في طليعة متصدري معركة الإسناد لغزة وفلسطين والمقدسات، والدفاع عن الأمة وشعوبها في مواجهة العدوان الصهيوني، والمهمة القذرة التي تنفذها إسرائيل نيابة عن أمريكا والغرب، كما قال: المستشار الألماني “فريدريش ميرتس”.

أن يقدم اليمن التضحيات الجسام في مسيرته الكبرى وحركته الجهادية فهو الشيء الطبيعي والمفترض والمتوقع، وليس شيئا مفاجئا أو خارقا للعادة، ومن يقبل التكليف ويتحمل المسؤلية في هذه الظروف والأوضاع فبكل تأكيد لديه استعداد كامل للجهاد والشهادة في سبيل الله، وما من حركة ومسيرة في تاريخ الصراع البشري بكله إلا وسجلها حافل بالعطاء والتضحيات، وفي المقدمة مسيرة الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين سلام الله عليهم.

تقديم الدماء الزاكية والأرواح الطاهرة لا يعني نهاية المطاف وخسارة المشوار وسقوط الراية، بل نماء وزكاء، وخير وبركة، ولطف ورحمة، ووقود مُشَغِّل ومُحرِّك ودافع للحركة بشكل أقوى وأسرع، وثمن الحرية هو هذه الدماء والجراح والتضحيات الكبيرة التي ستبدد كل هذا التفرعن الإمبريالي والتغول الصهيوني المفرط والعربدة الإسرائيلية في المنطقة الذي تضاعفت كلفه مع مرور الزمن، ولن تسقط هذه العربدة، وتتهاوى هذه الهيمنه، وتزول هذه الغدة القذرة إلا بهذه التضحيات الجسام في فلسطين واليمن ولبنان وإيران.

القيمة النبيلة والسامية لهذه التضحيات الجسيمة أنها لله وفي سبيله، الأمر الذي يكسبها جلالا وبهاء، ونورا وإشراقا، وعظمة وقداسة، ونكهة خاصة لدى المؤمنين العارفين المحبين لله، المتفانين في سبيله وابتغاء مرضاته، فتذوب معه كل النفوس الوالهة، وترخص له كل التضحيات الجليلة.

هكذا هي مسيرة العظماء: بذل وعطاء وتضحيات، وصبر وصمود وثبات، وتمحيص وفتن وابتلاءات، ومحن وزلزلة حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله؛ وفي آخر المطاف ستثمر كل هذه الجهود والتضحيات وتتكلل بالفوز والنصر والنجاح الذي لا نظير له في الدنيا والآخرة.

إن بذل الأرواح والدماء في ميادين العمل والجهاد والإبتلاء والإختبار تصقل النفوس وتصنع المؤهلات والكفاءات النادرة، وتطهر الحياة من أرجاس الحقارة والنذالة البشرية الشاذة والمنحرفة، ودنسها ولوثاتها وقذارتها وانحطاطها الذي عكر صفو العيش الإنساني ودمر مستقبل البشرية.

أن تكون مجاهدا في سبيل الله لا يعني أن لا تعاني، ولا تتعب، ولا تصبر، ولا تتحمل، ولا تخسر، ولا تضحي، ولا تجرح، ولا تقتل، بل أنت مثل غيرك معرض لكل شيء مع الفارق، وعليك أن تبني على أسوء الإحتمالات، لكن البهاء والجلال والعظمة هو أنك لا تحزن، ولا تهن، ولا تضعف، ولا تستسلم، لأن التضحيات مع الله عظيمة تتبدد معها كل هواجس القلق والخوف والتردد والإنكسار، وتتعزز فيك قيم العطاء والتضحية في سبيل الله، وتكبر دوافع الثقة والجلد والثبات، وتنمو روح الإبداع والإبتكار والتجدد، والإنتعاش والحيوية من حياة الأحياء الأبديين، والنصر والإقتدار من منطلق الثقة والإيمان والمعرفة، والحب والتفاني والإخلاص، وهكذا دأب التضحيات تشمل الأفراد والقيادات وحتى المحايدين العزل كما يقولون، وميدان الصراع المفتوح مع قوى الظلم والعدوان والإستكبار وفي معركة كبرى كهذه يتطلب أعلى درجات الجهوزية والإستعداد والبذل والعطاء، لأن النصر والخلود لا ينال إلا بهذا الإبتلاء والإختبار والتمحيص، وبهذه البأساء والضراء.

يقدم اليمن هذه التضحيات الجسام من موقع القوة والإقتدار، وهو في ذروة العزة والإباء، والشرف والكرامة، والشدة والصلابة، يهاجم العدو إلى عقر داره، ويضربه حيثما وصلت يداه المبسوطتان، والعدو الحقير البائس لا يستطيع أن يدعي ما ليس له، فهو يعرف حقائق الأمور أكثر من أدواته وأبواقه وأياديه، وجل ما توصف به جريمته الغادرة أنها عملية عدوانية انتقامية فقط وليست استراتيجية، لأن جسامة ضررها المادي أبلغ من المعنوي، ولأنها لن تؤثر على مسار العمليات العسكرية المتصاعد، ولن توهن الموقف الرسمي والشعبي المناصر لغزة وفلسطين والمقدسات، وإذا كان الأغبياء والمتغابون يمارون، فإن العدو نفسه يعرف أن لكل نبأ مستقر.

مع استدراك أن التقليل من خطورة أبعادها وطابعها الإستراتيجي لا ينفي عنها الطابع الإجرامي الفضيع، بل هي من أكبر الأعمال العدائية والإجرامية القبيحة والمستنكرة التي يطفح بها سجل الإجرام والتوحش الصهيوني الذي لا نظير له في حياة البشرية جمعاء.

المؤكد أن هذه التضحيات الجسام تؤهل اليمن بكل جدارة لرفع راية الإسلام والجهاد، وحمل مسؤلية مقارعة الإستكبار في محيطه العربي والإسلامي، وإسقاط مشروع الهيمنة والإستكبار، وقيادة معركة تحرير القدس والأقصى وفلسطين، وتعمق حضوره القوي في وجدان القضية ومحيطها الإنساني، وتكسبه المزيد من الإلتفاف والإحتظان والثقة والمسؤلية محليا وإقليميا وعالميا.

والأكثر تأكيدا منذ الإنخراط المباشر في معركة الإسناد واليمن الحر -قيادة وحكومة وشعبا- يستشعر الأثمان الباهضة ويدرك التضحيات الجسيمة التي تتطلبها هذه الوقفة الكبرى، ومستعد لتقديم أغلاها وأعلاها وأسماها على أن يسجل في سجل الملعونين من الجبناء والخونة والمتآمرين، ولأن هذا خيار مبدئي ثابت ومستمر لا تهيب فيه ولا تردد ولا حياد، ومهما كانت الكلف باهضة والتضحيات جسيمة فإنها قليلة جدا مع الله وفي سبيله، ومن يعرفه ويؤمن به يسترخص ويستقلل كلما يقدمه في سبيله ولأجله مهما كان وكيفما كان، ولا يتبعه حزن ولا وهن ولا ضعف ولا من ولا أذى، وهو كذلك في موقف الحق غبطة وسعادة ورضا وتسليم.

كما أن هذه التضحيات غير مؤسفة، ولا محزنة، ولا تشكل أي خسارة حقيقية، لأنها ليست مجانية، بل هي تضحيات عملية في مواقف العمل والجهاد، والحضور المشرف في ساحات الحرب الشاملة، والعدو يتلقى -شبه يوميا- التنكيل والضربات الموجعة والمؤلمة والمكلفة التي لم تخطر له على بال، ولم ترد له في حسبان، وهو من الجبهة اليمنية التي سلبته أمنه واستقراره وهدوءه وحرمته حتى من نومه في ذروة الوجع والوتر والقلق والألم والحسرة والندامة، وهذا أمر مفروغ منه.

صحيح أن هؤلاء الشهداء الكوكبة يمثلون صفوة المجتمع، وخيرة أبنائه ورجاله، وزبدة قيادات العمل الحكومي والرسمي، وهم بهذا يشكلون النموذج الراقي للوطن والعروبة والإسلام والإنسانية، وموضع الإقتداء والإحتذاء والتأسي، ويقدمون الشهادة على كل الحكومات العربية والإسلامية برؤسائها ووزرائها ومسؤليها، كما قدمها سلفا الرئيس الشهيد صالح الصماد على كل الرؤساء والحكام والملوك والأمراء، ولسوف يسئلون.

المطلوب هو الإستفادة والتعلم، وأخذ الدروس والعبر، وأهمها: زيادة الوعي والبصيرة والثقة واليقين والتوكل، والصبر والثبات والاستمرار في هذا الخط، والتمسك بهدي الله وسننه، وتلمس مواطن الحماية الإلهية وأسبابها التي إن فقدت فقد معها كل شيء، وبذل المستطاع في الحيطة والحذر بما لا يخل بالعمل وأداء المسؤلية، والباقي على الله، وحفظ الله القائد والوطن والشعب.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com