اغتيالات عابرة للحدود .. “قطر” محطة جديدة في مسلسل الاستباحة الصهيونية
يمانيون | تقرير تحليلي
في واحدة من أخطر المحطات التي شهدتها المنطقة منذ عقود، تعرضت العاصمة القطرية الدوحة لمحاولة اغتيال صهيونية فاشلة استهدفت وفداً قيادياً من حركة حماس برئاسة الدكتور خليل الحية، أثناء وجوده ضيفاً رسمياً في قطر.العملية التي نفذت عبر قذائف جوية وصواريخ موجهة، شكّلت سابقة خطيرة، لأنها نقلت دائرة النار من فلسطين وبلدان الطوق إلى قلب الخليج العربي، لتصبح قطر نفسها هدفاً مباشراً في سياق الاستباحة الصهيونية المفتوحة
أولاً: الرواية الصهيونية… لازمة مكررة لتغطية الجرائم
منذ الساعات الأولى، حرصت الرواية الصهيونية على إطلاق لازمتها المعهودة: “أبلغنا الولايات المتحدة مسبقاً”. عبارة باتت جزءاً من كل جريمة وعدوان، وكأنها صك براءة استباقي يضع واشنطن في موقع الشريك العارف والمتواطئ.
هذه الرواية لم تعد تمر مرور الكرام، بل تؤكد أن القرار الصهيوني بالاغتيال والعدوان لا يُتخذ بمعزل عن البيت الأبيض، وأن اليد الأمريكية ليست فقط على علم، بل هي جزء من التخطيط والتغطية السياسية، وربما حتى التنفيذ العملي.
ثانياً: مفاوضات تحت فوهة البنادق
كان الوفد الفلسطيني يجلس في الدوحة لمناقشة مقترح حمل توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حول تهدئة ميدانية، وتبادل أسرى، ووقف إطلاق النار في غزة. لكن العملية التي تزامنت مع المفاوضات كشفت أن المقترح لم يكن سوى فخ أمريكي–صهيوني، هدفه استدراج المفاوض الفلسطيني إلى دائرة التصويب المباشر.
لقد تكررت مثل هذه “المصائد الإنسانية” كثيراً: مساعدات غذائية تُلقى فوق رؤوس الجوعى في غزة لتتحول إلى مصائد موت، ووعود سياسية تُغلف بالإنسانية بينما جوهرها التصفية الجسدية للقيادات.
ثالثاً: قطر في قلب الاستباحة
وسائل إعلام قطرية أكدت فشل العملية ونجاة الوفد المفاوض، لكن الحقيقة الأعمق أن قطر نفسها دخلت دائرة النار. الرسالة واضحة: لا حصانة لأي عاصمة عربية أو إسلامية، مهما بلغت علاقاتها السياسية أو الاقتصادية أو حتى مسارات التطبيع.
فبعد أن امتدت يد العدو إلى بيروت، دمشق، بغداد، صنعاء وطهران، ها هي الآن تطرق أبواب الدوحة، في تهديد مباشر لسيادة دولة عربية مستقلة، وانتهاك فج لكرامة الضيافة العربية.
رابعاً: أبعد من استهداف حماس
الجريمة ليست مجرد محاولة تصفية لقيادات من حركة حماس. إنها اعتداء على دولة قطر في عقر دارها، وإهانة مقصودة لأمرائها وقادتها، ورسالة تحقير لسيادة العرب جميعاً.
إن توصيفها القانوني واضح لا يحتمل الالتباس: عدوان مسلح على دولة ذات سيادة، وعدوان على ضيوفها، بما يشكل وصمة عار قانونية وأخلاقية على جبين العالم إن تُرك بلا رد.
خامساً: اغتيالات ممتدة واستراتيجية ثابتة
لم تكن هذه الجريمة الأولى، ولن تكون الأخيرة.
- اغتيال القائد إسماعيل هنية في إيران.
- اغتيال صالح العاروري في لبنان.
- اغتيال محمود المبحوح في الإمارات.
- محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن.
- إضافة إلى مئات الاغتيالات اليومية في غزة والضفة.
الخيط واحد، والهدف واحد: كسر إرادة المقاومة بقطع رؤوسها السياسية والعسكرية. والغطاء الأمريكي حاضر دوماً، عبر صمت دولي، أو تبرير مسبق، أو دعم مباشر.
سادساً: الصمت العربي… مشاركة في الجريمة
لعلّ أخطر ما تكشفه هذه الجريمة هو أن معظم العواصم العربية لا تزال غارقة في وهم الحياد أو التطبيع، مكتفية بالصمت الذي لا يقل خطورة عن المشاركة.
فإذا كانت إيران قد ردّت في بعض الحالات على الاغتيالات، فإن بقية الحكام العرب لم يتجاوزوا حدود بيانات الشجب اللفظية. بل إن بعضهم لا يزال يطمع في فتح أبواب التطبيع مع الكيان، رغم أن الوقائع تقول بوضوح: لا تطبيع يقي من الاغتيال، ولا اتفاقيات تحمي من الاستباحة.
سابعاً: دلالات ورسائل استراتيجية
رسالة للأنظمة: كل عاصمة عربية أو إسلامية قابلة لأن تُستباح، من الخليج إلى المغرب.
رسالة للشعوب: أن السكوت عن العدوان في غزة لم يحمِ أحداً، بل زاد من شراهة الوحش.
رسالة للمجتمع الدولي: أن القانون الدولي لم يعد أكثر من ورقة فارغة، أمام سطوة السلاح وحماية واشنطن.
رسالة للمقاومة: أن الاستهداف العابر للحدود دليل على قوة تأثيرها وخوف العدو من مشروعها.
ثامناً: نحو أي مستقبل؟
المحاولة الصهيونية الفاشلة في الدوحة تكشف أن المنطقة كلها أمام منعطف حاد. فما كان يُنظر إليه كصراع محصور في فلسطين، تمدد ليشمل عواصم العرب والمسلمين.
وهذا يعني أن الجميع بات داخل “دائرة السيادات المنتهكة”، وأن الرد لم يعد شأناً فلسطينياً أو إيرانياً أو لبنانياً فحسب، بل واجباً جماعياً تمليه الكرامة والسيادة، قبل أن يتحول كل بيت عربي إلى هدف سهل في مرمى العدو.
خلاصة
إن ما جرى في الدوحة ليس مجرد حدث أمني عابر، بل جريمة مفصلية تكشف الوجه الحقيقي لكيان الاحتلال الصهيوني، ولشريكه الأمريكي الذي يغطي كل عدوان.
إنها ناقوس خطر يدق أبواب الخليج، ويؤكد أن الصمت لم يعد خياراً، بل مشاركة في الجريمة.
فإما أن تتحرك الأمة لتكسر دائرة الاستباحة، أو ستبقى كل العواصم على موعد مع مصير مشابه، حيث لا سيادة تُحترم، ولا ضيافة تُصان، ولا دماء تُعفى من التصويب.