الدعم الأمريكي للمشروع الإسرائيلي .. جذوره العقائدية وخلفياته الإستراتيجية

يمثل الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي أحد أكثر العلاقات الدولية ثباتًا واستمرارية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن هذا الدعم لا يمكن اختزاله فقط في شراكة سياسية أو مصالح اقتصادية، بل يمتد ليشمل أبعادًا دينية وعقائدية وثقافية عميقة، شكّلت الأرضية التي جعلت واشنطن حليفًا شبه مطلق للكيان، في قلب هذه العلاقة، نجد ما يُعرف بـ”المشروع الإسرائيلي العقائدي”، وهو تصور قائم على توسيع النفوذ والسيطرة الإسرائيلية في المنطقة، سواء عبر الاستيطان أو التوسع الأمني أو الهيمنة الجيوسياسية، وهو مشروع يتلاقى بشكل أو بآخر مع مصالح أمريكية داخلية وخارجية.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

 

 الجذور التاريخية للعلاقة الأمريكية مع الكيان الإسرئيلي

عند إعلان قيام كيان العدو الإسرائيلي عام 1948، كانت الولايات المتحدة أول دولة كبرى تعترف بها، في موقف لا يمكن فصله عن التأثيرات التي مارستها الجاليات اليهودية الأمريكية، إلى جانب تعاطف الرئيس الأمريكي آنذاك، هاري ترومان، مع “المشروع الصهيوني”،  منذ ذلك الحين، تشكّلت علاقة تزاوجت فيها المصالح السياسية مع التأييد الثقافي والديني لفكرة قيام “الوطن القومي اليهودي”.

مع تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أصبح الكيان الإسرائيلي أداة متقدمة للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، خصوصًا مع ميول بعض الدول العربية نحو المعسكر السوفيتي، دعمت واشنطن الكيان الإسرائيلي كحليف موثوق في منطقة حساسة، ليصبح الكيان مركزًا متقدمًا للنفوذ الغربي.

 

البُعد العقائدي والديني في الدعم الأمريكي

تلعب اللوبيات الصهيونية  وأبرزها منظمة “أيباك”  دورًا جوهريًا في توجيه السياسات الأمريكية نحو دعم كيان إسرائيل، مستفيدة من قوتها المالية والإعلامية ونفوذها في الكونغرس، ولكن إلى جانب ذلك، يُمثّل الدعم المسيحي الإنجيلي للكيان عمقًا عقائديًا، حيث يرى الإنجيليون أن قيام إسرائيل وعودتها إلى “أرض الميعاد” هو جزء من نبوءات دينية تمهد للعودة الثانية للمسيح.

تتغلغل إسرائيل في المخيلة السياسية الأمريكي كدولة ديمقراطية وحيدة في وسط شرق أوسطي مضطرب، وغالبًا ما تُقدَّم على أنها دولة تشترك مع الغرب في القيم الدينية والأخلاقية، وهو ما يدفع كثيرًا من السياسيين إلى تغليف دعمهم لها بلغة أخلاقية ودينية.

 

المساعدات العسكرية والمالية .. تمكين مباشر للمشروع

تمنح الولايات المتحدة الكيان الإسرائيلي سنويًا مليارات الدولارات في شكل مساعدات عسكرية، مع التزام صريح بضمان تفوقها النوعي على كل الدول المحيطة، وقد تُرجم ذلك إلى تمكين الكيان من تطوير أنظمة تسليح متقدمة، وتنفيذ عمليات عسكرية دون خوف من العزلة الدولية، بفضل الحماية الأمريكية.

استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) عشرات المرات في مجلس الأمن لحماية الكيان الإسرائيلي من قرارات تدين الاستيطان أو الانتهاكات ضد الفلسطينيين، مما وفر غطاءً سياسيًا مكّن الكيان من مواصلة التوسع دون محاسبة جدية.

 

المشروع الإسرائيلي العقائدي بين الرؤية التوراتية والواقع الجيوسياسي

مشروع “إسرائيل الكبرى،، يرتبط المشروع العقائدي للكيان الإسرائيلي برؤية توراتية  أيديولوجية تعتبر أن لإسرائيل الحق في السيادة على كل “أرض الميعاد”، وهي تمتد في بعض الروايات من نهر النيل إلى نهر الفرات، السياسات الاستيطانية وتوسيع السيطرة في الضفة الغربية والجولان تعكس تمسكًا ضمنيًا بهذه الرؤية، والتصريح المباشر لرئيس حكومة الكيان ’’نتنياهو’’ بهذا المشروع مؤخراً تأكيد على خلفية هذا المشروع .

تتنامى داخل الكيان الإسرائيلي تيارات دينية متشددة مثل الصهيونية الدينية تؤمن بضرورة تحقيق السيادة الكاملة على الأرض التاريخية لليهود، هذه التيارات تتغلغل داخل المؤسسة السياسية والعسكرية، وتحظى غالبًا بدعم غير مباشر من واشنطن، أو على الأقل بتجاهل تام لانتهاكاتها، مما يشجعها على المضي في تنفيذ رؤيتها.

 

الولايات المتحدة كراعية ضمنية للمشروع العقائدي

إن استمرار الولايات المتحدة في تقديم الدعم دون ربطه بشروط صارمة متعلقة بحقوق الإنسان أو الشرعية الدولية، يمنح الكيان الإسرائيلي حرية التصرف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يجعل المشروع العقائدي ليس مجرد فكرة أيديولوجية، بل سياسة عملية مستمرة على الأرض.

في حين يُفترض أن الولايات المتحدة هي الطرف الأقوى، إلا أن مفعول اللوبيات والروابط العقائدية يجعل العلاقة مع الكيان الإسرائيلي شبه متساوية أو حتى تُدار أحيانًا من داخل الولايات المتحدة نفسها، وفقًا لمصالح فئوية أو دينية، هذا ما يجعل السياسات الأمريكية تُراعي دائمًا مصالح الكيان حتى على حساب القانون الدولي أو المصالح الأمريكية الأخرى في المنطقة.

 

تحذير السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي من المشروع الإسرائيلي وخلفية الدعم الأمريكي

 الموقف العقائدي والسياسي من المشروع الصهيوني، في خطابات متكررة، وجّه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) تحذيرات واضحة من خطورة المشروع الصهيوني، ليس فقط باعتباره مشروعًا توسعيًا يستهدف فلسطين، بل كمخطط شامل يسعى للهيمنة على كامل المنطقة العربية والإسلامية، خدمةً لمصالح أمريكا وبريطانيا والدول الغربية الكبرى.

ويرى السيد القائد أن المشروع الإسرائيلي هو واجهة متقدمة للمخطط الأمريكي في المنطقة، وأن الكيان الصهيوني ليس كيانًا مستقلًا بقدر ما هو “أداة وظيفية” في يد واشنطن لتمزيق الأمة الإسلامية من الداخل، عبر إثارة الفتن، ودعم الأنظمة العميلة، وتغذية الصراعات الداخلية.

 

 أمريكا كراعٍ للمشروع عبر أدوات ناعمة وصلبة

وفق تأكيد السيد القائد، فإن الدعم الأمريكي للعدو الإسرائيلي يتجاوز الجانب العسكري أو السياسي، ليصل إلى دعم إعلامي، اقتصادي، وثقافي، يهدف إلى تطبيع وجود الكيان الصهيوني في وعي الشعوب العربية، وتقديمه كأمر واقع” لا يمكن مقاومته، بل والترويج له كـ “شريك في السلام”، رغم تاريخه الدموي.

ويؤكد السيد القائد أن مشاريع التطبيع التي تقودها بعض الأنظمة العربية ليست سوى تنفيذ مباشر لإملاءات أمريكية صهيونية، هدفها النهائي جعل الأمة تتخلى عن فلسطين، وعن هويتها، وعن مبادئها الدينية.

 

خطر الاستباحة الصهيوأمريكية على الأمة الإسلامية

يؤكد السيد القائد يحفظه الله أنه لا ينحصر مشروع العدو الإسرائيلي في احتلال فلسطين فقط، بل هو بوابة لاستباحة كل دول المنطقة بدعم أمريكي مطلق هو الآخر له خلفية عقائدية ، يسعى من خلاله لتحقيق هدف مرتبط بعقيدته ، ويشير إلى أن المشروع يستهدف العقيدة الإسلامية، والهوية القرآنية، والسيادة السياسية لدول الأمة.

كما يشدّد على أن الكيان الإسرائيلي أيضاً وبدعم مباشر من واشنطن يسعى إلى تدمير المجتمعات من الداخل (عبر الحروب، الحصار، الإعلام)، وفرض حكومات تابعة تخدم مصالحه، واستهداف المقاومة في لبنان، اليمن، العراق، وسوريا لأنها تمثّل العقبة الأساسية أمام التمدد الصهيوني.

 ضرورة المواجهة الشاملة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي

يدعو السيد القائد في معظم خطاباته إلى مشروع يواجه هذا الخطر ، ويقوم على الوعي بخطورة التحالف الأمريكي الإسرائيلي.

من خلال التمسك بالهوية الإيمانية والقرآنية، واتخاذ المواقف العملية بدعم المقاومة وتوحيد صفوف الأمة في مواجهة العدو المشترك، وكذا الاستقلال عن القرار الأمريكي وعدم الانخداع بشعاراته

ويرى السيد القائد أن هذه المواجهة هي السبيل الوحيد لإفشال المشروع التوسعي، والحفاظ على سيادة الأمة وكرامتها، ووقف المد الاستعماري الأمريكي  الصهيوني.

 

 إلى أين يتجه هذا الدعم؟

الدعم الأمريكي للمشروع الإسرائيلي العقائدي لا ينبع فقط من التحالفات السياسية أو الاستراتيجية، بل من شبكة معقدة من المصالح، التأثيرات الثقافية والدينية، والمصالح المتبادلة، هذا الدعم يُعتبر أحد أهم العوامل التي مكّنت الكيان الإسرائيلي من ترسيخ مشروعه التوسعي، خاصة في الأراضي المحتلة، وتحقيق خطوات عملية نحو  “إسرائيل الكبرى” من حيث النفوذ والسيطرة.

في المقابل، يبقى تحذير السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) حاضراً كموجه أخلاقي واستراتيجي للأمة، يدعو إلى يقظة مستمرة، وتصدي شعبي وأخلاقي وسياسي للمشروع الأمريكي  الصهيوني، مؤكدًا أن المستقبل مفتوح على مصراعيه أمام من يختارون طريق المقاومة والتمسك بالحق.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com