وهم الذراع الطويلة.. كيف يكسر اليمن معادلة الهيمنة الإسرائيلية؟

يمانيون | تقرير تحليلي
مع تصاعد الأحداث في المنطقة، يتضح أن إعلام العدو الإسرائيلي بدأ يروّج لرواية جديدة تصف تمدد عملياته العدوانية من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن وقطر وحتى ما يطال إيران، بوصفها تجسيداً لـ”واقع جديد” يضع الكيان الصهيوني في موقع “القوة العظمى” في الشرق الأوسط.

وفي قراءته المعلنة، يرى العدو أن هذا الامتداد لم يسبق له مثيل منذ نشأة كيانه، وأن ما يجري يمثل معادلة جديدة تُعيد رسم صورة المنطقة على نحو يُرسخ لإسرائيل موقع القوة المهيمنة.

لكن خلف هذا الخطاب الاستعلائي تكمن هواجس عميقة.

فالعدو يدرك أن ما يقدمه كسلاح استراتيجي وذراع طويلة جوية، لا يُترجم إلى استقرار سياسي أو هيمنة مستدامة، بل يزيد من الفوضى ويكرس صورة إسرائيل باعتبارها العامل المركزي لعدم الاستقرار في المنطقة.

وهو انطباع لم يعد محصوراً في أوساط النخب السياسية، بل بدأ يتسرب إلى المجتمعات الخليجية والعربية التي كانت تراهن على الحماية الأمريكية، لتكتشف أن واشنطن لا ترى في أحد سوى إسرائيل “الشريك المفضل”.

الدعم الأمريكي والمعادلة الملتبسة

في السياق يشير إعلام العدو بوضوح إلى أن ما يجري ما كان ليحدث لولا الغطاء الأمريكي المطلق. الولايات المتحدة، رغم خطابها المعلن عن حماية حلفائها الخليجيين، أثبتت أنها تركت هؤلاء لمصيرهم، فيما تركز دعمها على تمكين الكيان الصهيوني كذراعها الضاربة في المنطقة.

هذا ما ظهر جلياً في أحداث الدوحة وما تلاها، حين اتضح أن لا أحد بمنأى عن الضربات، وأن التحالف مع واشنطن ليس سوى مظلة انتقائية توفر الحماية لكيان الاحتلال فقط.

اليمن.. عقدة المعادلة الصهيونية

وفي خضم هذا الصخب، تبرز عمليات اليمن كالتحدي الأكبر الذي لا يمكن للعدو تجاهله. استمرار صنعاء في فرض حضر الملاحة في البحر الأحمر يمثّل بالنسبة للعدو “فاتورة باهظة”، ويقوض معادلة الاستباحة التي يسعى لترسيخها.

بل إن التوصيف الإسرائيلي نفسه لما يقوم به اليمن، كسرٌ لمعادلة “الذراع الطويلة”، يفضح حجم الإرباك الذي تواجهه تل أبيب أمام قدرة صنعاء على فرض إرادة مستقلة تتجاوز حدودها الجغرافية.

إعلام العدو يحاول التخفيف من وطأة هذا التهديد عبر وصف اليمنيين بـ”الظاهرة المدمرة للعالم بأسره”، لكنه في الوقت نفسه يعترف أن العالم ترك كيان الاحتلال لمواجهة هذه “الظاهرة”، في مفارقة تكشف حجم النفاق الدولي.

فالولايات المتحدة نفسها قالت بوضوح: “أوقفوا الهجمات على مصالحنا المباشرة، وأنتم أحرار فيما عدا ذلك”، ما يعني أن إسرائيل تُستخدم كشرطي بالوكالة لإدارة الصراعات، وليس لحسمها.

صراع طويل الأمد

ويقرّ العدو في خطابه الداخلي بأن هذا الصراع لن ينتهي لا خلال عام ولا خلال عقود، بل هو صراع ممتد ومتعدد الجبهات.

الحديث عن اليمن وحده يكشف هذا الإدراك؛ فاليمن بالنسبة للصهاينة ليس مجرد جبهة طارئة، بل عقدة تاريخية استعصت على محاولات الغزو منذ خمسينيات القرن الماضي، بدءاً من التدخل المصري مروراً بالعدوان السعودي وصولاً إلى الانخراط الأمريكي المباشر.

واليوم، يواجه العدو حقيقة أن أي عمل عدائي تجاه اليمن لن يمر دون عمليات مرتدة تحمل معها مفاجآت أعقد وتوقعات أوسع.

خلاصة

المعادلة التي يحاول العدو تكريسها تقوم على إظهار نفسه كقوة مهيمنة بفضل الدعم الأمريكي وسلاحه الجوي، لكن الوقائع على الأرض تبرهن أن المنطقة تشهد إعادة تشكيل كاملة، وأن اليمن وعملياته المستمرة، إلى جانب جبهات غزة ولبنان، ينسفون أسطورة “الذراع الطويلة”.

إسرائيل قد تملك القدرة على القصف والعدوان، لكنها عاجزة عن فرض الاستقرار أو كسر إرادة الشعوب.

وبالتالي فإن الشرق الأوسط لا يتغير وفق الرؤية الصهيونية، بل يتغير بفعل صمود الشعوب وتنامي قوة محور المقاومة، فيما تتحول إسرائيل من “حليف مفضل” للغرب إلى عبء استراتيجي وعامل دائم لإشعال الفوضى وعدم الاستقرار.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com