مفاهيم التحكيم القبلي أنواعه وصيغه في قواعد العرف المسنونة والغصَّابة لقبائل اليمن “الجزء الـ6”
العرف القبلي أساسه العدل المنبثق من تعليمات الشريعة الإسلامية تجاه أي قضية تحصل في شأن القبيلة اليمنية, وغيرها, وللتحكيم في قواعد العرف القبلي عدة صفات وصيغ ونماذج منها ماهو مسنون, ومنها ما هو غيرذلك, ولكن في كل الحالات يبقى العرف هو المرجع لكل قضية أو نزاع على حد سواء, فالظلم يعد أمر غير مقبول في أعرافنا القبلية وفي ديننا الإسلامي يتنافى مع القيم الأخلاقية والإنسانية والفطرية, وهنا نستعرض في الجزء السادس من سلسلة حلقات قواعد العرفي القبلي المسنونة والغصابة لقبائل اليمن مفاهيم التحكيم وقواعده وصيغه, إيمانا منا بأهمية نشر هذه المفاهيم وتكريسها وغرس الوعي في أوساط الشباب اليمني والجيل الناشئ الذي يتعرض لحملة كبرى في إطار الحرب الناعمة بهدف طمس هويته وإرثه التاريخي والديني والقيمي بالدرجة الأولى…
يمانيون|أعد المادة للنشر: محسن علي
مفهوم التحكيم العرفي:
هو الامتثال الفعلي من طرفي الخلاف لحل قضيتهم في القضاء العرفي القبلي عبر اتباع الإجراءات العرفية المسنونة, بطريقة التحكيم المباشر من الغريم لغريمه , أو بطريقة تحكيم الغريمين لطرف ثالث محايد لفصل الخلاف بينهما.
أنواع التحكيم:
ينقسم إلى نوعين رئيسيين وهما:
النوع الأول: التحكيم المباشر من الغريم لغريمه:
وهذا النوع من التحكيم يتم عادة برضاء الطرف الآخر المحكم لغريمه, ولا يكون هذا النوع إجبار عليه, ويتم هذا بوضع قطعة سلاح أو أكثر من السلاح الشخصي وما في حكمه مثل ( الجنابي الثمينة’ السيارات … وما إلى ذلك ) وتسمى عرفا : طروح التحكيم أو الحكم, وتعني الامتثال للحق.
ومن المسنون عرفا في هذا الجانب هو تسمية طروح التحكيم, وذلك تطبيقا للقاعدة العرفية التي تنص على ( الوثر حل العدال) حيث تعني ما تسميت به طروح التحكيم أو العدال عند وضعها, ويبنى الحكم العرفي على هذا الأساس الذي يقال له (وثر).
صيغ التحكيم المباشر:
سنت قواعد العرف القبلي في طروح التحكيم المباشر 4 صيغ وهي كالتالي:
الأولى: التحكيم المطلق: والذي يعني وضع قطعة سلاح أو أكثر من الغريم لغريمه بقوله: أنا محكم لك تحيكم مطلق, وهذه الصيغة لا تعني أنه من حق المحتكم أن يحكم بهواه وكيفما يشاء كما يعتقد البعض, وإنما القصد منها هو: تحديد إن الخطأ أو الاعتداء صدر من جانب واحد , أي كان من الطرف واضع التحكيم.
كما يلزم في هذه الصيغة من التحكيم , إتباع طروح الحكم بقاعدة خطية من (الغريم لغريمه) ويتم فيها تحديد نقطة وموضوع التحكيم وصيغته.
الصيغة الثانية: تحكيم مع الإقبال: والذي يعني وضع قطعة سلاح أو أكثر من الغريم لغريمه بقوله : أنا محكم وجاي لك إقبال, وهذه الصيغة هي بصفة الحجب في قضايا الخطأ على العرض, ويقصد بالحجب أي: التسريح المباشر بالوفاء (تسريح الهجر) من المخطئ, دون حكم مسبق من غريمه المجروح بالخطيئة.
كما أنه لا يلزم في هذه الصيغة صياغة تحكيم خطية , وإنما يجب على المجروح بالخطيئة استقبال الوفا الذي هو (الهجر), أما في حال أقبل الطرف المسرح للوفاء بمبدأ ناقص عن الحكم اللازم والمسنون عرفا, فمن حق الطرف المعتدى عليه طلب “بندق القصر” أي الاعتراف بنقص الوفاء.
الصيغة الثالثة : تحكيم من الغريم له وعليه: والذي يعني وضع قطعة من السلاح أو أكثر من الغريم وغريمه بقوله : أنا محكم لي وعليا. وتكون هذه الصيغة في حال كانت الأخطاء أو الاعتداءات أ والحقوق متبادلة بين الطرفين, وفي هذه الحالة يلزم إتباع الطروح بقاعدة تحكيم خطية من الغريم (واضعا طروح التحكيم) التي يتم فيها تحديد نقطة وموضوع التحكيم وصيغته.
الصيغة الرابعة: تحكيم فيما صح: والذي يعني وضع قطعة من السلاح من طرف لطرف آخر بقوله: انا محكم لك فيما صح , وتكون هذه الصيغة في حال ادعى طرف على طرف آخر بأنه وقع منه خطأ, مع إنكار المدعي عليه لذلك الادعاء, أو حصل ذلك من أحد أقاربه , فإن صح الاعتداء تم الوفاء, وإن لم يثبت تم إرجاع طرح التحكيم, وتعد طروح التحكيم هي الضامنة لتنفيذ الحكم , ولكن لا بد أن يتبع ذلك بقاعدة خطية وتوقيع الغريم وأن يكون مشهدا عليها بشاهدين.
كما أنه يحق للغريم حق اشتراط “المنهى” في قاعدة التحكيم أي بمعنى : أنه له حق استئناف الحكم عرفا, أو اشتراط الوفاء في القاعدة وطلب الذمة (اليمين) من الطرف المحتكم على حكمه بعد إصداره.
كما أن له الحق في إيصال (دعواه) وبراهينه , وكلما يلزم ليتم مناقشة ما يدعيه كل منهما على الآخر , في حال كان التحكيم من الغريم لغريمه بصيغة له وعليه و( من حكم احتكم), كما أنه يحق للغريم المحتكم في طلب تثقيل الحكم (الطروح) إذا استدعى ذلك , حيث تقدر طروح التحكيم اللازمة في قضية ما, بما يساوي ما تضمنه الحكم قيمتها وثمنها ضعفين بحسب ما يقدره المحكم لضمان التنفيذ.
كيفية تشريف الحكم
بعد استكمال كل إجراءات الدعوى والإجابة والبرهان, يتم صياغة رقم الاستكمال من الغريم واضع التحكيم, وهو حجز القضية للحكم, ولا يلزم تشريف الحكم غيابيا, إذا كان الطرف واضع التحكيم قد اشترط المنهى, كما أن له سماع الحكم قبل تشريفه والطعن فيه, إذا ادعى بظلم أو جور, وينقل مباشرة إلى يد المنهى الذي يتم تسميته للنظر في حكم المحكم , وللمنهى كسر الحكم (تعديله) إن كان فيه ما يخالف قواعد العرف وتسنونها , أو جبره (تأييده) في حالة كان الحكم مسننا على قواعد العرف القبلي, وفي حال كان التحكيم من الغريم لغريمه ’ باشتراط الوفاء , فعلى الطرف المتحكم بذل الذمة (اليمين) على حكمه بحسب ما اشترط.
النوع الثاني: تحكيم الغريمين لطرف ثالث محايد:
وهذا النوع يعد إجباريا وغصابا على الطرفين المتنازعين وملزمون باتباعه , إذا لم يكن لديهم الاستعداد بقبول النوع الأول وهو- التحكيم المباشر- والذي يعتمد على الرضاء.
حيث أن هذا النوع يتم فيه اختيار طرفي الخلاف لطرف ثالث محايد , ليكون محكما بينها بعد وضعهما طروح العدال’ وذلك لضمان تنفيذ الحكم الذي يصدره المحكم وكذلك, لضمان مساق أجرة المحكم.
مراحل طرح العدال:
وضع أو تقديم قطعة سلاح شخصي وما في حكمه, إلى يد المحكم المختار بينهما, لغرض النصف واسترجاع الحقوق, ويجب على المحكم مناضرة عدال الطرفين بالتساوي في ثمن الطروح, ومن حق الغريم إذا كان المحكم غير عادل في ذلك أن : يضيق عليه بمناظرة العدال حتى تتساوى قيمة الطروح للغريمين.
بعد وضع طروح العدال يلزم إتباعها بقاعدة تحكيم خطية للمحكم, وتكون موقعة من طرفي الخلاف, كما أنه يحق لهما اشتراط المنهى على حكم المحكم, ولا يتم تشريف حكم المحكم غيابيا, إذا اشترط المنهى في قاعدة التحكيم , كما أنه يحق للطرفين سماعه قبل تشريفه.
أما في حال ادعى أي طرف من أطراف الخلاف الظلم في الحكم, فأن الحكم ينقل مباشرة إلى يد المنهى الذي يتم تسميته من الأطراف , للنظر في الطعن المقدم من أحد الأطراف أو كليهما, وعلى الغريمين الاتجاه إلى المنهى للأخذ والرد , وما جاء من المنهى من تعديل أو تأييد, يعتبر ملزم للطرفين , عدا إن أصر أحد الأطراف على اختيار المنهى العرفي المتسلسل (الاستئناف) حسب المسنون العرفي لمنهي الأحكام العرفية القبلية.
اما في حال كان التحكيم للمحكم مطلقا من الطرفين, وادعى أحد الأطراف الظلم في الحكم, فله حق التعكيز للمحكم إلى يد منشد عرف, للنظر فيما يدعيه الغريم من ظلم في الحكم.
صيغة تحكيم الغرماء لطرف ثالث:
في حال دخول الغرماء في نوع التحكيم لطرف ثالث لحل قضيتهم , فإن هذا النوع يكون بصيغة واحدة , وهي حل الخلاف القائم بين الأطراف, والذي يتم تحديده وتسميته في قاعدة التحكيم, وفق صفات التحكيم, وموانع التحكيم, ومراحل تثقيل الحكم أ والعدال الذي سنستعرضه في الحلقة القادمة.
المرجع: كتاب قواعد العرف القبلي المسنونة والغصابة لقبائل اليمن – للشيخ صالح مجمل روضان- الباث الثاني.