ضربة سياسية في قلب المعركة .. حماس تفاجئ العدو الإسرائيلي بموافقة مشروطة أربكت حساباته

في خطوة وُصفت بأنها ضربة سياسية ذكية ومباغتة، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس موافقتها المشروطة على المبادرة الأمريكية التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة، وذلك بعد مواجهة شرسة ودامية خاضتها ضد العدو الإسرائيلي لأشهر طويلة، هذه الموافقة، التي جاءت بعد صمود ميداني كبير وتضحيات جسيمة، اعتُبرت انتصارًا سياسيًا نوعيًا للحركة، وورقة مناورة قلبت التوازنات السياسية، وأربكت حسابات العدو الإسرائيلي التي كان يراهن على رفض مطلق من حماس كذريعة لتصعيد الحرب وتحقيق أهداف عسكرية واستراتيجية إضافية.

يمانيون / تقرير / خاص

 

وجوهر هذه الموافقة، كما أكدت الحركة، ينطلق من اعتبارات وطنية وإنسانية بالدرجة الأولى، هدفها حماية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإنقاذ ما تبقى من مقوّمات الحياة تحت حصار خانق، ودمار واسع النطاق فرضه العدو الإسرائيلي خلال عدوانه الهمجي، فالموقف لم يأتِ كتنازل عن الثوابت، بل كقراءة ذكية لميزان القوى، وكمسؤولية تجاه أبناء الشعب الفلسطيني بغزة الذين يعيشون في ظروف إنسانية بالغة القسوة.

بهذا الرد غير المتوقع، فتحت حماس مسارًا سياسيًا جديدًا، وضربت معسكر الاحتلال في نقطة ضعفه، حين يتفاجأ من خصمه وهو يغيّر قواعد اللعبة دون أن يتنازل عن أدوات قوته.

القرار ليس هينا، فهو يأتي في ظل ظرف ميداني صعب، ضغوط دولية وإقليمية، وتصاعد المأساة الإنسانية في القطاع، ما يجعل الموافقة المشروطة خطوة ذات كلفة كبيرة، لكنها ربما أقل الكلف الممكنة في المشهد الراهن.

 

قراءة في الضربة الاستراتيجية .. لماذا اختارت حماس هذا التوجّه؟

حتى اللحظة، كان الاعتقاد السائد أن حماس سترفض أو ترفض بشدة مقترحًا يُلزمها بنزع السلاح وتقييد دورها السياسي، لكن الموافقة المشروطة تغير المعادلة، فهي تشير إلى أن الحركة لم تُغلق الباب أمام الوساطة، وأنها تريد البقاء لاعبًا في أي صيغة تُطرح لإدارة الواقع داخل غزة، هذا يجعل خصومها وخاصة العدو الإسرائيلي في موقف لا تستطيع تجاهله بسهولة.

المعارك في غزة أضحت في مراحل متقدمة ومعقدة، رفض شامل قد يُخضّ التوتر، ويمكّن العدو الإسرائيلي من أن ترى بأن خيارها العسكري مفتوح بالكامل،  والموافقة المشروطة تمثل محاولة لتخفيض التصعيد، وكسب بعض الوقت لتخفيف الحصار،

ومن خلال الموافقة المشروطة، تضع حماس نفسها في خانة من يملك أوراق تفاوض، فهي تُشير بأنها مستعدة للتعامل، لكن بشروط، ما يتيح لها استثمار  الأخذ والرد مع الوسطاء (مصر، قطر، تركيا) على الخط .

لو رفضت حماس بشكل مطلق، سَيُنظر إليها داخليًا أنها تفتقر إلى الحلول، وربما يُتهمها البعض بالتصلّب إلى حد الاستنزاف، لذا، فإن الموافقة المقيدة، تسمح لها بأن تقول إنها ليست مستسلمة، لكنها تقدم فرصة الآن من موقع القوة، تحت عنوان الحفاظ على ثوابت الشعب الفلسطيني، والدور المقاوم.

 

ماذا وافقت حماس عليه؟ وماذا لم توافقه؟

النقاط التي أبدت حماس قبولًا مبدئيًا بها، هي إطلاق سراح جميع الأسرى (أحياء وجثامين) وفق ما ورد في مقترح ترامب، ضمن آلية التبادل، وتسليم إدارة غزة لحكومة تكنوقراط فلسطينية مستقلة، بناء على توافق وطني، مع دعم عربي وإسلامي، والدخول فورًا في مفاوضات مع الوسطاء لمناقشة التفاصيل، أما النقاط التي لم تُعرّج عليها بوضوح أو لم توافق عليها هي، نزع السلاح، لم تشر حماس إلى أنها ستقبلها، بل أكّدت أن هذا الأمر خط أحمر وأن ذلك وغيره من البنود سيُناقش ضمن إطار وطني شامل، وكذلك دور الرقابة الدولية أو مجلس السلام الذي يقوده ترامب، لم تُبدِ حماس قبولًا علنيًا به، ولم توضح موقفها تجاه الإشراف الدولي على الحكم في غزة كما ورد في المقترح، ورفضها لأي صيغة تُقصيها عن المشاركة في الحكم في القطاع، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

الكثير من التفاصيل التنفيذية ، الجداول الزمنية، ضمانات الالتزام الإسرائيلي بالانسحاب، وغيرها ……) تبقت قيد التفاوض والمراجعة.

بذلك، يمكن القول إن ردّ حماس هو مشروط في إطار توازن دقيق بين القبول الجزئي والاحتفاظ بموقف تحفظي تجاه البنود التي تمس جوهر قدرتها على المقاومة والسيادة.

 

ردود أفعال عالمية بشأن رد حماس 

ترامب  تفاعل مع  رد حماس وقال، إنه يتطلع بشدة إلى عودة الرهائن إلى ذويهم، وأضاف هذا يوم مميز للغاية وربما على نحو غير مسبوق من نواح كثيرة،  وطالب الاحتلال الإسرائيلي بوقف قصف قطاع غزة فوراً من أجل السماح بالإفراج عن المحتجزين في القطاع، واعتبر أن بيان حركة حماس مؤشر على أنهم مستعدون لسلام دائم.

تركيا ..  قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن رد حماس على خطة وقف إطلاق النار في غزة خطوة بناءة ومهمة نحو تحقيق سلام دائم، وأكد أن إسرائيل مطالبة الآن، أن توقف جميع هجماتها فورا وتلتزم بخطة وقف إطلاق النار.
ودعا إلى اتخاذ جميع الخطوات دون تأخير لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة وتحقيق سلام دائم، وأضاف “يجب الآن، أن تنتهي هذه الإبادة الجماعية وهذا المشهد المشين الذي يجرح الضمير العالمي بشدة.
وأكد مواصلة “النضال لضمان اختتام المحادثات على النحو الأمثل لصالح الشعب الفلسطيني وتطبيق حل الدولتين”.

فرنسا .. قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الإفراج عن جميع الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة في متناول اليد، وأضاف يجب تنفيذ التزام حركة حماس دون تأخير، ولدينا الآن فرصة لإحراز تقدم حاسم نحو السلام.
بريطانيا ..  قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن قبول حماس خطة السلام الأميركية خطوة مهمة إلى الأمام، داعيا جميع الأطراف إلى تنفيذ الاتفاق دون تأخير، وأضاف ستارمر، أن هناك فرصة لإنهاء القتال وعودة الأسرى الإسرائيليين وإيصال المساعدات الإنسانية لمن هم في أشد الحاجة إليه، معتبرا أن المنطقة اقتربت من السلام أكثر من أي وقت مضى.
ألمانيا .. وصف المستشار الألماني فريدريش ميرتس قبول حركة حماس خطة الولايات المتحدة بأنها أفضل فرصة للسلام في غزة، وكتب على منصة إكس أن إطلاق سراح الرهائن والسلام لغزة في متناول اليد.
إيطاليا .. قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني يجب أن تكون الأولوية للجميع الآن التوصل إلى وقف لإطلاق النار يؤدي إلى الإفراج الفوري عن جميع الرهائن.
الأمم المتحدة .. أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن ارتياحه لرد حركة حماس، داعيا الجميع إلى اغتنام الفرصة لإنهاء الحرب في غزة.
أيرلندا .. قال رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن، إنه يأمل في أن يمهد إعلان حماس الموافقة على خطة ترامب الطريق لوقف إطلاق نار فوري وزيادة تدفق المساعدات إلى غزة.
أستراليا ..قال رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز إن “بلاده ترحب بالتقدم في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإحلال السلام في غزة”. وأضاف أنه سيواصل دعم الجهود لإنهاء الحرب في غزة والعمل من أجل تحقيق حل عادل ومستدام قائم على حل الدولتين.
كندا .. رحب رئيس الوزراء الكندي مارك كارني برد حماس ودعا “جميع الأطراف إلى تنفيذ الالتزامات وتعزيز السلام والأمن في المنطقة”.
فيما رحبت قطر ومصر برد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأكدت مواصلة العمل على استكمال نقاش الخطة بهدف التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

 

الأبعاد والدلالات الاستراتيجية

بموافقتها المشروطة، حماس أثبتت أنها  فاعل سياسي يُمكن أن يدخل في مفاوضات، يطرح شروطه، ويمارس دورًا في المستقبل، هذا قد يعيد تشكيل العلاقة بين العمل العسكري والمشروع السياسي في فكر الحركة وعلاقتها مع الفصائل الأخرى.

كما أن الموافقة المشروطة تُشكّل ضغط إعلامي على العدو الإسرائيلي، إذ أنها قد تُستعرض كشرط يُرغم الإسرائيليين على التراجع أو الالتزام بخطوات سياسية، كما أنها تُعبّئ الرأي العام الفلسطيني والعربي بأن حماس تحاول إيقاف الحرب من دون استسلام كامل.

الرهان الكبير الآن هو على التنفيذ، هل ستحصل ضمانات دولية لمنع العدو الإسرائيلي لإيقاف العدوان؟ هل سيكون هناك آليات رصد ومراقبة؟ هذه الأسئلة ستحدد ما إذا كان هذا التوجه سيكون جدياً أو مجرد مناورة إعلامية من قبل الولايات المتحدة لصالح العدو الإسرائيلي.

 

ما قامت به حماس هو تحوّل استراتيجي في المعركة السياسية، من رفض مطلق إلى “قبول مشروط”، ما يجبر العدو الإسرائيلي على التعامل معها من منطلق جديد

المراقبون الآن يترقّبون، كيف سيتعامل الاحتلال الإسرائيلي؟ هل ستقبل الشروط؟ وهل ستُعطى ضمانات دولية؟

في نهاية الأمر، هذه الموافقة المشروطة قد تكون قنبلة في ملعب الاحتلال، لكنها “قنبلة موقوتة” تحتاج إلى تنفيذ واقع على الأرض لتثبت أنها لم تكن مجرد مناورة من قل أمريكا لصالح العدو الإسرائيلي.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com