حكاية الوفد الذي سافر .. الإنفاق المناخي يكشف أخطر أدوات الهيمنة على المحافظات اليمنية المحتلة
في حين يكابد المواطنون في المحافظات المحتلة انقطاع الكهرباء وشحّ المياه وانقطاع الرواتب وارتفاع تكاليف الحياة إلى مستويات خانقة، تتكشّف تفاصيل فضيحة مالية عن إنفاق بالغ الضخامة على مشاركة وفد من حكومة المرتزقة في مؤتمر دولي للمناخ، حدث واحد، لكنه يعكس واقعًا كاملًا، واقع سلطة تحت الوصاية تتنقّل من مؤتمر إلى آخر، بينما يظل المواطن تحت وطأة أزمات لا تنتهي، مصادر إعلامية محلية كشفت عن إنفاق تجاوز 378 ألف دولار على مشاركة وفد يمثل حكومة المرتزقة التابعة لتحالف العدوان، مكوّن من 140 شخصًا في المؤتمر الدولي للمناخ، ورغم أن اليمن لا يُعدّ ضمن الدول المسبّبة للانبعاثات أو المعنيّة مباشرة بالالتزامات المناخية الكبرى، أثار حجم الوفد وتكاليفه تساؤلات واسعة حول مبررات المشاركة، وآليات إدارة الأموال ، والانعكاسات الاقتصادية على بلد منهك ومنهوب من دول العدوان التي هي من تدفع مرتزقتها إلى مثل هذه المشاركات فما هو السبب؟؟
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
حقائق بالأرقام لا يمكن تجاهلها
بحسب مراقبون فإن التكلفة المالية التي صرفت لتغطية تكاليف مشاركة من 140 مشاركاً في مؤتمر المناخ ، فإن أول ما يلفت الأنظار إلى أن تكلفة المشاركة بلغت 2000 دولار قيمة التذكرة للفرد الواحد، و 2000 دولار تكلفة الإقامة للفرد الواحد، أي بتكلفة إنفاق إجمالية تقدر 378 ألف دولار ، وعند تحويل المبلغ إلى العملة المحلية وفق سعر الصرف في المناطق المحتلة الخاضعة لحكومة المرتزقة، يصل المبلغ إلى نحو 607 ملايين ريال، ومن منظور اقتصادي، يعادل هذا المبلغ، رواتب أكثر من 10,000 أسرة فقيرة لشهر واحد، وكذا تشغيل محطات كهرباء محلية لفترات معتبرة، أو تمويل مشاريع مياه عاجلة لمدن تعاني من الجفاف والانقطاع.
هذه المقارنة تضع تكلفة وفد حكومة الفنادق في سياق أزمة الخدمات الحادة التي تعيشها المحافظات المحتلة، وتطرح سؤالًا مركزيًا، هل كان هذا الإنفاق يحقق عائدًا يتناسب مع أثره المحتمل؟
بلد بلا انبعاثات ومع ذلك وفد بهذا الحجم الضخم
المفارقة المدهشة التي تُظهرها البيانات البيئية اليمنية هي أن اليمن، بكل مناطقه، لا يملك أي تأثير يُذكر على المناخ العالمي، لا مصانع كبرى، ولا منشآت طاقة ضخمة منتجة للانبعاثات، وانبعاثات الكربون تكاد تكون صفرية مقارنة بالمعايير الدولية.
إذا السؤال الذي يفرض نفسه، ما الحاجة لوفد بهذا التضخم العددي والتكلفة الباهظة؟
بحسب مراقبون محليون، لم تكن المشاركة مبنية على احتياج مناخي بقدر ما كانت رحلة سفر واسعة النطاق بتمويل دول العدوان وعلى رأسها السعودية والامارات التي تهدف إلى فرض واقع الهيمنة على القرار وتعزيز النفوذ والذي لن يتأتى بالاستقرار الداخلي .
أين كان يمكن أن تذهب هذه الأموال؟
تكلفة الوفد كانت كفيلة بتمويل مشاريع خدمية حساسة والتي كان يمكن أن تنفَّذ بالمبلغ نفسه، منها مشاريع المياه والتي كان بالإمكان حفر وتجهيز آبار وتشغيل منظومات ضخ بالطاقة الشمسية لمدن تعاني من العطش، وكذلك كان يمكن إعادة تشغيل محطات متوقفة، ورفع ساعات الإضاءة في أحياء تظلم لأسابيع متواصلة، ’’607 ملايين ريال’’ كانت ستغيّر حياة آلاف الأسر التي تعيش دون راتب أو دخل يأمن معيشتها.
وبلغة بسيطة، فإن ما صُرف على وفد مؤتمر المناخ كان كفيلًا بانتشال عشرات الآلاف من ظروفهم القاسية.
دعم إقليمي وتمويل عبثي يثير التساؤلات
تكشف تقارير سياسية محلية وملفات تحليلية أن هذا الإنفاق يأتي ضمن منظومة الدعم الموجه الذي تقدّمه السعودية والإمارات للحكومة التابعة لها ، لاستخدامه في توسيع شبكة الولاءات عبر منح المناصب والامتيازات والسفر في وفود خارجية،
وبحسب محللون فإن ازدياد الرحلات والمؤتمرات الممولة ارتبط مباشرة بفترات ارتفاع الدعم المالي الخارجي، من دون أن يُترجم ذلك إلى خدمات داخل اليمن أو تحسنٍ في حياة السكان.
النتيجة التي تظهر بوضوح هي أن موارد ضخمة تُهدر خارج البلاد بينما يعيش الداخل انهيارًا اقتصاديًا غير مسبوق، بشكل متعمد يدير فصوله دول العدوان نفسها لتوجيهها نحو أنشطة شكلية بدلاً عن الخدمات الرئيسية
كما تذهب تحليلات سياسية إلى أنّ هذا النوع من المشاركات الخارجية الضخمة لا يهدف فقط إلى التمثيل في المحافل الدولية، بل يُستخدم كأداة سياسية من قبل السعودية والإمارات لإدارة المشهد في المناطق الخاضعة لنفوذها، بهدف تغييب القيادات التابعة لها عن متابعة ما يجري داخل المحافظات المحتلة، وإبعادهم عن أي نقاش أو مراقبة لإجراءات تخطيطية تُتخذ على الأرض، وتعزيز السيطرة على المحافظات المحتلة وتعزيز نفوذها,
المواطن هو الخاسر الأكبر
ما بين كهرباء منقطعة، ومياه شحيحة، ورواتب غائبة، وأسعار تتصاعد بلا توقف، يجد اليمني نفسه في مواجهة واقع لا يشبه أي جانب من مظاهر الإنفاق التي تكشفها الوثائق.
فبينما تُصرف مئات الآلاف من الدولارات على وفود ومؤتمرات، يبقى المواطن بلا خدمات أساسية، بلا أمان اقتصادي، وبلا أفق تحسين قريب.
وبينما تُستخدم مثل هذه المشاركات في إعادة ترتيب النفوذ داخل المناطق المحتلة أكثر مما تُستخدم لخدمة قضايا المناخ.
في النهاية، يعكس هذا الحدث نموذجًا صارخًا لطريقة إدارة الموارد والقرار السياسي في المحافظات المحتلة، ويكشف كيف يمكن لحدث واحد أن يفضح اختلالات أعمق بكثير، واقعة تحت تأثير وتوجيه سعودي إماراتي لتبقى المعاناة ويبقى نفوذها متغلغلاً وفق اعتبارات إحكام السيطرة.