التحريض الأمريكي ضد الإعلام اليمني.. من الإستهداف التقني إلى الإستهداف العسكري (تفاصيل ومعلومات هامة للغاية)
يمانيون|تقرير|إسحاق المساوى
مساء العاشر من سبتمبر الفائت قتلت غارات إسرائيلية 31 صحفيًا يمنيًا باستهداف مباشر لمبنى صحيفة 26 سبتمبر في حي التحرير بقلب العاصمة صنعاء، كان ذلك تتويجًا لمسار طويل من التحريض الأمريكي الممنهج ضد الإعلام اليمني حتى بات استهدافه عسكريًا أمر مشروعًا.
وسائل إعلام أمريكية، ومراكز أبحاث ودراسات ممولة حكوميًا، ومسؤولون حكوميون في أعلى الهرم، تكاملت أدوارهم لشرعنة استهداف الإعلام اليمني أفرادًا، ومؤسسات باعتبارها خطرًا يهدد أمريكا، والدول الحليفة “ذات التفكير المماثل” وفق تعبير مندوبة أمريكا بمجلس الأمن، وعلى الرغم من تعدد وتعقيد مراحل استهداف الإعلام اليمني، إلا أنه يمكن اختصارها بمرحلتين (الاستهداف التقني- الاستهداف العسكري)، فكيف تكاملت أدوار المنظومة الأمريكية في كلا المرحلتين، وما هي مخرجات كل مرحلة؟
مرحلة الاستهداف التقني
انتظم التحريض الأمريكي على استهداف الإعلام اليمني انطلاقًا من العام 2020م، وتصاعد التحريض مع بروز الموقف اليمني المساند لغزة عقب الـ 7 من أكتوبر ،2023 لكنه بلغ ذروته في العام 2024. أما عن طبيعة الأدوار التكاملية فقد قام الإعلام الأمريكي عبر نيويورك تايمز، والواشنطن بوست، بدور تشويهي للإعلام اليمني، وتنبيهي لدوائر القرار الأمريكي من “خطورته”، فيما مراكز الدراسات والأبحاث الأمريكية الممولة حكوميًا كمؤسسة راند، معهد واشنطن، معهد بيكر، اضطلعت بدور توفير (الغطاء الأكاديمي) لتقديم استهداف الإعلام اليمني كـ “استنتاج علمي” لا كنزعة إجرامية، أما المؤسسات الحكومية الرسمية فقد قامت بدور توفير الغطاء القانوني، والسياسي، لاستهداف الإعلام اليمني.
قالت صحيفة نيويورك تايمز أواخر يناير 2024 إن “دعاية الحوثيين تتجه للعالمية بعد صقلها باليمن”. فيما جريدة الواشنطن بوست قرعت أجراس الخطر مطلع أكتوبر 2024 من وصول حساب ناطق القوات المسلحة العميد يحيى سريع لأكثر من مليون متابع على X، ومن كثافة الإنتاج الفني كالزوامل ونحوها “التي وصلت إلى الملايين في جميع أنحاء العالم”، وقالت: “لقد أقنعوا الكثير من الناس بأن ما يفعلونه مفيد. إنهم يرون أنفسهم وكأنهم يمتطون قمة الشعبية”. اللافت أن الجريدتين تخوفتا جدًا من قدرة رسالة اليمن على التأثير بالجمهور الأمريكي، واستيعاب خصائصه اللغوية، وتبايناته السياسية، والاجتماعية، ما يعني من وجهة نظر أمنية، اختراقًا خطيرًا للأمن القومي الأمريكي.
شكل استهداف حاملة الطائرات الأمريكية آيزنهاور أواخر مايو 2024 في البحر الأحمر إهانة لرمزية الهيمنة الأمريكية المطلقة على البحار، وكان ذلك الاستهداف من قبل القوات المسلحة اليمنية عقدة مراكز الدراسات، والأبحاث، لتقديم توصيات إسعافية لسمعة البحرية الأمريكية، التي أُهينت عسكريًا وإعلاميًا.
في الثاني من أغسطس 2024 خلصت الباحثة في مؤسسة راند أليكس ستارك إلى القول “ما دام الحوثيون يعتقدون أنهم يربحون حرب المعلومات، فمن المرجح أن يستمروا في هجماتهم”. الجدير ذكره أن خشية واشنطن حينها، ليس من مجرد استهداف آيزنهاور، بقدر الخشية من تشجيع قوى عالمية تعادي أمريكا على تكرار الاستهداف استلهامًا من التجربة اليمنية، وبالتالي يكتشف العالم أن أمريكا كيان هش لولا تضخيمه دعائيًا.
أواخر أغسطس 2024م معهد واشنطن –”الذي أسهم في اتخاذ أمريكا قرارات مستنيرة بشأن الشرق الأوسط حد قول الرئيس الأسبق بيل كلينتون”- عبر عن خشيته البالغة من قدرة “الحوثيين على استخدام منافذ إعلامية تشمل قنوات التواصل الاجتماعي الفعالة الخاصة بهم، للادعاء بموافقتهم على عملية سحب سونيون بدافع من المخاوف الإنسانية، والبيئية”. هذه المخاوف كان من شأنها أن تقضي على مكاسب التحريض الأمريكي على “الحوثيين ودعاية الحوثيين” وبالتالي إفشال مساعيه لتبرير استهدافهما. لذلك أوصى المعهد: “إذا حاولوا بالفعل تحويل حادثة سونيون إلى انتصار إنساني، فيجب على الولايات المتحدة، وشركائها، الرد بحملات إعلامية متعددة الوسائط، تُظهر كيف أن الحوثيين كانوا يعرّضون شعبهم، والمنطقة الأوسع نطاقاً في البحر الأحمر، للخطر”.
أيضًا أواخر أغسطس 2024 كان معهد بيكر للسياسات العامة – سُمي تيمنًا بوزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، وهو منصة لقادة بارزين مثل كولن باول ومادلين أولبرايت- يواجه معضلة تحييد الرأي العام العالمي الداعم لحظر الملاحة الإسرائيلية إن قررت أمريكا استهداف الحوثيين الذين ” بات يُشار إليهم بشكل متزايد كقادة شرعيين لليمن”. ربط “بيكر” أسباب الدعم العالمي باستخدام “الحوثين الذكي والناجح لمجموعة من الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تم تداولها على نطاق واسع في العالم العربي وخارجه”.
ما يعني أن القضاء على “الحوثي” يتطلب أولًا حظر رسائله الإعلامية تقنيًا، لتجاوز معضلة الرأي العام العالمي الداعم، وهذا من شأنه أن يمهد -ثانيًا- لاستهداف منشآته الإعلامية عسكريًا. ذلك ما حدث بالفعل لاحقًا، غير أنه لم يكن ليحدث لولا الغطاء السياسي والقانوني من أعلى الجهات الحكومية الأمريكية، كما سيأتي تفصيله.
في 11 أكتوبر 2024 تناول تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي النشاط الإعلامي “للحوثيين في اليمن” إذ يلاحظ التقرير أن “الحوثيين” استخدموا وسائل الإعلام بشكل فعال، لتعزيز دعمهم المحلي، والإقليمي. على إثر ذلك أوصت لجنة الخبراء بنقطتين أساسيتين، الأولى: إدانة استخدام الحوثيين لمنصات التواصل الاجتماعي في انتهاكات نظام الجزاءات المفروضة. الثانية: دعوة كيانات وسائل التواصل الاجتماعي ذات الصلة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لضمان عدم استخدام منصاتها من قبل أي فرد، أو كيان ينتهك قانون الجزاءات.
كانت هذه التوصيات غطاء قانونيًا زائفًا لتغييب رسالة اليمن تقنيًا عن فضاء إعلامي تحكمه “الميزة التنافسية”، وقد شهدنا بعدها مذبحة أمريكية طالت آلاف الحسابات اليمنية لمسؤولين، ونشطاء يمنيين من منصات التواصل الاجتماعي، أبرزها حساب “يحيى سريع”، في مقابل تقييد ظهور السردية اليمنية على وسائل الإعلام العربية، والعالمية، وتشويهها استنادًا إلى تحريض الدعاية الأمريكية بمختلف أدواتها، واستجابة لتوصيات قرار مجلس الأمن. كان ذلك التغييب بمثابة التوطئة لما سيأتي لاحقًا.
مرحلة الاستهداف العسكري
في 11 ديسمبر 2024 بدا خطاب التحريض الأمريكي الحكومي -على نحو غير مسبوق- واضحًا بطرح خيارات عسكرية تستهدف الإعلام اليمني. هذه المرة على لسان المندوبة الدائمة لأمريكا في الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن اليمن. قالت ليندا “إن الدعاية الماكرة التي ينشرها الحوثيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هي حملة تضليل ممنهجة تهدف إلى إيهام الآخرين بنجاحات تكتيكية، وإضعاف عزيمة شركائنا الإقليميين والدول ذات التوجه المشابه”، وأضافت “لا يمكن أن نسمح بحدوث ذلك، ولن يحدث، سواء من خلال هذا المجلس، أو عبر شراكات مثل عمليات Aspides وProsperity Guardian”. في إشارة إلى عمليتين عسكريتين تصدرتهما أمريكا بذريعة “حماية الملاحة في البحر الأحمر”.
اللافت في خطاب ليندا اتهام الإعلام اليمني بمصطلحات مقصودة كـ “الدعاية الماكرة”، “إضعاف عزيمة الشركاء”، لتجريده من أي صفات قانونية إنسانية تحميه بموجب القانون الدولي من أي استهداف عسكري، ونحن لا نتحدث عن تصريح لمؤسسة، أو خبير إعلامي، بل عن تصريح من أعلى مستوى ديبلوماسي أمريكي، في أعلى مؤسسة عالمية تدير حروب ومصائر الأمم والشعوب. هذه الاستجابة الحكومية الأمريكية من أعلى مؤسسة دبلوماسية أمريكية، مهدت لمرحلة الاستهداف العسكري للإعلام اليمني، وقد شجع قرار ترامب بتصنيف أنصار الله منظمة إرهابية أجنبية في فبراير 2025 على تدشين مرحلة الاستهداف العسكري للإعلام اليمني، كما حدث لصحيفة 26 سبتمبر في 10 سبتمبر الفائت بغارات إسرائيلية مباشرة.