الدلالات العميقة في قراءة الشهيد القائد لآيات التقوى والاعتصام والنجاة

الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، العلم الذي يمثل امتداداً لإعلام الهدى من آل بيت رسول الله صلوات الله عليه وآله، والصوت الذي خرج من عمق القرآن، وإشعاعاً روحياً أعاد للكتاب العزيز قدسيته في حياة الناس، لم يُقدِّم قراءاته الدلالية للآيات القرآنية ،كمفسّر بين المفسرين، بل قدّمها كمن عاش مع الآيات حتى تحوّلت في روحه إلى نور، وفي وعيه إلى بصيرة، وفي خطابه إلى نهضة، وعندما تناول المعاني الدلالية في آيات من سورة آل عمران،  كانت ملامح هذه الروح القرآنية تتجلى في كل كلمة، في كل يقين، وفي كل نَفَس، لقد قرأ هذه الآيات  قراءة دلالية أعاد لها حياتها وأعاد بها حياةً لمن أنصتوا إليه،

قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِـمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ } (104) 

يمانيون / تحليل / أعده للنشر ، طارق الحمامي

 

 آيات تُقرأ بروح من تجلّى له معناها

ليست القراءة الدلالية عند الشهيد القائد مجرد شرح لمعنى لغوي أو سياق تفسيري، بل انكشافٌ لمعنى حيّ، كان يقف أمام الآية كما يقف الإنسان أمام باب يُفتح له على عالم آخر، عالم يرى فيه الحركة الإلهية في التاريخ، ومسؤولية الأمة، وخطر التفرق، وجلال الاعتصام بحبل الله.

حين قرأ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، لم يكن يرى فيها تقوى الخائف الساكن، بل تقوى من أيقن بالله حتى امتلأ قلبه قوة وعزماً، تقوى ترفع الإنسان إلى مقام الشهود لا مقام الانكسار.

وحين تلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً}، كان يرى فيها إعلاناً إلهياً لبناء أمة لا يفرّقها شيء، ولا تهزّها الفتن، ولا تضعفها التحديات، كان يرى أن الاعتصام ليس اجتماعاً شكلياً، بل اتحاداً روحياً يجعل الأمة كالجسد الواحد.

 

 لغة التحذير في قراءته الدلالية تحوّلت إلى بوصلة

حين وقف عند قوله تعالى: {وَلَا تَفَرَّقُوا}، لم يعد الخطاب مجرد ذكرى، بل جرس إنذار يدوّي في الوعي، فهو يصرّ على أن التفرق ليس مجرد حالة اجتماعية، بل مرض يفتك بالأمة من داخلها، يقودها إلى الضعف، ثم إلى الاستسلام، ثم إلى فقدان هويتها.

وفي تحذيره من التفرق، كان يقرأ المستقبل بعين من يرى مواقع الضعف التي يمكن أن تنفذ منها الهزيمة إلى الأمة.

 

المفلحون مقامٌ عظيم لا يناله إلا من نهض بروح الأمة

من أقوى ما ميّز قراءة الشهيد القائد الدلالية للآيات هو تفسيره لكلمة المفلحين في الآية الكريمة، بتلك الروح العالية التي رآها فيها، فهو لا يراها مجرد بشارة، بل مقاماً إلهياً لا يبلغه إلا من حمل هم الأمة، ونهض بواجبها، ووقف في صف الحق بلا وهن.

فهو يقول إن المفلحين هم، أبناء العمل الصادق، وأهل المواقف الكبيرة، وصُنّاع الكرامة للأمة، الذين يضيئون وجوههم في الدنيا قبل الآخرة.

وبهذا فُهم الفلاح في معناه الدلالي كأنه وسامٌ رباني لا يناله الضعفاء ولا المتخاذلون.

 

 التثبيط .. الخطر الذي يجعل الأمة تفقد روحها

في مقاربته للتحذير القرآني من المرجفين والمثبّطين، فإن الشهيد القائد يتحدث بلغة ممتلئة بالألم والحزم في آن واحد.
فهو يرى أن الكلمات التي تُرهب الناس، أو تزرع فيهم الخوف، أو تدعوهم للابتعاد عن مسؤوليتهم، هي أخطر بكثير من ظنّ العامة، ويشدد على أن المثبط قد يبدو ناصحاً، لكنه في الحقيقة يسلب الأمة أعظم ما تملكه، وهي إرادة النهوض، والقرآن حين توعدهم، فهو يتوعد الحالة التي تهدم الأمم من داخلها.

 

وجوه تشرق .. وأخرى يسودّها الخذلان

في وقوفه أمام الآيات التي تصف يوم القيامة، كان الشهيد القائد ينقل مستمعيه إلى عالم آخر، كان يرسم ببيان قوي صورة، للوجوه التي أشرق نورها لأنها وقفت مواقف العزة والكرامة، وللوجوه التي اسودّت لأنها خذلت الحق في اللحظة التي احتاجها فيها، و هذا التصوير يُلهب الوجدان، لأنه يجعل الإنسان يقف أمام نفسه ليحدد موقعه، أفي صف المواقف المشرّفة؟ أم في صف التردد والخذلان؟

 

 الثقة المطلقة بالله سلاح الأمة التاريخي

الآيات القرآنية الكريمة عند الشهيد القائد ليست أوامر مجردة، بل اشراقة تطمئن القلب، فهو يؤكد باستمرار أن الله لا يأمر بشيء إلا وقد أراد أن يُعين عليه، وأنه مالك السماوات والأرض، وأنه يهيئ الظروف، ويخلق المتغيرات، ويفتح الطرق حين تُغلق.

هذه الفكرة مركزية في رؤيته، وأن الأمة التي تسير على هدى الله لا يمكن أن تُترك وحدها.

لقد أعاد الشهيد القائد للقلوب الإحساس بأن القرآن كتاب حيّ، كتاب مسؤولية، كتاب حركة، كتاب يصنع الإنسان والأمة.

يحيي فيهم الشعور بالكرامة، ورفض القعود، والإيمان بأن للأمة دوراً، وأن لله وعداً لا يتخلف.

 

ختاماً 

بهذه القراءة الدلالية العظيمة، قدّم الشهيد القائد رضوان الله عليه في وعي الأمة، نموذجاً فريداً للموجه الذي لا يكتفي بالمعنى، بل يغوص في الروح، ويستخرج من الآيات عزيمة تبعث الحياة، وقوة تُعيد للأمة ثقتها، ووعياً يحميها من التفرق والضعف والخذلان.

مثلما رأى في آيات من سورة آل عمران دعوة لأن تنهض الأمة، لا أن تبقى جالسة على ركام خوفها، ورأى فيها وعداً من الله لمن اعتصموا بحبله جميعاً، وتوكلوا عليه، وسلكوا الطريق الذي لا يُخلف الله أهله.

بهذه الروح العظيمة بقيت كلماته  في الوجدان، مصباحاً يضيء الطريق، وحضوراً لا يموت، وصوتاً يوقظ العزة في القلوب.

 

مقتطف من ملزمة سورة آل عمران ’’الدرس الثالث’’ للشهيد القائد رضوان الله عليه :

{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}(البقرة: من الآية252) {تِلْكَ} إشارة إلى هذه الآيات، وكلمة {آيَاتُ} تعني أعلام من الهدى، أعلام من البينات، أعلام إلى الحقائق. {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} حق لا ريب فيه، حق لا شك فيه، حق لا يتخلف. {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران:108) كل هذه التأكيدات من عند الله سبحانه وتعالى بشكل رهيب، بشكل يخلق في نفس الإنسان شعوراً بالحياء وبالخجل أمام الله سبحانه وتعالى، تكشف عن رحمته العظيمة بعباده، إنه يرشدنا لأنه لا يريد لنا أن نُظلم. ثم عندما يرشدنا أن نسير على هذا الطريق، إلى هذه الطريقة، عندما يهدينا إلى هذا النّهج هو يقول لنا: بأنه سيكون معنا أنه سيقف معنا، وعندما يحصل لدينا إيمان بأنه سيقف معنا فلنعلم من هو الذي سيقف معنا، هو من له ما في السماوات وما في الأرض وإليه ترجع الأمور. هو من يمكن أن يهيئ، هو من يمكن أن يخلق المتغيرات، هو من يمكن أن يهيئ الظروف، هو من يمكن أن يُعَبِّدَ الطريق، هو من يهيئ في واقع الحياة المتغيرات التي تجعلكم قادرين على أن تصبحوا – وأنتم تسيرون في هذه الطريق – أن تصبحوا أمة قادرة على مواجهة أعدائكم، على ضرب أعدائكم، على قهرهم؛ ولهذا جاء بعدها {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (آل عمران:109) أي ثقوا بأني عندما أهديكم إلى أن تسيروا على هذا الطريق أني بيدي ما في السماوات وما في الأرض، أستطيع أن أجعل من يؤيدكم من خلقي، ألم يجعل الله الملائكة تؤيد المسلمين في بداية تحركهم مع الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ؟.{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح: من الآية7) هو الذي كل من في السماوات والأرض خاضع له يستطيع أن يهيئ يستطيع أن يفتح الفرج، أن يفتح الثغرات في ذلك الجدار الذي تراه أمامك جداراً أصماً، تراه جداراً من الصلب، هو من يستطيع أن يفتح في هذا الجدار أمامك فترى كيف يمكن أن يضرب هذا الجدار، كيف يمكن أن يدمر ذلك الجدار، الذي ترى نفسك مهزوماً أمامه، ترى نفسك ضعيفاً أمامه، تراه من المستحيل أن تتجاوزه، من المستحيل أن تعلوه، من المستحيل أن تهدمه، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}. نحن قلنا أكثر من مرة أن بإمكان الإنسان – إذا تأمل في واقع الحياة – أن يرى ما يهيئه الله أمام عباده، إنه يهيئ الكثير من الفرص ؛لتعلم وتـثق بأنه ليس هناك من يمكنه أن يغلق الأجواء أمامك كاملة، ليس هناك من يمكنه أن يحيطك بسور من الحديد فيقفل عليك و يحاصرك في موقعك، فترى كل شيء مستحيلاً أمامك، إن الله يهيئ، إن الله يسخر، إن الله يخلق المتغيرات، فالأمور بيده له ما في السماوات وما في الأرض. أليس هذا مما يعزز الثقة في نفوس من يسيرون على هديه؟. وإنه لا يعطي تلك التهيئة ولا يهيئ ذلك إلا لمن هم جديرون بها. ولمن تكون تلك التهيئة، وتلك الإنفراجات تلك الفرص حجة عليهم إذا ما قصروا وفرطوا وتوانوا في استغلالها والتحرك لاستغلالها. {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (آل عمران:109) صدق الله العظيم. ،، إنتهى كلامه رضوان الله عليه .

You might also like