«جسر شهارة».. أعجوبة معمارية بين الجبال قاتل مع قبائل اليمن الغزو العثماني الأول
«جسر شهارة».. أعجوبة معمارية بين الجبال أسند قبائل اليمن في مواجهة الغزو العثماني الأول
يمانيون/محسن علي
يُعد جسر شهارة أحد أبرز المعالم التاريخية والمعمارية في الجمهورية اليمنية الضاربة جذور هويتها في عمق التاريخ، كما أنه رمزاً للإبداع الهندسي التقليدي وتحفة معمارية فريدة في شبه الجزيرة العربية.
المكان الجغرافي
يقع هذا الجسر القوسي الحجري في مديرية شهارة التاريخية بمحافظة عمران شمال محافظة صنعاء على ارتفاع حوالي 2600 متر فوق مستوى سطح البحر، ويربط بين قمتي جبلين شاهقين هما جبل شهارة الفيش وجبل شهارة الأمير.
لا يقتصر دوره على كونه معبراً حيوياً، بل يمثل تحفة فنية تتحدى الطبيعة والتضاريس الوعرة التي يخشاها الغزاة لليمن على مر التاريخ، مما جعله مقصداً للسياح ومحط اهتمام الباحثين وقبلة زيارات موسمية وترفيهية لأبناء الأسر اليمنية.
التاريخ والسياق الزمني للبناء
تتباين الروايات التاريخية حول تاريخ بناء جسر شهارة، إلا أن الرأي الأكثر شيوعاً وتفصيلاً يرجح بناءه في مطلع القرن العشرين، بينما تشير روايات أخرى إلى تاريخ أقدم يربطه بالصراع ضد الغزو العثماني.
الرواية السائدة (1905 – 1908م)
تشير المصادر الموثقة إلى أن بناء الجسر بدأ في عام 1905م (الموافق 1323 هـ) واكتمل في عام 1908م، وذلك في عهد الإمام يحيى حميد الدين-رحمه الله-.
وقد استغرق بناؤه حوالي ثلاث سنوات، وبلغت تكلفته التقديرية آنذاك نحو مائة ألف ريال ذهب (ريال فرانصي)، وهو مبلغ ضخم في حينه.
قصة المهندس المعماري
يُنسب الفضل في تصميم وبناء الجسر إلى المهندس المعماري اليمني الماهر الأسطى (صالح عبد الله السودي)، الذي قام بإنجاز هذا العمل الفذ دون استخدام أي من وسائل البناء الحديثة بينما تذكر بعض الروايات الشعبية شبه المؤكدة أن الأسطى صالح أصيب بالجنون بعد الانتهاء من البناء، لعدم استيعاب عقله أنه أتم إنجازاً شبه مستحيل في تلك الظروف.
الرواية الأقدم (القرن السابع عشر)
تذهب روايات أخرى إلى أن الجسر بُني في وقت أبكر، وتحديداً في القرن السابع عشر (حوالي 1620م)، بأمر من الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد أو أحد خلفائه، وكان الهدف الأساسي منه هو تعزيز التحصينات الدفاعية للمنطقة وتسهيل حركة المقاتلين والإمدادات لمقاومة الغزو العثماني الأول لليمن.
التصميم المعماري والهندسة الإنشائية
يُعد جسر شهارة مثالاً مبهراً على الهندسة المعمارية الجبلية، حيث يجمع بين المتانة والجمال في بيئة طبيعية قاسية تحيط به جبال وعرة.
الأبعاد والمواصفات
يقع على هوة سحيقة، ويتميز بحجارة بنيت على شكل جسر قوسي معلق بين جبلين من الحجر الجيري المستخرجة من الجبال المحيطة، ويربط بين ضفتي جبل شهارة الفيش بجبل شهارة الأمير، بطول يمتد 20 مترا وبعرض 3 أمتار، وعلى ارتفاع من عمق الأخدود بأكثر من 300 متر، ما يسمح بمرور الافراد والحيوانات.
تقنية البناء
بُني الجسر بالكامل من الحجر الجيري المحلي، وتم ربط الأحجار ببعضها باستخدام مادة رابطة تقليدية يُعتقد أنها أقوى من الإسمنت، وتُستخرج من مواد طبيعية محلية.
وقد أقيم الجسر على أخدود شديد الانحدار، مما تطلب براعة فائقة في تثبيت الأساسات وبناء العقود الحجرية التي تحمل الجسر، دون الاستعانة بأي آلات أو معدات حديثة.
الأهمية الاستراتيجية والثقافية
كان للجسر دور محوري في حياة سكان المنطقة، حيث غيّر بشكل جذري من طبيعة التنقل والتعايش بين الجبلين.
الأهمية الحياتية
قبل بناء الجسر، كان الأهالي يضطرون للنزول إلى قاع الأخدود ثم الصعود إلى الجبل المقابل، وهي رحلة تستنزف الوقت والجهد وتستحيل معها نقل الماشية والبضائع جاء الجسر ليختصر هذه الرحلة الشاقة ويسهل سبل الحياة والتعايش بين أهالي الجبلين.
الأهمية الدفاعية
سواء بُني في القرن السابع عشر أو في مطلع القرن العشرين، فقد خدم الجسر كجزء من النظام الدفاعي لمدينة شهارة، التي كانت مركزاً حصيناً، فوجود الجسر كان يسهل حركة المدافعين، بينما كان يمكن تدميره بسهولة لقطع الطريق على أي غازٍ محتمل.
الأهمية السياحية
يُعد الجسر معلماً سياحياً عالمياً، حيث يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم لمشاهدة هذه الأعجوبة الهندسية التي تتحدى الجاذبية.
الحالة الراهنة والتصنيف الدولي
على الرغم من مرور أكثر من قرن على بنائه، لا يزال جسر شهارة متيناً ويستخدم حتى اليوم، مما يشهد على جودة بنائه وما بين المتانة والاستخدام ظل صامدا في خدمة أبناء المنطقة رغم عوامل التعرية والزمن حتى اليوم.
التهديدات
كغيره من العالم التاريخية والأثرية التي تعرضت للتدمير بعشرات الغارات الجوية لمحاولة طمس اثار اليمن في مختلف المحافظات،وعلى مدى ١٠ سنوات تأثرت المنطقة المحيطة بالجسر بالعدوان الامريكي الصهيوني السعودي الاماراتي على اليمن، مما أثر سلباً على حركة السياحة التي كانت تساهم في تمويل صيانته، ولا تزال هذه المعالم في دائرة استهداف العدوان واذنابه.
التصنيف
تم إدراج مدينة شهارة وجسرها ضمن القائمة التمهيدية لمواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو (UNESCO Tentative List) تحت اسم “مدينة شهارة وجسرها” (Shaharah City and its Bridge)، مما يؤكد قيمته العالمية الاستثنائية والحاجة إلى حمايته وصيانته.
الجبال تقاتل مع أصحابها
يمثل جسر شهارة أيقونة معمارية يمنية، تجسد براعة الأجداد في التغلب على التحديات الجغرافية بأدوات بسيطة وإرادة قوية، وشاهد على تاريخ المنطقة وأهميتها الاستراتيجية، ورمز للتراث الإنساني الذي يستحق الحماية والتقدير كما أنه يجسد المثل القائل«الجبال تقاتل مع أصحابها».
