ارتباك صهيوأمريكي
يمانيون/ / وديع العبسي
قال العالم ما قال، وعرّى حالة الشلل التي يعاني منها الكيان الصهيوني ومن ورائه أمريكا، تجاه هذا التصاعد العملياتي المتقن لأداء القوات المسلحة اليمنية.
في البداية تعاملت أمريكا – ومعها الغرب – مع وصول السلاح اليمني لضرب أم الرشراش على أنه أعلى مستويات الخطر الذي يمكن أن تمثله اليمن على الكيان بشكل مباشر، فتحركوا في اتجاه امتصاص تأثير الضربات، لكنهم مع ذلك عجزوا وبدأ الكيان يكتوي بالتداعيات الاقتصادية جراء الضربات، فضلا عن تداعيات الحصار البحري.
ثم جاءت زيارة الطائرة اليمنية «يافا» إلى مركز كيان الاحتلال الإداري “تل أبيب”، بمثابة الصاعقة التي لم تتمكن أجهزة الرصد المتطورة حتى بإنذارهم بقدومها، وظهر سلاح الدفاع الجوي الصهيوني مشلولا عن الحفاظ على مقولة السماء النظيفة، ومثّل مجرد هذا الوصول للسلاح اليمني إلى صحن العدو، تأكيداً على أنه حتى الحسابات بات عليها أيضا أن تواكب التطورات في مختلف المجالات، إذ ركن العدو إلى حساباته التقليدية التي تستضعف وتستصغر عادةّ القدرات العربية عموما، ليس فقط على مستوى ضربِه بل وحتى على مجرد التفكير بضربه.
في السابق – ولأن أمريكا كانت هي من تضع تفاصيل مجريات الأمور في الدول بتدخلها في كل شيء ورسمها لمسارات ويوميات هذه الدول – كان من الطبيعي أن تُجيد التوقع وحساب قدرات تحرك أي بلد، وبالتالي تضع له الردع المناسب، هذا الأمر لا يبدو متاحا اليوم مع اتساع رقعة دول الرفض للتدخل الأمريكي، ومثّل اليمن النموذج الصادم الذي لم تنته مفاجآته للعالم في المعركة القائمة اليوم مع قوى الشر، كما مثلت مراحل تصعيد الجيش اليمني للمواجهة – بدءٌا بمنع وصول السفن إلى الكيان ووصولا إلى ضرب رأس العدو في تل أبيب في المرحلة الخامسة – دليلا على أن أمريكا لم يعد بمقدورها التوقع وحساب القدرات كما كانت من قبل.
ولا شك أن شكل التصعيد اليمني سيزيد من حركة أمريكا والكيان الصهيوني في سباقهما مع الزمن، قبل أن تُجهز القوات المسلحة اليمنية على ما بقي لهما من أمل في استمرار سيطرتهما المطلقة على رقاب الشعوب ومقدراتها، وقبل أن تُجهز على ما بقي من سمعتهما التي أرهبوا بها العالم طيلة عقود، إنما يبدو أن الغضب أعمى بصائرهم فما عاد بمقدور أمريكا وضع خطة لأهداف استراتيجية وهي التي عجزت عن ردع القوات اليمنية طيلة عشرة أعوام من العدوان والحصار، فذهبت مع الكيان إلى ذات الحسابات الساذجة في تعيين الأهداف التي يمكن قصفها، ولم يجدا إلا اللجوء المعتاد إلى ضرب القانون الدولي الذي يعني كل العالم، وقصف العدو أعياناً مدنية في الحديدة، وهو تحرك كشف عن حالة يأس وإحباط، خصوصا وأنه لن يكون له أي تأثير يُذكر للحد من الضربات اليمنية الباسلة.
كان الأولى بهما – على أقل تقدير – ضمان القدرة على الدفاع عن النفس ورد «يافا» اليمنية عن بلوغ هدفها بكل أريحية، ولا يمكن في هذه الحالة القول إن الهجوم على الحديدة كان حالة دفاعية بقدر ما هو تعبير وتنفيس عن غضب عارم أسفر عن طيش وارتكاب حماقة حقيقية سيكون لها حتما الرد المؤلم.
فشل العدوان الصهيوني المدعوم أمريكيا، على الحديدة في تحقيق أي هدف، وما المكابرة إلا حفاظا على ماء الوجه، وقد ترجمت هذا الفشل معطيات ما بعد القصف، فأكد اليمنيون بقوة على مبدأ الانتصار للفلسطينيين، ومواصلة مسار المرحلة الخامسة من التصعيد التي بدأت في تل أبيب، فيما تراجعت السعودية عن قرارات استهداف البنوك، والى كل ذلك، تعيش المؤسسة الأمنية الصهيونية الآن – بشقيها الإسرائيلي والأمريكي – أقصى درجات الاستنفار، في انتظار الضربة اليمنية القادمة، واستعدت الملاجئ لاستقبال الفارين للنجاة بحياتهم، فيما فقد المستوطنون الشعور بالأمان، فمجرد قصف ما يسمونها عاصمتهم قد أزال كل ما كانوا يتصورونه خطوطا حمراء لن يكون لأي كان تجاوزها.