Herelllllan
herelllllan2

شهادة الطَّفْ.. حسنية أولا وحسينية ثانيا.. فمن هو الإمام الحسن بن علي؟!

الكثير من الأنبياء والأعلام ظلمهم أعداؤهم , إلا الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فقد ظلم من أعدائه واوليائه على حد سواء, فمنهم من قام ليواجهه بالاعتراضات والاهانات والصريحة حينما اضطر إلى الصلح, فكانت شهادة “الطف” حسنية أولا وحسينية ثانيا, لأن الحسن أنضج نتائجها ومهد أسبابها, فكان للحسن منها دور الصابر الحكيم, وللحسين دور الثائر الكريم للتألف من الدورين خطة كاملة ذات غرض واحد.

وهنا نتعرف اليوم على شخصية الإمام المظلوم الحسن بن علي سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة’ تزامنا مع ذكرى مناسبة عاشوراء” مصيبة آل بيت رسول الله الكبرى والفاجعة غير المسبوقة في التاريخ.

يمانيون| أعد المادة للنشر: محسن علي الجمال

 

مولده

ولد الإمام الحسن عليه السلام في المدينة المنورة 15 رمضان سنة 3 من الهجرة  بعد واقعة أحد, وجاء رسول الله بعد مولده وأشرف على أداب الولادة  فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى, ولفه في خرفة بيضاء وحكنه بريقه, وعوذه.

في اليوم السابع من ولادته سماه رسول الله بهذا الإسم, وعق عنه بكبش أملح , وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر (فضة) وطلى رأسه بالطيب, وكناه والده النبي بـ ” أبا محمد”

 

ملامحه الشخصية

كان أبيض اللون, حسن الوجه, فصيح اللسان, وأشبه الناس برسول الله وجها

 

تربيته ونشأته

تربى مع أخيه الحسين صلوات الله عليهما عند جدهما رسول الله محمد صلى الله عليه وآله , وحظيا من التربية واكتسبا من المهارات والصفات بما لم يحظ به طفلان في هذه الدنيا كون المربي لهما هو الرسول الأكرم من جهة, وأباهما علي وأمهما فاطمة الزهراء عليهم سلام الله من جهة أخرى, وكذلك في بيت جبريل عليه السلام, إضافة إلى حرص رسول الله على تربيتهما التربية الرياضية , وتعليم نطق الكلمات المؤثرة , والصلوات والدعاء, والتزكية, وبالحوار والاختبار, وبالرحمة والمحبة, وبالوصايا والحكم,

 

مناقبه وفضائله

هناك من الفضائل والمناقب ما تعم الخمسة أصحاب الكساء وأهل البيت جميعا, ويدخل فيها الحسن عليه السلام ومنها ما تشمله وأخاه الحسين فقط, ومنها ما تخصه وحده نورد البعض منها:

-من أعظمها أن الله جعلهما ابنين للرسول نفسه وقد دلت آية المباهلة (فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم )على بنوتهما له,, وكذلك آية المودة ( قل لا أسالكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)

-عن الإمام علي عليه السلام أن النبي أخذ بيد الحسن والحسين فقال (من أحبني وأحب هذين, وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة)

-تكرار وصف الرسول لهما بكونهما (الريحانة – هما ريحانتي من الدنيا وهما سيدا شباب أهل الجنة)

-قول الرسول لهما ( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما)

– قول رسول الله في الإمام الحسن ( إن ابني هذا سيد, ومن أحبني فليحب هذا في حجري)

لما جاءت الزهراء بالحسن ثم بالحسين إلى رسول الله وطلبت منه أن ينحلهما فقال عن الحسن ( نحلته المهابة والحياء, ونحلت حسينا الشجاعة والجود).

 

اخلاقه وصفاته:

كان الحسن في صغره لا يمر على شيء إلا حفظه وكان يحضر مجلس جده فيحفظ الوحي فينطلق إلى أمه فيلقيه عليها.

كان صاحب حكمة وسداد وذكاء ودهاء ومنها: تصيده لمكائد معاوية وفضحه إياها في مواطن عديدة

معرفته العظيمة بالله وثقته العالية به, حج 25 مرة, إذا كان لا يأوي إلى فراشه بالليل حتى يؤتى بلوح فيه سورة الكهف فيقرأها, وكان كثير البكاء خوفا وخشية من الله تعالى, وحياؤه وتذلله بين يدي الله ,

كما اشتهر بالصبر والحلم والعبادة, والجود والسخاء, والتواضع مع البسطاء والفقراء, والفصاحة والبلاغة,

 

الحسن والرزية ثم الفاجعة الكبرى

عاش الحسن مع جده 9 سنوات, توسعت فيها مداركه ونمت ملكاته, وعاش لحظات الانتصارات التي حدثت في عهد جده, وسرعان ما عبس الزمن في وجه , بعد أن أخبر الرسول أنه سيفد على الله تعالى, ووصيته للأمة بالتمسك (بالقرآن والعترة) ويعزز في لحظاته الأخيرة القبول بولاية أمير المؤمنين علي, كي لا تظل أمته عن الطريق, غير أن الصحابة الذين كانو بجانبه على فراش المرض رفضوا توجيهات رسول الله لهم بالالتحاق بمعسكر أسامة بن زيد , فكانت الرزية في ذلك الخميس المظلم.

 

الحسن في عهد المشايخ الثلاثة

الانحرافة الأولى:

انهالت الفتن على المسلمين كقطع الليل المظلم , ووقعت الرزية الأولى (يوم السقيفة) فترك القوم جثمان نبيهم , وتهالكوا على الإمرة والسلطان, وصممو على صرف الولاية عن أهل بيت النبوة, وكان لذلك الانحراف المبكر عن خط الرسالة مضاعفات سيئة وسبب لانحرافات أخرى, كمنع حق الزهراء في فدك, ومنع أهل البيت خمسهم, وقوبل هذا باستنكار أهل البيت وأولهم الإمام علي والزهراء, وكذلك فعل الحسن عليه السلام على صغر سنه, فقد روت المصادر أنه انطلق إلى مسجد جده, فرأى أبا بكر على منبر المسجد يخطب الناس فقال له”(انزل عن منبر أبي) فأجابه أبو بكر : صدقت والله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي ).

 

نكبة امه الصديقة وموتها

رأى سلام الله عليه ما عانته أمه من حرمانها فدك والعوالي, وهي كذلك تثور في وجه السلطة الجديدة, فتخطب فيهم موبخة لهم بعظيم ما ارتكبوه من مخالفات اعتبرتها ضلالات خطيرة وشرورا مستطيرة, بالإضافة إلى أنها كانت تدور في بيوت الأنصار تحثهم على استعادة ولاية من ولاه الله, وهي أيضا تكابد الحزن الكبير والأسى العميق نتيجة ما حل بأمة أبيها من أخطاء واختلافات, وكذلك عضبها على الخليفة الأول حتى غادرت الحياة, حتى صار قلبة موطنا للهموم والأحزان وهو في دوره الباكر.

 

إقصاء وتهميش دور والده الإمام علي

غيب دور الإمام علي عليه السلام في عهد المشايخ الثلاثة, فغيب القرآن والحق معا’,إلا بقدر ضيئل مما كان فيه مصلحة للإسلام وحفظ لبيضة الدين وإزهاق للباطل,  ومع الدور الذي كان يقوم به أهل البيت وأولهم الإمام علي إلا أن ظروف السلطة الجديدة وقراراتها وثقافة رجالها وانتماءاتهم كانت تفرض العزلة على أهل البيت, حيث كانت تتبع استراتيجية التهميش , إلا أنها لم تستطع إلغاءهم تماما من الواقع, وكانت تبتغي من سياسة الاعتراف بمكانتهم والإحسان إليهم , الترويج لشرعيتها وإرضاء العامة من الناس.

 

المشاركة السياسية الأولى

حينما طعن عمر بن الخطاب ورتب قضية الشورى بأن الخلافة تصب في اتجاه عثمان, حضر عليه السلام وكانت اول مشاركة سياسية فعلية له, وكان شاهدا على هذه المؤامرة, وفي عهد عثمان كان له دور كبير في مواجه الفساد المالي والإداري , ودعم كبير في تأييد حركة الإصلاح والنصح من خلال موقفه الداعم لتحرك أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مع أبيه وقومه, ما ترتب على ذلك قيام عثمان بن عفان بالتنكيل بأبي ذر ونفيه أخيرا إلى الربدة ليقضي نحبه فيها مظلوما.

 

الحسن في عهد والده

استقبل جمهورالمسلمين خلافة الإمام علي أمير المؤمنين بمزيد من السرور, واتساع الأمل والرخاء , فقد بدأ صلوات الله عليه منذ اليوم الأول في خلافته بتطبيق العدالة الإسلامية ’ وساوى بين المسلمين في العطاء, وقضى على جميع الفوارق والامتيازات التي أوجدها عثمان بن عفان على مسرح الحياة الإسلامية, وقام أيضا بمصادرة الأموال المنهوبة التي منحها عثمان لأقاربه وأسرته , وقد أثارت هذه المبادئ والأهداف سخط النفعيين والمنحرفين, وما هي إلا أيام قلائل فإذا بالنفعيين يظهرون بوادر البغي والشقاق ويعلنون التمر والعصيان, وأثيرت قصة (قميص عثمان) فكانت واقعة الجمل .

 

قتاله للناكثين في(معركة الجمل)

في معركة الجمل تبين عبقرية الحسن الإعلامية في , تبيين قضية مقتل عثمان, وحول الدفاع عن الإمام علي بشأن مقتل عثمان إلى الهجوم بأن طلحة والزبير هما اللذان شركا في دمه, وأنهما خانا بيعتهما للإمام علي وانقلبا على أنفسهما, وفي توجيه الحرب إلى راكبة الجمل وأتباعها, وليس إلى أهل البصرة, وكذلك في إطفاء جذوة الروح العصبية البصرية التي حاول إشعالهم ابن الزبير وتحويل الصراع إلى صراع مناطقي بين الكوفة والبصرة, وحينها هزم الجمل, وظهر الإمام الحسن في تلك المعركة بطلا وقائد محنكا استطاع ان يحفز الجماهير ويجهزهم لقتال القوى الباغية على أبيه, سيما بعد أن أوعز له والده الإمام علي بإلقاء خطبة لمعشر المهاجرين والأنصار, ردا على خطبة عبدالله بن الزبير لأهل البصرة , خاصة وأنه كان من أشد المحرضين على الفتنة وإراقة الدماء بين أهل البصرة والكوفة, وضد أمير المؤمنين علي.

 

قتال القاسطين (معركة صفين)

لما عزم الإمام علي على مناجزة معاوية المتمرد بالشام, كان للإمام الحسن دورا كبيرا في التعبئة والتحشيد, وكان يقود الحرب الإعلامية والنفسية, ولما حمي وطيس معركة صفين بادر الحسن ليحمل على صفوف اهل الشام ويتوغل في أوساطهم مقاتلا بضراوة وحماس, فلما بصر به أبيه ذهل وأريع فقال لمن حوله:( أملكوا عني هذا الغلام , لا يهدني , فإنني أنفس بهذين على الموت- يعني الحسن والحسين – لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله), ولما استشهد عمار بن ياسر , وقف الإمام الحسين يتلو على المسلمين ما سمعه من جده النبي في فضله والإشادة بمنزلته وهو يقول (إن جدي رسول الله قال لعمار ..ستقتلك الفئة الباغية) ثم موقفه العظيم بعد مهزلة التحكيم.

 

الامام علي شهيدا

بعد خدعة التحكيم توالت المحن والآلام على الإمام علي وحكومته بسب تفرق أتباعه, وكثرة شغبهم وعدم تسليمهم له,واستغل معاوية الوضع , وفي تلك الأثناء ما لبث شقي هذه الأمة أن كاد أداة لمؤامرة كبيرة استهدفت الإمام علي عليه السلام في محراب عبادته في ليالي القدر قبيل صلاة الفجر, في ليلة التاسع من شهر رمضان سنة 40هـ  بسيف ابن ملجم المرادي’ وتم القبض عليه , فضربه الإمام بسيفه وقتله,

 

خلافته وبيعته

بويع له يوم الإثنين 22 رمضان سنة 40 هـ

 

 إشتعال الحرب الباردة وجهاده للقاسطين

بعد استشهاد الإمام علي بادر أهل الشام إلى بيعة معاوية’ وأهل العراق لبيعة الإمام الحسن, وبدأ الإمام الحسين بإجراءات تفيد اعتزامه على الجهاد, ومنها اقتصاصه من ابن ملجم “لعنه الله” , وزيادة المقاتلة في ديوان الجيش مائة مائة من الدراهم, وأمره بقتل شخصين في البصرة والكوفة كان يتجسسان لصالح معاوية عليه, فاشتعلت فتيل الحرب الديبلوماسية التي عادة ما تبدأ بحرب الرسائل والوعيد والتهديد, ودس الجواسيس ومعرفة مكامن الضعف وجمع المعلومات, فسخن معاوية لهجة رسائله للإمام متوعدا له ومهددا له بالقتل, فكان الإمام الحسن يتحرك في الخطة التي كان قد وضعها أبوه من قبل, رغم كثرة الإشكالات والثغرات التي كانت تحيط بجيش العراق أنذاك, ومع ذلك فقد شكل لجنة حشد وتعبئة من أول يوم في خلافته وجعل على رأسها معقل بن قيس الرياحي’ وشريح بن هانئ الحارثي’ وعبدالرحمن بن أبي ليلى, أما معاوية فقد كان يتمتع بحالة استقرار سياسي وإداري وعسكري واجتماعي, ولديه بنية كاملة للقتال والحرب, وموازنات مالية ضخمة وجهاز أمني وإعلامي عالي الجهوزية.

 

تشكيل الجيش وعقد الألوية

سار الإمام الحسن بن علي في عسكر عظيم وعدة حسنة’ حتى وصل خارج الكوفة, حتى اجتمع بالناس ثم أعلن تشكيل قيادة جيشه, وعقد على طلائعه عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب’ على أن لا يمضي أمرا, إلا باستشارة وموافقة نائبيه اليمنيين  وهما قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري, وسعيد بن قيس الهمداني, لكن ابن عباس لم يتهم بتطبيق هذه المنهجية وفرط فيها فكان عرضة لخداع وإغراءات وتهويل معاوية,

ولقد كانت من طلائع جيش الإمام كتائب تتضمن أفضل المجاهدين ف العراق وكان فيهم من يسمون بشرطة (الخميس) وهم نخبة مميزة, غير أن بقية الجيش سيما الذين كانوا لا يزالون في الكوفة والتحقوا بالإمام ومضو معه إلى الميادين لم يكونوا على هذا النحو من الإخلاص والحماس والغيرة على دين الله, بل كان من ضمنهم الخوارج, وأصحاب المطامع, وعدد من أتباع رؤوساء وأشراف قبائل الكوفة, بالإضافة إلى شخصيات من الحزب الأموي الذين كانوا يتربصون بالإمام الحسن والمخلصين معه, وكانوا يتواصلون سرا بمعاوية, وعبرهم كان يخترق جيش الإمام الحسن رضوان الله عليه.

 

استثمار معاوية في البيئة العراقية 

غادر معاوية منبج (شرق حلب) واكتسح الموصل, ثم واصل زحفه جنوبا حتى وصل إلى الاخيونية, ونزل عبيدالله بن العباس وجيشه بإزائه فيها, فتقاتل مع معاوية, وكان الإمام الحسن يشق طريقه حتى وصل المدائن, وبينما كان هناك نادى مناد في عسكره “ألا أن قيس بن سعد قد قتل” فشد الناس على حجرة الحسن فنهبوها حتى انتبهت السلطة وأخذوا رداءه من ظهره,  وعلى هذا النحو بدأ معاوية في اللعب بعقول العراقيين, فشتت قوة جيش الحسن, مقارنة بما حشده معاوية الذي كان يبلغ جيشه عشرة أضعاف جيش الإمام الحسن.

 

وسائل معاوية الجديدة لحسم المعركة

أدرك معاوية أنه لم يستطيع حسم المعركة عسكريا , ولهذا لجأ إلى أسلوبه المفضل وهو الاستثمار في البيئة العراقية والشاكة التي كانت تخيم على أهل العراق فاستعمل عدد من أساليب الخداع والمخاتلة والغدر والخيانة وشراء الذمم وبث الأراجيف والأكاذيب وضرب معنويات كثير من المنتسبين للجيش العراقي, والتي كانت نتيجة تقصيرهم في تفهم هدى الله وعدم التسليم لأعلام الهدى , فأغرق معسكر وأصحاب الحسن بالإشاعات والتشكيك وبث الجواسيس التي كان هدفها الأول ضرب اللحمة الداخلية, في الوقت الذي لم يكن يوجد في جيش العراق أمن وقائي قوي أو ماكنة إعلامية مقاومة بمستوى التحدي الكبير, وبسبب هذا نخر جيش الحسن من الداخل قبل أن يواجهه معاوية عسكريا, فكانت خيانة قائد الجيش عبيد الله بن العباس قاصمة ظهر البعير بعد انخداعه في حبائل وأساليب معاوية المختلفة.

 

نظرة إلى جيش أهل العراق مع الإمام الحسن

الجيش الذي مع الإمام الحسن هو نفسه الذي كان مع والده, وهو الذي كان قد ملأ قلب أبيه قيحا’ إذ أن ضعف معنويات الجيش العراقي وضعف وعي أتباع حكومة الإمام علي لم يكن وليدة اللحظة, بل يرجع إلى المدة السابقة, حينما تعرضت الأمة لاختراق ثقافي وسياسي مبكر, وسادت في أوساطها مفاهيم وثقافات خاطئة أثرت على وعي الناس, منذ ما بعد رحيل رسول الله عنهم, وأيضا نتيجة البعد عن مصادر الهداية وأعلام الهدى.

 

محاولة اغتيال الإمام نفسه

كلما سبق جر الأوباش على محاولة اغتيال الإمام الحسن , والتي تأتي في سياق تنفيذ ما هدد به معاوية سابقا بقتل الإمام , والعمل على إزهاق روحه, سيما وأن معاوية قد راسله كثير من أشرافهم ووجوههم البارزين , أعربوا فيها عن استعدادهم للفتك بالحسن متى طلب منهم, أو تسليمهم إياه سرا أو جهرا, لكي يوصلوه بالإمام إلى نقطة اللا عودة, وحينها بدأت علامات تلك الخيانات بما ظهر في المدائن من انحطاط في النفوس وخسة الطباع, حينما بدأ بعضهم بنهب بعضهم الآخر, والاعتداء على أمتعة الإمام وأجهزته ونهبها, ثم تطور موقف الملتحقين بالجيش من الخوارج بتكفير الإمام , وقد انبراء احدهم يدعى “الجراح بن سنان الأسدي” في مظلم “ساباط” وأرد قتله في محاولة اغتيال فاشلة, قائلا له” الله أكبر يا حسن, لقد أشركت كما أشرك أبوك من قبل” وحينها جرح الإمام ونقل إلى المدائن محمولا ومتأثرا بجراحاته التي أصيب بها , ونزف منها بشكل شديد, واشتدت به العلة, وبسبب ذلك تفرق الناس عنه  ومرض على إثر ذلك شهرين, فاستغل معاوية الفرصة مجددا وكان يزحف على العراق ويفرض واقعا جديدا.

 

رسالته لأهل العراق

لما جرح عليه السلام قال لأهل العراق( قتلتم أبي بالأمس, ووثبتم علي اليوم تريدون قتلي, زهدا في العادلين ورغبة في القاسطين, والله لتعلمن نبأه بعد حين).

ومنها ( يا أهل العراق اتقوا الله فينا, فإنا أمراؤكم وضيفانكم وأهل البيت اللذين سمى الله في كتابه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا).

لما رأى الإمام الحسن أن لا حول له ولا قوة, وأن أصحابه قد تفرقوا عنه, صالح معاوية وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال (أيها الناس, إن الله هداكم بأولنا, وحقن دماءكم بآخرنا, وقد سالمت معاوية, وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين).

 

الخيار الأفضل والمتاح

يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في الدرس الأول من ملزمة في ظلال دعاء مكارم الأخلاق ص11 ” تحرك الإمام الحسن ليواصل المسيرة’ مسيرة والده الإمام علي, فآل الحال إلى أن يقف مقهورا ويأخذ ما يمكن من الشروط لتأمين مجتمع اهل العراق , عندما تخاذل أصحابه” ومن هنا يتبين أن خيار الموادعة المؤقتة والمشروطة كان هو الخيار المتاح والأفضل بجميع المقاييس والمعايير, وقد استطاع الإمام بعقد الهدنة التي أبرمها مع معاوية أن يحفظ للشيعة المخلصين حقهم في الحياة, وقد ركزت جميع بنودها على سحب جميع الذرائع من معاوية والأمويين وإسقاط كل أطروحاتهم, وسلب معاوية كلما يدعيه لنفسه من مقامات, كما بينت أن الإمام الحق إنما هادنه في دائرة محدودة جدا, ولكنه سلب عنه كل شرعية فيها.

 

ما بعد الصلح

نقض معاوية كل شروط الصلح ولم ينفذ للحسن أي شرط منها, إذ كان كل همه أن يحصل على الشرعية التي طالما افتقدها وحلم بها , وقد واتته الفرصة والظرف المناسب الذي حاول أن يقايضها بكل تلك المصفوفة من الإلتزامات, ولم يكتف بذلك حتى بدأ بالنيل من الإمام علي عليه السلام بمحضر الحسن والحسين, فقام الحسن ليرد عليه, ولما دخل معاوية الكوفة خطب فيها وأظهر فلسفته وطريقة تعامله مع المعاهدات والشروط بانه غير معني بها, بل وبين أن قتاله ليس إلا لأجل التأمر عليهم وعلى رقابهم,  وأبى إلا أن يظهر نفسه على حقيقته عاريا عن كل فضيلة  ومجردا عن كل منقبة.

 

أهل البيت يعودون إلى المدينة المنورة

عاد الإمامين الحسن والحسين إلى مدينة جدهما رسول الله وعاش, الإمام الحسن بعد هذه التسوية تسع سنين وستة أشهر إلى ان استشهد سلام الله عليه تعالى, بينما كانت خلافته 6 أشهر فقط.

 

استشهاده

6 ربيع الأول سنة 50 هـ وعمره 47 عاما, بعد أن قرر معاوية عليه اللعنة التخلص منه بطريقة السم عن طريق زوجة الإمام “جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي” واستعدت لتنفيذ هذه المهمة القذرة والأثيمة مقابل ما وعدها معاوية بأن يزوجها ابنه يزيد, وإعطائها مائة ألف درهم.

 

المصدر:

تم الاقتباس من بحث أدكايمي للدكتور حمود الأهنومي, قدم لطلاب جامعة القرآن الكريم والعلوم الأكاديمية بعنوان” فاطمة وابناها الحسن والحسين عليهما السلام.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com