أزمة غير مسبوقة في البحرية الأمريكية.. حوادث متكررة وتراجع الثقة بالقدرات
يمانيون – تقرير تحليلي
تواجه البحرية الأمريكية في الآونة الأخيرة موجة غير مسبوقة من الانتقادات والتشكيك في كفاءتها، على خلفية سلسلة من الحوادث المتكررة التي طالت قدراتها البحرية والجوية على حد سواء، وأبرزها حادثة تحطم طائرة S-A-18 Super Hornet قبالة سواحل فرجينيا مؤخرًا.
هذا الحادث رفع حصيلة خسائر هذا الطراز من المقاتلات إلى ست طائرات خلال عشرة أشهر فقط، بينها ثلاث سقطت في البحر الأحمر أثناء المواجهة مع اليمن، ما يثير تساؤلات جدية حول كفاءة هذه المقاتلات ومدى ملاءمتها للمهام الموكلة إليها، خاصة وأن ثمن الواحدة يصل إلى نحو 67 مليون دولار.
ورغم أن التحقيقات لم تكشف بعد أسباب سقوط آخر طائرة، إلا أن تكرار الحوادث يشير بوضوح إلى ضغوط تشغيلية متزايدة تعانيها البحرية الأمريكية، وإلى أوجه قصور لافتة في قدرتها على التكيف مع طبيعة التحديات الجديدة.
إخفاقات في مشاريع الأسلحة غير المأهولة
تزامن ذلك مع انتكاسات أخرى مثيرة للجدل داخل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، خصوصًا فيما يتعلق بمشاريع الزوارق والطائرات المسيرة. فقد كشفت وكالة رويترز أن البحرية الأمريكية واجهت إخفاقات في تجارب تشغيل الزوارق المسيرة، ناجمة عن مزيج من الأعطال البرمجية والأخطاء البشرية، ما أجبر البنتاجون على تعليق عقود بملايين الدولارات، وإعادة النظر في هيكلة وحدات تطوير الأنظمة غير المأهولة.
وكانت الوزارة قد أطلقت العام الماضي برنامجًا ضخمًا بقيمة مليار دولار لتسريع تطوير آلاف المسيرات الجوية والبحرية.. غير أن النتائج العملية جاءت مخيبة للآمال، بعدما أثبتت التجارب الميدانية أن هذه المشاريع لا تزال تواجه تحديات تقنية وتشغيلية معقدة، الأمر الذي يعرقل مساعي واشنطن لامتلاك أسطول متكامل من الأنظمة الذكية القادرة على مواجهة خصوم يعتمدون على المرونة والابتكار منخفض الكلفة.
البحر الأحمر.. ساحة اختبار قاسية
معركة البحر الأحمر تحولت إلى ساحة اختبار واقعية لكفاءة البحرية الأمريكية. فقد أثبتت المواجهة أن خصمها – المتمثل في القوات اليمنية – استطاع عبر تكتيكات مبتكرة واستخدام أسلحة مسيرة متطورة ومنخفضة التكلفة، أن يحقق تأثيرات استراتيجية غير متوقعة، بدءًا من إسقاط مقاتلات متقدمة، مرورًا بإرباك حاملات الطائرات، ووصولًا إلى تهديد الأساطيل الأمريكية نفسها.
هذه الحقائق دفعت محللين عسكريين إلى القول إن الولايات المتحدة تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ استراتيجي غير مسبوق، يتمثل في حماية أساطيلها في بيئات بحرية معقدة، حيث لم تعد قوة السلاح وحدها كافية، بل باتت الحاجة ملحّة إلى مرونة تكتيكية وقدرة على التكيف مع أساليب حروب غير تقليدية أثبتت فاعليتها.
قراءة في دلالات الإخفاقات
- تراجع الهيبة العسكرية: الخسائر المتكررة في البحر الأحمر وسقوط مقاتلات باهظة الثمن شكلت ضربة معنوية للبحرية الأمريكية التي طالما اعتُبرت العمود الفقري لهيمنتها العالمية.
- هشاشة البرامج المستقبلية: تعليق عقود تطوير المسيرات البحرية وظهور مشاكل تقنية يعكس هشاشة في الرؤية الأمريكية لبناء أسطول مستقبلي يعتمد على الأنظمة غير المأهولة.
- تحول موازين الردع: استخدام الخصم لأسلحة منخفضة الكلفة لكنه عالية الفاعلية أحدث خللًا في ميزان القوة، وأثبت أن الاستثمار بمليارات الدولارات لا يعني بالضرورة ضمان التفوق.
- ضغوط استراتيجية على واشنطن: فشل الحلول السريعة يضع الإدارة الأمريكية أمام مأزق سياسي وعسكري يتمثل في كيفية حماية أساطيلها وحلفائها، دون الانجرار إلى تصعيد قد يفاقم الفشل.
خلاصة
تكشف هذه التطورات أن البحرية الأمريكية لم تعد تواجه فقط تحديات تقنية أو تشغيلية، بل تقف أمام مأزق استراتيجي مركب: خصم مبتكر يعتمد على وسائل غير تقليدية وفعّالة، وبرامج تسليحية أمريكية متعثرة، وحوادث متكررة تنال من ثقة الرأي العام والخبراء العسكريين بقدراتها.
إن المعركة في البحر الأحمر لم تعد مجرد جبهة إقليمية محدودة، بل غدت مؤشرًا على تحولات عميقة في طبيعة الصراع العسكري، حيث أصبحت المسيرات والأسلحة الذكية البسيطة قادرة على تقويض هيمنة بحرية عظمى كأمريكا، وفرض معادلات جديدة على الأمن البحري العالمي.