Herelllllan
herelllllan2

خرائط التهجير وصفقة الأسرى.. العدو الصهيوني بين فشل الحرب وأوهام السياسة

يمانيون | تحليل
رغم أن الطاولات المفتوحة في الدوحة تُفترض أن تكون مخصصة للبحث عن مخرج سياسي وإنساني لحرب الإبادة الصهيونية في غزة، إلا أن ما يجري في الكواليس يؤكد أن كيان الاحتلال لا يبحث عن حل، بل يحاول فرض مشروع استسلام مشروط بإملاءات أمنية وجغرافية، تكون المقاومة فيها “مجرد ظل” لحكم تحت السيطرة.

بحسب مصادر مطلعة على تفاصيل المفاوضات، فإن مقترح “ويتكوف” أعاد خلط الأوراق عبر بند إعادة الانتشار العسكري، والذي تحوّل من نقطة تفاوضية إلى نقطة تفجير للمحادثات، بعد أن تبين أن ما يُسمى انسحابًا لا يعدو كونه إعادة تموضع لجيش العدو داخل القطاع تحت عناوين أمنية زائفة.

خرائط “الانسحاب”.. إعادة احتلال مغلّف
تفاصيل الخرائط التي اقترحها العدو الإسرائيلي كشفت بوضوح أن المقصود ليس الانسحاب بل إعادة احتلال مقنعة، إذ يطالب العدو ببقاء قواته في نحو ٤٠٪ من مساحة قطاع غزة، تشمل كامل منطقة رفح الجنوبية، ومساحات من شمال وشرق غزة، ومحيط كرم أبو سالم، إضافة إلى شريط عرضي قرب محور فيلادلفيا.

ما يعنيه هذا فعليًا هو:

  • عزل القطاع عن محيطه الخارجي ومنع أي سيادة فلسطينية على المعابر.
  • حشر مئات آلاف النازحين في منطقة صغيرة في غرب رفح.
  • التحضير لمرحلة تهجير قسري خارج غزة عبر الضغط الإنساني والتجويع.

ورغم أن “ويتكوف” قدم طرحًا مرنًا من حيث الشكل، عندما أرجأ الحسم النهائي بشأن خرائط الانتشار إلى توافق الطرفين، إلا أن الجانب الصهيوني استغل هذا الهامش لفرض خريطة تجريد غزة من عمقها، وجعل المقاومة محصورة بين الجدار الرملي والبحر.

 خدعة المساعدات والابتزاز الإنساني
ربط العدو خرائط الانتشار بإدخال المساعدات الإنسانية، في محاولة واضحة لابتزاز المقاومة تحت عنوان “التخفيف عن السكان”.. لكن هذا الربط في حقيقته سلاح ذو حدين، يستخدمه العدو لتغذية الرواية الدولية بأنه يقدم تنازلات “إنسانية”، بينما هو يمارس تجويعًا ممنهجًا ومركّبًا.

خطة الاحتلال هي أن تُستخدم المعونات الإنسانية كورقة مساومة لتمرير الشروط الأمنية، وأن تكون المجاعة سلاحًا يحاصر الإرادة السياسية للمقاومة، في الوقت الذي تستمر فيه المجازر واستهداف المدنيين في المناطق المكتظة.

وفي هذا السياق، تنقلب صورة المشهد، إذ لم تعد المفاوضات تدور حول وقف العدوان بل حول كيفية تقنينه وتثبيته كأمر واقع!

المقاومة ترفض خطط التهجير.. ومواقفها تجهض الصفقة
في المقابل، جاءت مواقف حماس والفصائل الفلسطينية حاسمة برفض هذه الخرائط جملةً وتفصيلًا، معتبرةً أنها تمهّد لـ:

  • تهجير قسري منظم.
  • تصفية أي إمكانية لعودة النازحين إلى شمال ووسط القطاع.
  • شرعنة وجود الاحتلال بعد المجازر، بحجة الأمن.

وتصف المقاومة هذه العروض بأنها استنساخ لنكبة ١٩٤٨م بشكل عصري، وتهدف إلى إفراغ غزة من شعبها، والإبقاء على حفنة من الموظفين أو “البلديات” التي تدير شؤون المخيمات، في حين تسيطر تل أبيب على كل مفاصل القطاع من الجو والبر والمعابر.

وتذهب المصادر إلى التأكيد أن حركة حماس لم ترفض التفاوض على صفقة الأسرى، لكنها رفضت أن تكون الصفقة مقابل اختفاء المقاومة من المشهد، وهو ما يريد العدو فرضه من خلال ما يسمى “صفقة نتنياهو الأخيرة”.

 “صفقة نتنياهو” الأخيرة.. الهروب من الفشل السياسي
العدو الصهيوني، وعلى لسان مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، قدم مؤخرًا مقترحًا تعسفيًا يقوم على استعادة الأسرى مقابل إنهاء دور حماس في الحكم والمقاومة، والقبول بواقع إداري تحت سيطرة عربية أو دولية في غزة.

لكن القراءة السياسية تكشف أن ما يريده نتنياهو ليس تسوية، بل التقاط صورة نصر مزيفة بعد فشل عسكري استمر أكثر من عام وتسعة أشهر، لم يُنتج فيها سوى المجازر والفشل في تحرير أي أسير، ناهيك عن تعرضه لضربات ميدانية ساحقة، كان آخرها كمين بيت حانون.

كما أن تكرار تصريحات نتنياهو بأنهم سيعودون للحرب بعد كل اتفاق، كما قال مؤخرًا:

“قالوا لنا بعد وقف إطلاق النار الأول لن تعودوا… وعدنا، وبعد الثاني والثالث عدنا… هل تريدون أن نتابع العد؟”،
يكشف بوضوح أن الاحتلال لا نية لديه للسلام أو الاستقرار، وأن كل حديث عن التهدئة مجرد تكتيك لإعادة التموضع.

فشل الحرب يطارد العدو.. والميدان يحسم التفاوض
منذ انطلاق “طوفان الأقصى”، لم يستطع الاحتلال تحقيق أي إنجاز عسكري حقيقي، بل تكبد خسائر مروعة في البشر والعتاد، وواجه مقاومة شرسة في شوارع الشجاعية وجباليا وبيت حانون، ما جعله ينكفئ نحو خيار سياسي مشوّه، يحاول فيه فرض خارطة جديدة بغطاء دولي.

لكن الواقع يقول إن الميدان هو الذي يفرض شروط التفاوض، وإن صمود غزة وشعبها، وديمومة الاشتباك، تجعل من كل خرائط الاحتلال مجرد أوهام لا تجد طريقها للتنفيذ.

ولعل ما يزيد من ارتباك العدو، هو إدراكه بأن المقاومة لم تخرج من الحرب ضعيفة، بل اكتسبت قدرات أكبر على التخفي والكر والفر والمناورة، ما يجعل فكرة السيطرة الإسرائيلية المستمرة وهمًا أمنيًا غير قابل للتطبيق.

 بين الخريطة والسلاح.. قرار غزة لا يُكتب في الدوحة وحدها
ما يدور اليوم في الدوحة ليس مجرد خلاف على الخرائط أو آلية إدخال المساعدات، بل صراع على هوية غزة ومستقبلها السياسي والجغرافي. العدو يريد غزة بلا مقاومة، وبلا معابر، وبلا سيادة، بينما غزة تقاتل لتكون عنوانًا للكرامة والصمود والقرار الفلسطيني الحر.

لقد بات واضحًا أن صفقة تستعيد الأسرى لكنها تُفقد غزة معابرها وكرامتها، ليست صفقة بل مؤامرة. وأن كل طرح لا يقوم على انسحاب كامل ورفع الحصار وضمان حق المقاومة، ليس سوى محاولة لتسويق الهزيمة الصهيونية في ثوب “نصر تفاوضي”.

وفي النهاية، فإن المقاومة لا تفاوض من موقع ضعف، بل من موقع مَن أفشل كل خطط الإبادة والتهجير، ومَن ما زال قادرًا على شل الاقتصاد الصهيوني بضربة بحرية، وجرّ الجنود إلى مقابر ترابية في بيت حانون ورفح.

القرار النهائي لا يُكتب على الورق، بل يُرسم في الميدان، وبوصلة الميدان تقول: لا انسحاب جزئي.. لا تهجير.. لا تفكيك للمقاومة. هذه ليست شروطًا، بل أسس لأي تفاهم إنساني حقيقي.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com