Herelllllan
herelllllan2

حضرموت تطفئ أنوار المولد النبوي .. سنوات من التغييب الممنهج

لطالما شكّلت محافظة حضرموت، الواقعة في شرق اليمن، نموذجًا فريدًا للتعايش الديني والثقافي، حيث تحتفي سنويًا بالمولد النبوي الشريف بمظاهر روحية واجتماعية عميقة الجذور، تجسد روح الإسلام المعتدل وروحانية التصوف الحضرمي العريق، لكن خلال السنوات الماضية، شهدت هذه المظاهر انحسارًا حادًا وكأنه اختفى، في ظل تصاعد التيارات الدينية المتشددة وبالأخص التيار الوهابي والسلفي، التي فرضت تغييرات جذرية على المشهد الديني والاجتماعي في حضرموت.

يمانيون/ تقرير / طارق الحمامي

 

يكتسب هذا التقرير أهميته من كونه يسلط الضوء على تحول ديني وثقافي يحمل في طياته أبعادًا سياسية عميقة، ويبرز معركة محتدمة بين إرث حضرموت التاريخي وهويتها الإسلامية الأصيلة، من جهة، وقوى إقليمية ودينية تسعى لطمس هذا الإرث وفرض أجنداتها، من جهة أخرى، فغياب الاحتفال بالمولد النبوي ليس فقط تغييبًا للمشاعر الدينية، بل هو رسالة أعمق عن تغيير في الهوية الدينية والحضارية لمنطقة كانت دائمًا منارة للتسامح والوسطية.

 

من الاحتفاء إلى الإلغاء .. 

كانت حضرموت واحدة من أكثر محافظات اليمن حفاوة بالمولد النبوي الشريف، حيث كانت تقام الاحتفالات في المدن الكبرى كالمكلا وتريم وسيئون، وتنتشر الموالد، والإنشاد، والمحاضرات الصوفية التي تعكس تاريخًا يمتد لقرون من التدين المعتدل والمتسامح.

لكن مع تصاعد نفوذ التيار السلفي والوهابي، وبدعم مباشر من دول التحالف السعودي والإماراتي التي تحكم قبضتها على مفاصل المحافظة سياسيًا وأمنيًا، بدأت مظاهر الاحتفال بالمولد تندثر تدريجيًا، حتى تكاد تختفي تمامًا في بعض المناطق.

 

تصاعد التشدد وتدمير المعالم التاريخية

إلى جانب إلغاء الاحتفالات، رافق هذا التحول تصاعد مظاهر التشدد الديني التي لم تقتصر على تغييرات في الطقوس، بل تعدتها إلى أعمال عنف ممنهجة ضد المعالم الدينية، من هدم قبب وأضرحة تاريخية في سيئون ووادي حضرموت إلى إغلاق الزوايا والمدارس الصوفية العريقة.

تأتي هذه العمليات برعاية وتأييد ضمني من السلطة المحلية العميلة للسعودية والامارات، مما أعطى الضوء الأخضر لعناصر تكفيرية تعمل على طمس الهوية الإسلامية المتنوعة في حضرموت تحت شعارات سطحية مثل ’’محو البدع’’، في حملة تهدف بالأساس إلى إعادة تشكيل هوية المنطقة وفق رؤية دينية وهابية وسلفية متشددة، استجابة لأجندات سياسية إقليمية.

 

أهداف سياسية واستراتيجية وراء التغييرات الدينية

لا يمكن فهم هذه التحولات بمعزل عن السياق الإقليمي والسياسي، حيث تستخدم السعودية والإمارات الدين أداةً لإعادة تشكيل الخارطة الدينية والاجتماعية في اليمن، وعلى رأسها حضرموت، بوصفها منطقة استراتيجية، الهدف من وراء ذلك هو تفكيك النسيج الثقافي والديني الحضري الذي شكل هوية حضرموت التاريخية، واستبداله بهوية جديدة تخدم مصالح هذه القوى.

وبحسب باحثين وخبراء، يمثل هذا المشروع محاولة ناعمة للهيمنة الثقافية والدينية، وليس مجرد اختلاف عقائدي، بل استعمارًا للوعي والذاكرة، يُطمس من خلاله إرث حضرموت العريق، تمهيداً لإحتلال مباشر يجعل ثرواتها وموقعها الاستراتيجي تحت سيطرة وتصرف السعودية والامارات

 

تداعيات اجتماعية وانقسامات مجتمعية

أسفرت هذه التحولات عن شرخ اجتماعي عميق داخل مجتمع حضرموت، إذ أدى الخطاب المتشدد إلى خلق انقسامات وتوترات بين مختلف الفئات، وزرع الخوف والشك في العلاقات التقليدية التي كانت قائمة على التسامح والاحترام المتبادل، كما تعرض ناشطون ومبادرات محلية تحاول إحياء المولد النبوي وغيره من المشاعر الدينية والتراثية لضغوط وتهديدات مستمرة، ما يعكس تصاعدًا في ثقافة القمع الديني والاجتماعي.

 

مقاومة صامتة وأمل في العودة

رغم كل ما سبق، لا تزال هناك بوادر مقاومة صامتة، وأصوات تنادي بإعادة الاعتبار للهوية الحضرمية الروحية، من خلال مبادرات محلية محدودة تحاول إحياء الاحتفالات الدينية وإعادة ترميم المعالم المهددة.

ويأمل أبناء حضرموت أن تتجدد إرادتهم في مواجهة محاولات التذويب الثقافي والديني، وأن تستعيد المحافظة مكانتها كمنارة وسطية في اليمن والعالم الإسلامي.

 

 حضرموت على مفترق طرق

إن تقريرنا هذا ليس مجرد رصد لحالة غياب الاحتفاء بالمولد النبوي، بل هو دعوة للتفكير العميق في مصير هوية حضرموت الروحية والثقافية وسط تحديات داخلية وخارجية معقدة،  فالمولد النبوي في حضرموت ليس طقسًا دينيًا فحسب، بل هو رمز للتاريخ والذاكرة والهوية، وغيابه يعني فقدان جزء من روح هذه الأرض.

في ظل استمرار الضغوط السياسية والدينية، يبقى السؤال مصيرياً، هل ستنجح حضرموت في استعادة أنوار المولد النبوي، أم أن مشاريع التغييب ستمضي قدمًا حتى تمحى ملامح حضارتها؟

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com