Herelllllan
herelllllan2

مسجد العيدروس.. مزار ديني وتاريخي في قلب عدن وشاهد على عمق ارتباط الحضور الثقافي بالهوية اليمنية

يمانيون| أعد المادة للنشر: محسن علي

يعد مسجد العيدروس أو مسجد أبو بكر العيدروس من أقدم المساجد التاريخية والإسلامية والرئيسية في مدينة عدن جنوبي اليمن ومن أبرز معالمها الدينية والتراثية, كما يشكل مزارا دينيا وتاريخيا للزوار والمهتمين بالتراث الإسلامي, وشاهدا على عمق الحضور الديني والثقافي المرتبطة بالهوية اليمنية في مدينة عدن عبر العصور.

موقع المسجد

يقع في شارع العيدروس بمنطقة كريتر التي تعد أحد أقدم أحياء المدينة وأكثرها شهرة , كما يحمل اسم الإمام أبو بكر بن عبد الله العيدروس، الذي أشرف على بنائه بعد وصوله من مدينة تريم بمحافظة حضرموت إلى مدينة عدن في القرن التاسع الهجري, حيث حظي بمكانة رمزية وأجواء روحانية انعكست حتى على الطوابع البريدية القديمة للمدينة.

 

الأهمية والتأسيس

تُنسب فكرة بناء المسجد إلى الإمام أبو بكر بن عبد الله العيدروس بن أبي بكر بن عبد الرحمن السقاف، الذي يتصل نسبه بالإمام الحسين بن علي بن أبي طالب’ عليهما السلام, الإمام الذي ورث لقب “العيدروس” عن والده السيد عبد الله بن أبي بكر, وعندما قدم من مدينة تريم بحضرموت إلى عدن حوالي عام 890هـ، واستقر فيها كان أول عمل يقوم به هو بناء المسجد وجعله مكاناً للتدريس ومناقشة العلم ومدارسته، وحل مشاكل المواطنين، كما كان يقوم بجمع التبرعات وشراء بها الملابس وذبح الأغنام وتوزيعها على الفقراء والمساكين. واشتهر بعلمه الواسع بين الناس، فأصبح له الكثير من التلاميذ والمريدين، وذاع صيته ليس في عدن وحسب وإنما خارجها أيضاً.

 

مراحل البناء والتجديد المتعاقبة
بُني المسجد في عام 890 هـ/ 1485 م، وكان المبنى في بداية الأمر عبارة عن مسجد صغير بُني على الطراز المعماري الإسلامي القديم, وفي ظل مكانة الإمام العيدروس الكبيرة في أوساط أبناء المدينة, توالت عليه أعمال التجديد والإصلاح على مر العصور.

التجديد الأول: جاء التجديد الأول خلال الاحتلال العثماني في عام 976 هـ/1568 م شهد المسجد أول عملية ترميم كبيرة بعد ما يزيد عن ستين عامًا على رحيل الإمام العيدروس.

أما التجديد الثاني (الحالي): البنية الحالية للجامع فيعود تاريخه وذلك وفقاً لما ورد في نص التأسيس على لوح خشبي موجود بالمدخل الرئيسي المؤدي للقبة والمسجد إلى عام 1274 هـ/1895 م حيث أُضيفت العديد من العناصر الجمالية والزخرفية.

وفي عام 1430 هـ/2009 م خضع المسجد لأعمال ترميم وصيانة شاملة تضمنت تجهيزات حديثة وكبيرة احتوت على أعمال الزينة الحديثة , وذلك عبر تركيب النجف الضخمة والسجاد الفاخر وغيرها من أعمال التجديد التي أضيفت في عصرنا الحالي مما ساعد في الحفاظ على ملامحه التاريخية والمعمارية الفريدة.

 

مظاهر العمارة والزخرفة

يُبرز مسجد العيدروس نمطًا معماريًا فريدًا ضمن أحد مساجد اليمن الشامخة ذات الأروقة كثيرة الأعمدة دون وجود صحن أوسط (فناء) ، والتي انتشرت في بعض مساجد اليمن، ومنها مسجد الأشاعر بزبيد، ومسجد المدرسة الشمسية بذمار. وتمتاز الزخارف التي تزين مسجد وقبة العيدروس بتنوعها من حيث الأساليب التطبيقية، فإلى جانب استخدام طريقة فريسكو التي نفذت بالألوان الأحمر والأزرق والأصفر في تزيين قبة المدخل البارز وقبة العيدروس من الداخل، يلاحظ روعة زخارف الأخشاب التي استخدمت في الأبواب والنوافذ والتوابيت الخشبية التي بداخل القبة أو في الدهليز الذي يحيط بها من الشرق والشمال والغرب، وقد نفذت هذه الزخارف الكتابية والنباتية والهندسية على الأخشاب بالحفر والتخريم، ويقال إن هذه الأخشاب نقلت خصيصاً من الهند إلى عدن لاستخدامها في مسجد وقبة العيدروس.

 

المدخل الرئيسي

عبارة عن مدخل بارز مغطى بقبة، ويُصعد إليها عن طريق درجات سُلَّم، ويزين القبة التي تعلو المدخل زخارف ومنمنمات نباتية وهندسية مرسومة باللون المائي على طبقة من الجص الجيري بطريقة فريسكو، ويواجه المدخل عقد مفصص أخّاذ يشبه تلك العقود المنتشرة في جوامع المغرب العربي.

 

القبة

أما قبة المسجد فهي قبة كبيرة تغطي حجرة مربعة تحتوي بداخلها على توابيت خشبية هي قبور وأضرحة للإمام العيدروس وأفراد من أسرته وبعض أقربائه، ويزين القبة عُقد مدبب يحيد بها، كما أن القبة من الداخل بها زخارف ونقوش بالألوان المائية قوامها أغصان وأوراق نباتية وزهور، منها زهرة القرنفل، وهي من الزهور الشائعة في الزخرفة العثمانية، وتوجد أربع نوافذ لغرض تحسين الإضاءة والتهوية، ويوجد أيضاً أربعة أبواب خشبية موزعة على جدران الغرفة الأربعة مزينة بزخارف ونقوش محفورة عليها.

 

المنارة

يوجد للمسجد منارة عالية ملاصقة للجدار الشمالي للقبة في الركن الشرقي، مبنية من حجر الجبس الأسود وتتكون من بدن مثمن الشكل والأضلاع به ثلاث دورات خشبية تنتهي في الأعلى بقبة صغيرة مضلعة، ويلاحظ قلة الفتحات في جسم المنارة، غير أنه قبل الدورة الثالثة توجد أربع مشربيات خشبية بارزة عن بدن المنارة تستخدم للأذان، ويوحي طراز هذه المنارة بالتأثيرات الفنية في أساليب بناء المنارات السائدة في شرق العالم الإسلامي (إيران والهند) نظراً لموقع عدن الجغرافي وصلاتها مع الهند خلال العصور الإسلامية.

 

الزيارة احتفال سنوي بالأصالة والتراث

تُعد زيارة الإمام العيدروس من أهم المناسبات الدينية التي يحتفل بها أهالي عدن وتقام في 13 ربيع الآخر من كل عام هجري تزامنًا مع ذكرى دخوله إلى عدن عام 889 هـ يبدأ الاستعداد للاحتفال قبل الموعد بوقت طويل حيث تُزيّن المدينة والمسجد بالأعلام والأنوار.

خلال أسبوع الزيارة، تتوافد أعداد كبيرة من الزوار للمشاركة في الأنشطة الدينية التي تشمل تعريف الناس بالإمام العيدروس وإلقاء المحاضرات وتقديم البحوث من طلاب رباط العيدروس ويُختتم الاحتفال بمسيرة موكب كبيرة صباح الجمعة وتنطلق من منزل منصب عدن وصولًا إلى ضريح الإمام في المسجد.

 

أصل الاحتفال بالزيارة

يروي المؤرخون أن عادة الاحتفال بالزيارة بدأت أثناء حياة الإمام العيدروس، حيث كان يُحيي ذكرى دخوله إلى عدن، ويرافق ذلك توزيع الملابس والصدقات على الفقراء وبعد وفاته استمر هذا التقليد ليصبح مناسبة سنوية يُحتفى بها.

مسجد العيدروس ليس مجرد مسجد بل رمز تاريخي وثقافي يعكس حقبة زاخرة من تاريخ عدن ويعكس بناؤه وتاريخه وتراثه الروحي عمق ارتباطه بالمدينة وأهلها، ليبقى شاهدًا حيًا على عراقة عدن وتراثها الإسلامي الأصيل.

 

صنعاء تخلد التسمية

ومؤخرا قامت الحكومة اليمنية ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى في العاصمة صنعاء في العام الحالي2025م بتخليد هذا المسجد وأدرجت صورته على فئة الـ50 ريال المعدنية بقرار رسمي من البنك المركزي اليمني.

قبره :

توفي في شهر شوال من عام 914هـ, ويرقد إلى الشمال من المسجد.

 

المصادر:

“مسجد العيدروس .. معلم أثري شهير وقبلة للعلم والعلماء”. شبوة برس.

“مسجد العيدروس.. أشهر الآثار الإسلامية في عدن”. تاريخ عدن. 2016.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com