جدلية الإيمان والظلم في ضوء الرؤية القرآنية لدى الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه
في بنية الإنسان، كما في حركة التاريخ، تتجاذب حقيقتان متناقضتان، الإيمان، بما هو التزام بالحق، وطهر للباطن، وامتثال لله، والظلم، بما هو انحراف عن ذلك، واعتداء على حدود الله، وتعدٍ على الذات والآخر، في الآية الكريمة: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَـمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْـمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} ، نجد تعبيرًا دقيقًا عن جدلية الكينونة الإنسانية بين صفاء الإيمان وتلويثه بالظلم، بين التوحيد العملي لله، والتشويش الوجودي الذي يُحدثه الظلم في النفس والمجتمع.
يمانيون / خاص
الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، رضوان الله عليه، يُدخلنا إلى عمق هذه الجدلية، ليكشف أن الظلم، في بعده القرآني، ليس مجرد انحراف خارجي، بل هو مفهوم بنيوي يتسرب إلى لب الإيمان، فيمسخ حقيقته، ويحول الإنسان من فاعل في مشروع الهداية، إلى عائق أمامه.
الظلم كمعوّق للكينونة الإيمانية
في التفسير السطحي، كثيرون قصروا الظلم في الآية على الشرك، لكن الشهيد القائد يذهب أبعد، حيث يرى أن الظلم هنا هو كل خروج عن مقتضى الإيمان الحق، سواء كان شركًا عقائديًا، أو عصيانًا سلوكيًا، أو تقاعسًا عمليًا.
الظلم، بهذا المعنى، ليس فقط إساءة للآخر، بل تشويه للذات، وخلخلة لبنية الإيمان في الإنسان، لأن الإيمان، كما يراه الشهيد القائد رضوان الله عليه، حالة وجودية تُحكم فيها إرادة الإنسان لصالح الله، لا لصالح هوى النفس.
الظلم بوصفه موقفًا من العالم
في فلسفة الشهيد القائد رضوان الله عليه، فإن الظلم ليس حدثًا فرديًا فقط، بل موقف من العالم، فعندما يقعد المؤمن عن التحرك، وعن مناصرة الحق، فإن موقفه ذاك هو في حقيقته فعل ظالم، حتى وإن لم يرتكب جريمة مباشرة.
وهنا تتضح الفكرة الجدلية، الإيمان ليس حيادًا، بل موقف، والظلم ليس فقط عدوانًا، بل حتى اللا موقف في زمن الصراع، ظلم، ومن هنا قال: الذي قعد هو من أسهم بنصيب كبير في انتشار الباطل.
فكل من ترك الساحة للباطل، بحجة الحكمة أو السلامة، إنما خلع عن نفسه لباس الإيمان، وألبسه بظلم، وهذا الفهم يتجاوز الأخلاق الفردية، ليدخل إلى ميدان التحليل التاريخي والسياسي والاجتماعي.
القعود كفعل سلبي باطني يهدم مشروع الهداية
الإيمان في الرؤية القرآنية التي يعرضها الشهيد القائد، ليس فقط إقرارًا بالحق، بل انخراطٌ في مشروع الهداية، وتحرك في وجه الباطل، ونصرة للمستضعفين، وبالتالي، فإن كل معصية تُدنّس النفس، تُضعف قابليتها لهذا المشروع، فالمعصية ليست فقط فعلًا محرّمًا، بل انسحاب من معركة الحق، ولهذا فهي ظلم، وكل من ظن أن معصيته محدودة الأثر، هو لا يفهم البنية المتشابكة للباطل، إذ كما يقول الشهيد القائد : الباطل شبكة واحدة، كل باطل يساعد على الوقوع في باطل آخر.
فالمعصية تضعف الروح، والضعف يؤدي إلى القعود، والقعود يخلق فراغًا، فيتقدم فيه الباطل، وهكذا، تتحول المعصية الفردية إلى خيانة جماعية.
منطق الأمن والهداية في الآية
الآية تربط الأمن والهداية بشرطين لا ينفصلان، الأول الإيمان الحقيقي، والثاني نقاء هذا الإيمان من الظلم.
وفي فكر الشهيد القائد، لا يتحقق الأمن المجتمعي، ولا الأمن الداخلي، ولا حتى الهداية التاريخية للأمم، إلا حين يتحقق هذان الشرطان، فالمؤمن الذي يظن أنه نجا لأنه صلى وصام، لكنه يقعد عن الحق، أو يتعايش مع الظلم، أو يسكت عن الطغيان، هو في الحقيقة خارج معادلة الأمن والهداية، مهما ظنّ بنفسه الصلاح.
العرب والمسؤولية التاريخية
يرى الشهيد القائد أن العرب، بما أن الله اختارهم ليكونوا حملة المشروع القرآني، فإن قعودهم مسؤولية تاريخية عظمى، وهم بذلك ليسوا فقط سلبيين، بل شركاء في فساد العالم، (العرب قعدوا، فحلّ محلّهم اليهود) ،هذه الجملة تختصر رؤيته أن الظلم التاريخي لا يرتكبه الظالم وحده، بل أيضًا كل من تقاعس عن منعه، ولهذا، يرى أن الظلم واقع على الأمة من داخلها بقدر ما هو مفروض من خارجها.
خاتمة
في قراءة الشهيد القائد رضوان الله عليه، الآية ليست مجرد وصف لأهل الإيمان، بل مقياس وجودي وكوني يُحدد من هو المؤمن ومن هو الشريك في الظلم، الإيمان الحق هو مشروع تحرري أخلاقي جماعي، والظلم هو خيانة لهذا المشروع، سواء أكان فعلاً أم قعودًا، والأمن والهداية ليسا هِبة مجانية، بل ثمرة لصراع وجودي ضد كل أشكال الظلم، داخليًا وخارجيًا.
وهكذا، فإن الآية في ضوء هذا الفهم، تتحول من نص وعظي إلى نظرية قرآنية للنهضة والتحرر، يقرأها الشهيد القائد رضوان الله عليه من موقع الفعل، لا من موقع التلقي.