عندما يقصفون صنعاء… من الذي يرتعد حقاً؟!

الذي جرى على صنعاء والجوف ليست غارات عابرة فحسب، لكنها جريمة مكتملة الأركان. عشرات الصواريخ استهدفت منازل المواطنين، مقر التوجيه المعنوي، وصحفاً مدنية، وأحياء مكتظة بالسكان. وزارة الصحة أعلنت عن عشرات الشهداء وأكثر من مئة جريح، بينهم نساء وصحفيون ومارة أبرياء. أي منطق عسكري يمكن أن يبرر ضرب صحيفة أو متحف أو مبنى أحوال مدنية؟ لا يوجد. إنها بصمة معروفة للكيان الصهيوني: حين يفشل في الميدان، يذهب لينتقم من المدنيين.

يمانيون / كتابات/ أحمد إبراهيم المنصور

 

القوات المسلحة اليمنية أكدت أن دفاعاتنا الجوية تصدت للعدوان وأجبرت بعض التشكيلات القتالية على المغادرة قبل تنفيذ مهامها. هذه النقطة بالذات تكشف جوهر المسألة: العدو حاول اختبار أجوائنا، لكنه فوجئ بردع حقيقي لم يكن يتوقعه. لو كان قد نجح في ضرب هدف عسكري استراتيجي، لأقام الدنيا ضجيجاً، لكنه صمت عن خسائره وتغطى برواية “استهداف منصات صواريخ” التي سرعان ما فضحها الواقع. هذه الكذبة هي نفسها التي رددها حين قصف مدارس غزة أو مجازر قانا في لبنان، ولم تقنع أحداً.

العدوان كشف أكثر من جانب. عسكرياً، إسرائيل حاولت جس نبض قدرات الدفاع الجوي اليمني، والنتيجة أنها لم تنجز شيئاً يذكر، وقد حاول تبرير جريمته بالقول إنه استهدف منصات صواريخ، بينما الصور الميدانية تؤكد أن الغارات ضربت أحياء سكنية وصحفاً. سياسياً، أرادت إرسال رسالة بأنها قادرة على ضرب صنعاء، لكن الرد اليمني على لسان الرئيس مهدي المشاط كان أوضح: العدوان فاشل، والرد آتٍ. في الواقع، لا يحتاج المرء لكثير من الذكاء ليقرأ الرسالة.

أما عملياً، إسرائيل هي من وقعت في المأزق؛ لأنها أظهرت ضعفها، ولأنها منحت اليمن مشروعية أكبر لمواصلة التصعيد في البحر الأحمر وضد عمقها الاستراتيجي. كما أنها تدرك أن اليمن لن يتراجع عن موقفه تجاه غزة وفلسطين، وأن كل صاروخ يمني يخرج من البحر الأحمر أو من أي جبهة أخرى بات معادلة جديدة في الصراع. ألم يسألوا أنفسهم: ماذا لو استمر الضغط اليمني وتصاعد؟ هل يحتملون حرب استنزاف من بلد فقير حاصرته قوى العالم لكنه أصر أن يقف مع فلسطين؟!

الأصوات التي خرجت من حزب الله ومن سائر القوى في محور المقاومة ليست بيانات تضامن بروتوكولية. كانت بمثابة تأكيد أن المعركة واحدة، وأن دماء اليمنيين تختلط بدماء أهل غزة تحت السماء نفسها. في صنعاء، تُعلن لجنة نصرة الأقصى عن مسيرات مليونية يوم الجمعة، وكأن الناس يقولون بلهجتهم الصنعانية البسيطة: ما بش عندنا تراجع، دمنا واحد.

من يعيش في صنعاء يدرك أن الغارة على حي التحرير ليست فقط قصفاً لبناية، إنما هي رسالة بأن العدو يريد كسر إرادة الناس. لكن المفارقة أن ما يراه هو عكس ما يريد. البيوت التي تهدمت تتحول إلى شواهد على الإجرام، وأصوات الأطفال الذين المذعورين تتحول إلى قسم بالثأر ودماء الشهداء والجرحى هي وقود لتلك الصواريخ والمسيرات التي تضرب إسرائيل في عقر دارها. في اللهجة الصنعانية البسيطة تسمعها بين الناس: ما بش معانا خيار إلا نرد.

اليمن اليوم لا يقف في موقع الدفاع وحده، لأنه يقف في قلب معركة الأمة. من هنا من صنعاء، يمكن لأي إنسان أن يسمع السؤال يدوّي: لماذا تخاف إسرائيل من بلد محاصر وفقير؟ الجواب بسيط: لأنها تعلم أن هذا البلد اختار أن يقاتل ضدها وليس معها، وأنه وضع قلبه في غزة وروحه في القدس.

إسرائيل ارتكبت حماقة استراتيجية. استهداف المدنيين لم يحقق لها أي إنجاز، لكنه أضاف إلى رصيدها مزيداً من العار. المجتمع اليمني، حتى من لم يكن معنياً بشكل مباشر بالحرب، وجد نفسه أمام حقيقة دامغة: الكيان الصهيوني يضرب بيوتنا كما يضرب بيوت أهل غزة. هذا وحده يكفي ليجعل المعركة في الوعي الجمعي اليمني معركة وجود.

لا ننسى أن استهداف الصحف والإعلام جزء من خطة قديمة. ففي بيروت عام 1982، حاولوا إسكات الصحافة المقاومة، وفي غزة قصفوا برج الشروق الذي يضم وكالات إعلامية. اليوم يعيدون المحاولة في صنعاء، لكن التجربة التاريخية تقول إن الإعلام المقاوم لا يموت بالقصف، إنما يزداد حضوراً وتأثيراً.

المعادلة الآن واضحة: كلما صعّد العدو ضد المدنيين، كلما عزز مبررات الرد اليمني القاسي. والرد هنا ليس خياراً سياسياً باردًا، إنما هو ضرورة عسكرية ودينية وأخلاقية. لأن العدو لم يأتِ ليستهدف جبهة عسكرية فحسب، إنما جاء ليقصف حياة الناس. وحين تُقصف الحياة نفسها، يكون الرد بحجمها!!

الكيان الذي يتخيل أنه قادر على إخضاع صنعاء، عليه أن يتذكر كيف انتهت مغامراته في بيروت وغزة والجنوب اللبناني. التاريخ لا يعطيه دروساً مجانية، لكنه يكرر له النتيجة ذاتها: العدوان على المدنيين يفضح العجز، ولا يمنح أي نصر.

قد تسقط منازل وتتهدم شوارع، لكن العدو هو من يعيش القلق الحقيقي. هم يدركون أن كل غارة على اليمن لا تمرّ بلا ثمن، وأن الرد سيأتي، عاجلاً أو آجلاً.

والتاريخ لا يرحم: كما سقطت هيبة إسرائيل في جنوب لبنان عام 2000، وكما تهاوت في تموز 2006، ستتهاوى أيضاً أمام صمود اليمنيين الذين قالوا للعالم: نحن مع فلسطين، مهما كلّف الأمر.

من يرتعد حقاً؟! ليس اليمنيون الذين هم تحت صواريخ العدوان، لكن إسرائيل هي من ترتعد بأكملها؛ جيشها المرتبك، وقيادتها التي لم تجد إلا الكذب لتبرير عربدتها وعجزها وإجرامها.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com