شعار يتجاوز الكلمات .. اليمنيون يرسمون معادلة الوفاء لغزة بالدم والتضحية
في لحظة فارقة من التاريخ العربي المعاصر، خرج ملايين اليمنيين إلى الساحات والميادين في مختلف المحافظات تحت شعار مسيرات : وفاء للشهداء .. لن نتراجع في إسناد غزة مهما كانت التضحيات، وذلك في مشهد أعاد توجيه البوصلة نحو فلسطين، في وقت تحاول فيه قوى دولية وإقليمية إزاحة هذه القضية عن صدارة الاهتمام الشعبي.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
هذا التقرير يقدّم قراءة في أبعاد ودلالات هذا الشعار، الذي لم يكن مجرد تعبير عاطفي أو موقف لحظي، بل مثّل بيانًا سياسيًا وشعبيًا قويًا صادرًا من قلب شعبٍ يرزح تحت العدوان والحصار، لكنه يصر على أن يظل جزءًا حيًا وفاعلًا في معركة الأمة المركزية، معركة تحرير فلسطين، لتقديم مفهوم أعمق للبعد الأخلاقي والسياسي الكامن في شعار المسيرات، وإبراز مكانة القضية الفلسطينية في الوعي الجمعي اليمني، رغم التحديات الهائلة.
هذا الشعار، في توقيته ومضمونه، يعبّر عن موقف شعبي راسخ، ويكشف أبعادًا متعددة تتجاوز حدود التضامن العاطفي، لتلامس عمق الموقف اليمني الشعبي تجاه القضية الفلسطينية، لا سيما في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، الذي أسفر عن آلاف الشهداء والجرحى، وتدمير واسع للبنى التحتية.
سياق المسيرات .. اليمن حاضر في قلب المعركة
رغم العدوان المستمر والحصار المفروض على اليمن، خرج اليمنيون في مختلف المحافظات بمسيرات مليونية، رافعين شعارًا موحدًا يعبر عن الانتماء العربي والإسلامي الأصيل لفلسطين، ويؤكد أن القدس وغزة ليستا بعيدتين عن وجدان الشعب اليمني، بل هما جزء من معركته الوجودية ضد الهيمنة والاستعمار.
تزامنت هذه المسيرات مع تصاعد العدوان على غزة يعكس وعيًا شعبيًا متقدّمًا بأن ما يحدث في فلسطين ليس شأنًا محليًا، بل معركة تخص كل أحرار الأمة.
رسالة صمود وتكافل لا تعرف الحدود
“وفاء للشهداء”: الوفاء هنا لا يقتصر على الشهداء الفلسطينيين فقط، بل يمتد ليشمل كل الشهداء الذين سقطوا في معارك التحرر ومواجهة العدوان في اليمن، وغزة، ولبنان، وكل ساحات المقاومة.
هذا الوفاء يُترجم إلى مواقف سياسية وإعلامية، بل وحتى ميدانية، تجدد اليمن دعمها العلني للمقاومة الفلسطينية، مؤكدة أن دم الشهداء أمانة ومسؤولية.
“لن نتراجع”: هذه العبارة تُعبّر عن روح التحدي والثبات، وهي تتجاوز البعد المحلي لتعلن بوضوح أن الموقف من فلسطين ليس ظرفيًا ولا موسميًا، بل هو مبدأ ثابت في الوجدان الشعبي اليمني.
“إسناد غزة مهما كانت التضحيات”: في هذه العبارة يتجلّى جوهر التضامن، لا كشعار إنشائي بل كمنهج عملي، حيث أُعلنت حملات دعم مادي ومعنوي لغزة، وشهدت منصات التواصل اليمنية تعبئة واسعة دفاعًا عن المقاومة الفلسطينية، ما يعكس حالة وعي شعبي بأن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة المركزية، وأن غزة تمثل خط الدفاع الأول عن كرامة العرب والمسلمين.
اليمن والقضية الفلسطينية .. من الشعارات إلى المواقف
تاريخيًا، لم يكن الموقف اليمني تجاه فلسطين مجرد حالة رمزية، بل شارك اليمنيون في الحروب العربية ضد العدو الإسرائيلي، واستقبلت صنعاء قيادات من المقاومة الفلسطينية على مدار عقود.
أما اليوم، فالموقف الشعبي يتكامل مع الموقف السياسي المعلن من قيادة اليمن الثورية والسياسية الفاعلة، والتي تعتبر أن الوقوف مع فلسطين واجب ديني وقومي وإنساني.
وفي ظل التطبيع العربي المتسارع، تأتي هذه المسيرات لتؤكد أن الشعوب ما زالت حية، وترفض أن تُختزل إرادتها في مواقف أنظمة سياسية متخاذلة.
الرسائل التي يبعثها الشعار من اليمن إلى العالم
إلى غزة: لستم وحدكم، في اليمن شعب مستعد للبذل من أجلكم رغم جراحه، وإلى العدو الإسرائيلي، لن تتمكن من عزل غزة أو كسر إرادتها، فنبض الأمة معها، وإلى المطبعين، الشعوب العربية ترفض أن تتحول فلسطين إلى ورقة مساومة سياسية، وإلى أحرار العالم، صوت اليمن، المحاصر والمنهك، لا يزال قويًا في وجه الظلم والاستكبار.
إن رفع اليمنيين لهذا الشعار في وقت يعانون فيه من عدوان وحصار، يُعدّ شهادة جديدة على أن القضية الفلسطينية لا تموت، وأن الشعوب، مهما أُنهكت، تحتفظ ببوصلة الوعي والانتماء.
ففي وقت يخيّم فيه الصمت على كثير من العواصم، كانت شوارع صنعاء وكل المحافظات اليمنية الحرة تهتف بصوت واحد:
“لن نتراجع في إسناد غزة مهما كانت التضحيات”، لتُعلن للعالم أن اليمن، رغم كل شيء، ما زال في قلب معركة الأمة.