ثورة الــ 21 من سبتمبر .. ثورة الأمن والأمان في اليمن

في خضم الأحداث المتلاحقة التي شهدها اليمن خلال العقود الماضية، برزت ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر 2014 كحدث محوري أعاد رسم ملامح الدولة اليمنية، ليس فقط في الجانب السياسي، بل وفي الجانب الأمني بشكل خاص، الذي ظل لعقود طويلة يعيش حالة من الفوضى والانفلات والتسيب المتعمد.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

 

لقد جاءت هذه الثورة كرد فعل شعبي ووطني شامل ضد الفساد، والتبعية، والتآمر على مقدرات الوطن، فكان من أولى أهدافها استعادة الأمن والاستقرار، وإنهاء حالة الفوضى المنظمة التي كانت تغذيها أطراف داخلية وخارجية بهدف تحويل اليمن إلى ساحة صراع دائمة.

هذا التقرير يتناول كيف استطاعت ثورة 21 سبتمبر أن تُحدث تحولًا جذريًا في الواقع الأمني في اليمن، من واقعٍ يملؤه القتل والتفجير والاغتيالات، إلى واقع من الاستقرار والسيطرة والانضباط الأمني، وتكمن أهمية هذا التقرير في أنه يوثق إنجازًا وطنيًا كبيرًا تحقق رغم العدوان والحصار والتحديات الاقتصادية، ويوضح كيف أن تحقيق الأمن كان المدخل الحقيقي لاستعادة سيادة القرار الوطني، ولبناء دولة عادلة ومتماسكة قادرة على النهوض.

إن ثورة 21 سبتمبر كانت وما زالت مشروعًا وطنيًا متكاملاً، أعاد للشعب اليمني كرامته، وأثبت أن أمن الشعوب لا يُمنح من الخارج، بل يُنتزع بالإرادة والوعي والاتحاد.

 

ملامح الوضع الأمني قبل الثورة

قبل ثورة 21 سبتمبر، كانت الفوضى الأمنية تضرب بأطنابها في مختلف أنحاء البلاد، وانتشرت آنذاك وبصورة منظمة ومخطط لها داخلياً وخارجياً، الاغتيالات السياسية التي طالت العشرات من القيادات الوطنية والعسكرية، دون أي تحقيقات جدية أو محاسبة للمجرمين، وتصاعدت وتيرة التفجيرات في الأسواق والمساجد والتجمعات العامة، ما خلّف آلاف الضحايا من المدنيين، وانتشرت وبصورة كبيرة جداً الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون تمارس سلطتها وسطوتها في المدن والقرى، بغطاء سياسي أحيانًا، وتواطؤ أمني أحيانًا أخرى.

ومن أهم ملامح الوضع الأمني قبل الثورة ، نشاط الجماعات التكفيرية مثل “القاعدة” و”داعش”، التي كانت تنفذ عمليات تفخيخ وقتل جماعي في وضح النهار.

وتفشي ظواهر السرقة والخطف والتقطع، لا سيما في الطرقات بين المدن، ما جعل التنقل داخل البلاد محفوفًا بالمخاطر.

 

 

ثورة 21 سبتمبر .. الانطلاقة نحو الأمن والاستقرار

مع انطلاق ثورة 21 سبتمبر، بدأت تتشكل ملامح مشروع وطني جديد، أول أولوياته هو استعادة الأمن والسيادة، وتجفيف منابع الفوضى، والتصدي للمشاريع التي كانت تسعى لتفتيت اليمن وتحويله إلى كيانات متصارعة، وكان من أبرز خطوات الثورة في الجانب الأمني، تفكيك الجماعات المسلحة والمليشيات الخارجة عن القانون، وتمكنت الأجهزة الأمنية، بدعم شعبي واسع، من تفكيك مئات الخلايا والمليشيات التي كانت تنشط في العاصمة صنعاء والمحافظات الأخرى، واستعادة مقرات الدولة التي كانت تحت سيطرتها، وكذلك ضرب أوكار الإرهاب وتجفيف منابعه، كما نفذت الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية عمليات نوعية ضد عناصر “القاعدة” و”داعش”، في عدد من المحافظات،  وتم تدمير معسكراتهم ومصادرة أسلحتهم، مما أدى إلى انخفاض كبير في عدد العمليات الإرهابية.

 

 إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وفق مبدأ الكفاءة والنزاهة

تمت إعادة ترتيب وزارة الداخلية وجهازي الأمن القومي والسياسي، وتطهيرها من العناصر الفاسدة والمرتبطة بمشاريع خارجية، وهو ما عزز من فاعلية الأداء الأمني.

كما تم  إرساء منظومة رقابة ومتابعة فعالة ، اعتمدت على التكنولوجيا الحديثة في تتبع ومراقبة التحركات المشبوهة، مما ساعد على إحباط عشرات المخططات التخريبية قبل وقوعها.

كما تم تعزيز دور “اللجان المجتمعية” كعيون ساهرة في الأحياء والمناطق السكنية، مما زاد من شعور المواطن بالأمان، وساهم في منع الكثير من الجرائم قبل حدوثها.

 

 نتائج ملموسة للثورة في الجانب الأمني

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الثورة، فقد برزت النتائج الأمنية الإيجابية التي مثلت إنجازات أمنية لم تشهد لها البلاد مثيلاً في السابق ، أهمها انخفاض معدل الجريمة بنسبة كبيرة، مقارنة بما قبل 2014، وكذلك انعدام عمليات التفجير والاغتيالات في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة المجلس السياسي الأعلى، واستقرار أمني غير مسبوق في العديد من المحافظات، رغم العدوان والحصار المفروض على البلاد، وعودة الحياة الطبيعية إلى المدن، وعودة الاستثمار الداخلي وفتح المحلات والأسواق دون خشية من عصابات أو اعتداءات، وكل ذلك نتج عنه كنتيجة ارتفاع ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية ، وبدأ التعاون بين المجتمع والدولة يثمر نتائج فعالة.

 

تصدي الثورة للمشاريع التآمرية

لم تقتصر إنجازات ثورة 21 سبتمبر على الأمن الداخلي، بل واجهت بكل حزم المشاريع التآمرية التي هدفت لتفكيك اليمن وزرع الفوضى فيه، وتم فضح الأدوات الداخلية المرتبطة بالسفارات الأجنبية، وتفكيك خلايا التجسس والتخريب، والوقوف في وجه العدوان الخارجي وأدواته، ورفض مشاريع التقسيم والانفصال، وكذا تبني مشروع وطني جامع يهدف لاستقلال القرار اليمني وسيادة الوطن.

 

الأمن ثمرة الوعي الشعبي والإرادة السياسية

قد أثبتت التجربة اليمنية خلال السنوات التي تلت ثورة 21 سبتمبر أن الإرادة الشعبية الواعية والقيادة الوطنية الحرة والمؤمنة والشجاعة ، قادرة على تحقيق ما عجزت عنه الأنظمة السابقة، وما لم تكن تتوقعه القوى المتآمرة على اليمن من الخارج.
فعلى الرغم من العدوان والحصار والحرب الاقتصادية والإعلامية، تمكنت الدولة اليمنية المنبثقة عن هذه الثورة من أن تُنجز واحدة من أعظم الثمار التي تُحسب لها في ميزان الإنجازات الوطنية، الأمن والاستقرار.

لقد تراجعت الاغتيالات، واختفت السيارات المفخخة، وتلاشت مشاهد الجماعات الإرهابية التي كانت تجوب المدن والطرقات، وتحولت اليمن في المناطق الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى إلى واحة من الأمن المجتمعي والانضباط المؤسساتي، في وقتٍ لا تزال فيه دول كثيرة، تمتلك ميزانيات ضخمة وتحظى بدعم خارجي، تغرق في الفوضى وانعدام الأمن.

وهذا الإنجاز لم يكن عابرًا أو مؤقتًا، بل كان ثمرة مباشرة لنهج الثورة القائم على تطهير الدولة من الفساد، وكسر التبعية، وبناء مؤسسات أمنية وطنية مخلصة للوطن لا للأجندات الخارجية.
إنه إنجاز أمني ليس فقط في نتائجه المباشرة، بل في ما أسّس له على المدى البعيد، من ثقة شعبية بالمؤسسات، وإيمان بإمكانية التغيير، وشعور جماعي بالأمان، وهو الأساس الذي تُبنى عليه الأوطان وتُصان به السيادة.

وبالتالي، فإن الأمن الذي تحقق بعد الثورة لا يمثل فقط حالة استقرار، بل يعكس تحولًا استراتيجيًا في طبيعة الدولة اليمنية الحديثة، من دولة رخوة مخترقة إلى دولة قوية ذات سيادة، قادرة على حماية شعبها وفرض هيبتها.

وإذا كان من عنوان مختصر لثمار ثورة 21 سبتمبر، فهو أن اليمن بات يمتلك أمنه الوطني المستقل، وإرادته الصلبة، وقراره السيادي، وهي مقومات أساسية لأي نهضة حقيقية في الحاضر والمستقبل.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com