العلامة خالد موسى لـ”يمانيون”: خارطة طريق “الإيمان يمان” منظومة القيم القرآنية والأخلاق النبوية لتجسيد الهوية في زمن الحصار والإدارة
يمانيون| حاوره : محسن علي
.بداية نرحب بكم سماحة العلامة خالد موسى عضو رابطة علماء اليمن في هذا الحوار.. ونود من شخصكم الكريم تسليط الضوء على المفهوم الشامل للهوية اليمنية بجوهرها ومظاهرها وارتباطاها كما يتبناها شعبنا اليمني قيادة وشعبا؟
..الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا على نعمة الإسلام الذي رضيه لنا دينا، وعلى نعمة الإيمان الذي زينه في قلوب المؤمنين وتفضل به عليهم قال تعالى( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
أما بالنسبة للمفهوم الشامل للهوية اليمنية فهو الهوية الإيمانية في عنوانها النبوي العام الجليل والجذاب الذي ميز به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل اليمن وشرفهم بأشرف وسام، وشهد لهم بشهادة لم يشهد بها لأحد، وأشاد بهم إشادة لم يمنحها أحد من الأمم والشعوب نظرا للدور الإيماني الذي سيقوم به أهل اليمن في آخر أيام الدنيا وفي زمن الارتداد عن خط الإسلام، ومسار الإسلام الأصيل كما قام به أجدادهم في الأيام الأولى لظهور الإسلام.
وإذا أردنا أن نقدم مفهوم شاملا للهوية اليمنية المرتبطة جوهرها ومظهرها بالإيمان بالله، والمستمدة شواهدها ومسؤولياتها وقيمها وأخلاقها من كل نداء إلهي قرآني للمؤمنين، ومن كل خلق ووصف الله به المؤمنين، ومن كل حديث نطق به خاتم النبيين وبين فيه منظومة القيم الإيمانية المتكاملة التي تبني نفسية المسلم، وترتقي بروحيته وتربيه على مكارم الأخلاق، ومجمع الفضائل فيمكن أن نقدم تعريفا للهوية اليمنية الإيمانية فنقول: الهوية الإيمانية هي: منظومة متكاملة من القيم القرآنية والأخلاق النبوية التي تبدأ من الارتباط الوثيق بتوحيد الله سبحانه وتعالى، والإخلاص له كأساس، ويكون لها أثرها العلمي على مستوى الثقة به والحياء منه والجهاد في سبيله والاستعداد للقاءه، والتمسك بالكتاب وقرناءه وتنتهي بإماطة الأذى عن الطريق، وتحصين النفس المؤمنة من الاقتراب من الفواحش، واقتراف الرذائل، والاستهانة بالمحرمات والحرمات، وسفك الدم، وقتل النفس، والجبن والذل أمام المستكبرين.
“هويتنا الإيمانية” فلاح وقوة سر صمودنا الذي حطم تحالف الشر الأكبر على وجه الأرض
“الإيمان يمان” الوسام النبوي الأغلى لأهل اليمن من الرسول الأكرم
15 خطوة لمواجهة التغريب وحماية الأجيال من الحرب الناعمة
“جمعة رجب”.. محطة تربوية وتعبوية تذكر أبناء اليمن بوفاء أجداهم الأنصار للرسول والرسالة ومحطة روحية قلبت موازين المعركة
الاختلاف كثير والبون شاسع بينهما
.برأيكم .. بماذا تختلف الهوية اليمنية عن غيرها من بقية المفاهيم القومية وفلسلفتها أو المناطقية الضيقة؟
.. الاختلاف كثير والبون بينهما شاسع , فالمحتوى الروحي للقومية سرعان ما يهتز، ويضعف أمام التحديات والصراعات الكبرى، وحتى من يتبنون خيار القومية ويتكلمون باسمها ويروجون لها لم يستطيعوا أن يقدموا المحتوى الفكري والثقافي للقومية لأن مفاهيمها وضعية وبشرية وشتان بين ما كان وضعيا بشريا كالقومية والعلمانية والليبرالية والشيوعية وبين ما كان حيا إلهيا وتشريعا ربانيا، ومنهجا حضاريا مرجعيته الرسول والرسالة.
إن المفاهيم القومية وفلسفتها الدخيلة ومصطلحاتها البراقة لم تعد حتى بتلك الصورة المرتبطة بالعروبة الأصيلة والفطرة السليمة بل أصبحت مخترقة، ومفرغة من محتواها العربي الأصيل لأن صبغتها لم تعد صبغة أصيلة بل أصبحت صبغة غربية علمانية وما يزيد الطين بلة أن دعاة القومية لا تستطع أن تكون مظلة جامعة أما الهوية الإيمانية فيمكن أن يستظل تحت ظلالها كل الناس على مستوى العالم العربي والأفريقي والأسيوي والأوربي وعلى مستوى كل جنسيات العالم التي يصهر البعد الروحي للإيمان كل الفوارق، ويذيب كل الجنسيات، ويلغي كل المسافات الجغرافية ويجعل عنوان الإيمان هو مصدر الولاء والانتماء والتقارب أو التباعد بين المؤمنين كما أشار إلى ذلك رسول الله حين قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان.
إن القومية العربية بعد أن جردت من الإسلام وانفصلت عنه، وتنكرت له وارتمى دعاتها ورموزها في الحضن العلماني انصلت عن روحها ونورد شهادة تاريخية لمن اكتوو بنار القومية وهو العلامة محمد الغزالي فيقول في كتابه القيم والمفيد (الحق المر): عندما نفقد أخوتنا لم أجد قومية أشأم على أصحابها ولا أسوأ عقبى من القومية العربية بعد تجريدها من الإسلام وإلحاقها بركب ” العلمانية ” ويقول: فالجنس العربى ينتحر عندما يترك الإسلام! ويفقد القدرة على البقاء داخل سياج سياسي محترم! وهل أحس العالم كله من أزل الدنيا إلى أبدها وجودا دوليا محترما للأمة العربية إلا بعد ما اعتنقت الإسلام وحملت رسالته واصطبغت ظاهرا وباطنا بتعاليمه ؟؟. إن الحقد والعناد والعتو كانت رذائل تفصل بين القبيلة والقبيلة، بل بين الفرد والفرد حتي جاء الإسلام فمحا هذه الفواصل، وفي ذلك يقول الله تعالى لنبيه “وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم…
فشتان بين الهوية الإيمانية والهوية القومية التي أثبتت الأحداث والصراعات أنها لا تصنع مجدا، ولا تصمد أمام المغريات والأطماع، ولا تؤسس لحضارة، ولا تكسب شباب الأمة قوة معنوية ومناعة روحية وحصانة أخلاقية كما تكسبهم الهوية الإيمانية، فا الهوية الإيمانية: هي الزاد الروحي والطاقة المعنوية، التي تربي شباب الأمة ورجالها على المروءة والشهامة والنجدة، وترسخ فيهم قيم الخير، والبر والإحسان والتراحم والتعاطف وهي في نفس الوقت التي تجعل المسلم يمتلك المؤهلات الإيمانية لمواجهة التحديات، وخوض الغمرات، وبذل التضحيات، وصناعة الإنجازات، والتحولات الكبرى التي ترضي الله، وتغيظ أعداء الله، وتقهر الشيطان وأولياء الشيطان، وهي التي إن حافظنا عليها، ورسخناها، وروينا جذورها بالثقافة القرآنية حافظنا على حياتها وحيويتها في نفوسنا، ونفوس أجيالنا وشبابنا، وإذا لم نروها، ونقويها ستضعف وتموت وبضعفها وموتها سيصبح المسلم هيكلا بلا بروح، وجسدا بلا حياة، وذكرا بلا رجولة، وإنسانا مفرغا من إنسانيته.
عبر برامج وأنشطة عملية
.كيف ترون أهمية ترسيخ الهوية الإيمانية لليمنيين في هذه المرحلة تحديداً؟
..يمكن ترسيخها عبر برامج وأنشطة عملية تربوية وإيمانية وثقافية بسيطة وسهلة ومتاحة لكن المداومة عليها، والاستمرارية فيه تحتاج إلى عزم وعزيمة وإرادة قوية واستعانة صادقة بالله،والتجاء دائم إليه وهذا ما يراه شبابنا صعبا وثقيلا رغم بساطته ويسره ومن هذه الالتزامات الميسرة التي يمكن أن ترسخ الهوية الإيمانية، وتربي اليمنيين التربية الإيمانية ما يلي:
- ترتيل القرآن في البيوت، أوالاستماع له بإنصات.
- عمارة المساجد والتعلق بها، وإعادة الاعتبار والقيمة والأهمية لصلاة الجماعة
- إعادة الاعتبار والقداسة لصلاة الجمعة
- المحافظة على برنامج رجال الله
- الدراسة الواعية بشغف لدروس من هدي القرآن يوميا
- تحمل المسؤولية التربوية تجاه النفس والأهل والأولاد
- تربية الأولاد وتنشئنهم على محبة النبي وأهل البيت والتمسك بهم والوعي بسيرتهم وأخلاقهم ومواقفهم.
- الدفع بالشباب والأبناء لحلقات القرآن بين المغرب والعشاء وتشجيعهم على ذلك.
- تشجيع الأولاد على إتقان القرآن وحفظه
- الحرص على تقديم النموذج والمشروع القرآني بجاذبيته وسموه ورقيه
- بناء الذات وترويض النفس بالتقوى والإيمان.
- الانتماء الواعي للمشروع القرآني، والاستفادة من دروس الشهيد القائد يوميا.
- وقاية الأهل والأولاد من التلفونات اللمس، الرقابة عليهم، وتجنيبهم قرناء السوء.
- وضع ضوابط وشروط وتحديد الأوقات المناسبة لاستخدام التلفونات، والنت.
- الدراسة الواعي لسيرة رسول الله وأهل بيته.
- إنشاء مكتبات عامة للمطالعة والقراءة.
- تقديم البدائل المعرفية والثقافية الأصيلة للأمة
- توفير الملاعب والقاعات والصالات التي تستقطب الشباب وتحصنهم وتستثمر طاقاتهم، وتوظف ذكاءهم فيما ينفع الأمة في دينها ودنياها.
- إشغال الشباب ببرامج روحية ومبادرات مجتمعية، ودراسات وأبحاث نظرية وتطبيقية تزرع في نفوسهم الثقة وتبعدهم عن الهشاشة النفسية والسقوط الأخلاقي، وقرناء السوء.
تذكير اليمنيين بتاريخ أجدادهم الأنصار
.تحمل جمعة رجب دلالات تاريخية وروحية عميقة لليمنيين.. فكيف يمكن استثمار هذه المناسبة لتجديد العهد والموقف في مواجهة العدوان، وما هو الأثر الذي تتركه في الوجدان الشعبي؟
.هويتنا الإيمانية فلاح، هويتنا الإيمانية قوة، انتماؤنا الإيماني ثبات، وتماسك، وصلابة، وحضارة، وعزة، وكرامة، وهذا ما يجب أن نحافظ عليه، وأن نحميه؛ لأنه مبادئ، ولأنه أخلاق، ولأنه قيم، ولأنه سلوكيات، ولأنه عادات، ولأنه تقاليد يجب أن نحافظ عليها، وأن نربي عليها، وأن نتحرك في هذا المسار بكلنا: علماؤنا الأفاضل والأبرار، وكذلك مثقفونا، وكذلك الأكاديميون… في كل واقع حياتنا، أن يكون لنا النشاط الواسع الذي يعزز هذا الانتماء، ويحافظ على هذا الانتماء، ويرسِّخ هذا الانتماء؛ حتى نورِّثه لجيلنا القادم؛ لأن جيلنا القادم يواجه الكثير من التحديات والمخاطر على هويته الإيمانية. وبهذا سنواصل مشوار حياتنا بين كل عواصف الأخطار والتحديات مهما كانت، بكل قوة، بكل صلابة، بكل ثبات؛ لأن قوة الإيمان لا تماثلها قوة، والانتماء الإيماني هو أعظم حصنٍ، وأعز حصنٍ؛ ولذلك سنحرص على ذلك، ونحن نعي الشرف الكبير، لن نتنكر لنعمة الله، لن نتنكر ولن نجحد هذا الوسام العظيم هذا الشرف الكبير: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية) وبإذن الله، وبتوفيق الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” سنلقى الله يوم القيامة، ونلقى رسوله “صلوات الله عليه وعلى آله” في ساحة المحشر ببياض الوجوه، وبهذا الإيمان على الحوض، حيث يُحْلَؤُ الناس؛ ليتقدم أهل اليمن على ذلك الحوض، ليشربوا منه في يوم الظمأ، بإذن الله سنرد هذا المورد بإيماننا.
خارطة طريق اليمنيين لزوال العدو وتحصين الأجيال من التغريب التمسك بالهوية الإيمانية والالتفاف حول القيادة الربانية
مسؤولية العلماء في إعانة القيادة وإحياء الروحية الجهادية للأمة واجبة
صرخة الإمام زيد للعلماء: من لا يقدر القيادة الربانية لا يقدر الدين
جواب شاف من مدرسة القرآن
حسناً.. ماذا عن دور وفاعلية الهوية اليمنية أيضا في مواجهة التحديات والمشاريع التغريبية التي تستهدف أبناء اليمن والأمة؟
.. بالنسبة لدورها وفاعليتها في مواجهة العدوان، وأثرها البالغ الذي تتركه في الوجدان الشعبي فشرف لي أن أقتبس من كلام السيد القائد لتقديم الجواب الشافي من مدرسته، وبلغته فيقول حفظه الله: القرآن الكريم فيه حديثٌ واسع عن الهوية الإيمانية والتعريف بها، كم في الآيات القرآنية من توصيف وتوضيح لمواصفات المؤمنين؟ نكتفي هنا بآية واحدة، آية واحدة، يقول الله “جلَّ شأنه” في كتابه المبارك: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، أمة واحدة متآخية، متعاونة، متظافرة، متكاتفة الجهود، متعاونة، متناصرة، كتلة واحدة، موقف واحد، توجه واحد، للنهوض بمسؤولية واحدة، {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: من الآية71]، آية تقدِّم عناوين عامة ومتكاملة، تشمل كل الجوانب المهمة الإيمانية، تقدِّم لنا الواقع الإيماني للأمة المؤمنة واقعاً مترابطاً، وليس مفككاً، ولا متبايناً، بل ينعمون فيه بأخوة الإيمان، وتجمعهم القضية الواحدة، والهم الواحد، والمسؤولية الواحدة، {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}، وهم من أهله، هم أهل المعروف، وهم من يلتزمون به في واقع حياتهم، وهم من يأمرون بعضهم بعضاً به، والمعروف: عنوانٌ واسع يشمل كلما أمرنا الله به، كلما وجَّهنا إليه في خير الدنيا ولخير الآخرة.
وقال السيد القائد حفظه الله: لماذا صمد شعبنا خلال هذه الخمس السنوات من العدوان، وحجم هذه المعركة بشكل كبير فهي اليوم أكبر معركة قائمة على وجه الأرض، تحالفت فيها قوى الشر من الكافرين والمنافقين، بإمكاناتهم الهائلة، واستخدموا فيها أفتك الأسلحة، واستخدموا فيها الحرب الاقتصادية الشرسة، وكل الوسائل المتاحة التي أمكنهم أن يستخدموها لإذلال شعبنا وتحطيمه؛ بهدف السيطرة عليه، وفشلوا، هم الأكثر مالاً، الأكثر عدداً وعدةً، الأقوى إمكانيات، الأكثر خبراء، وإمكانات متنوعة، وحشدوا لهذه المعركة من أسبابها المادية ما كان سيكفي لحسمها، لماذا فشلوا في السيطرة علينا كشعبٍ يمني؟ هل لأنه كان لدينا مال أكثر من أموالهم، إمكانات أكثر من إمكاناتهم؟ لا؛ بل لأننا امتلكنا هذا الرصيد الأخلاقي والمعنوي، لهذا الإيمان الذي هو صلة بيننا وبين الله؛ لأننا قومٌ توكلنا على الله، ووثقنا به، والتجأنا إليه، واعتمدنا عليه، ووثقنا بوعده بالنصر، ولذلك كانت مواقفنا قوية بقوة هذا الإيمان، وكان صمود شبابنا ورجالنا في كل الجبهات بهذا الانتماء الإيماني، بهذه الروح المعنوية الإيمانية، يوم كان الرجل منَّا من أبناء شعبنا يقف في الميدان في الجبهة، سواءً في السهل، أو في الجبل، أو في الصحراء، أو في الوادي، أو في البر، أو في البحر، والأعداء يأتون بكل إمكاناتهم الهائلة، بطائراتهم الحديثة، بأحدث الطائرات، بأفتك الأسلحة، فلا يتزحزح، ثابت، وصامد، ومقاتل، ومستبسل، ومتفانٍ، ويصعد رجالنا الأبطال ليعتلوا الدبابات الأمريكية المحطَّمة بأحذيتهم، ويوجهوا إليها بنادقهم، ويرفعوا عليها رايات الشعار، ورايات التكبير، ورايات الوطن، هذه القوة ما منبعها؟ ما أساسها؟ ما سببها؟ هو الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” ولماذا؟ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح: من الآية4]، هويتنا الإيمانية فلاح، هويتنا الإيمانية قوة، انتماؤنا الإيماني ثبات، وتماسك، وصلابة، وحضارة، وعزة، وكرامة، وهذا ما يجب أن نحافظ عليه، وأن نحميه؛ لأنه مبادئ، ولأنه أخلاق، ولأنه قيم، ولأنه سلوكيات، ولأنه عادات، ولأنه تقاليد يجب أن نحافظ عليها، وأن نربي عليها، وأن نتحرك في هذا المسار بكلنا: علماؤنا الأفاضل والأبرار، وكذلك مثقفونا، وكذلك الأكاديميون… في كل واقع حياتنا، أن يكون لنا النشاط الواسع الذي يعزز هذا الانتماء، ويحافظ على هذا الانتماء، ويرسِّخ هذا الانتماء؛ حتى نورِّثه لجيلنا القادم؛ لأن جيلنا القادم يواجه الكثير من التحديات والمخاطر على هويته الإيمانية. وبهذا سنواصل مشوار حياتنا بين كل عواصف الأخطار والتحديات مهما كانت، بكل قوة، بكل صلابة، بكل ثبات؛ لأن قوة الإيمان لا تماثلها قوة، والانتماء الإيماني هو أعظم حصنٍ، وأعز حصنٍ؛ ولذلك سنحرص على ذلك، ونحن نعي الشرف الكبير، لن نتنكر لنعمة الله، لن نتنكر ولن نجحد هذا الوسام العظيم هذا الشرف الكبير: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية) وبإذن الله، وبتوفيق الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” سنلقى الله يوم القيامة، ونلقى رسوله “صلوات الله عليه وعلى آله” في ساحة المحشر ببياض الوجوه، وبهذا الإيمان على الحوض، حيث يُحْلَؤُ الناس؛ ليتقدم أهل اليمن على ذلك الحوض، ليشربوا منه في يوم الظمأ، بإذن الله سنرد هذا المورد بإيماننا.
عدة صورة إيمانية
. برأيكم .. كيف يمكن للمواطن تجسيد هذه الهوية كخارطة طريق عملية في حياته اليومية وسلوكه، خاصة في ظل استمرار العدوان والحصار؟
عبر التزامه العملي في عدة صور إيمانية منها:
- الصبر: فهو تجسيد للإيمان وهويتها في كل شؤون الحياة فلن يظفر إلا الصابرون، ولن يتفوق إلا الصابرون، ولن ينجح إلا الصابرون، ولن ينتصر إلا الصابرون فالصبر قيمة مهمة لاستقامة الحياة والثبات أمام التحديات ومواجهة الصعوبات والتغلب على الحصار وبعد الصبر يأتي الفرج
- الأمانة خلق إيماني يجب أن يجسده المسلم في حياته مع الأقربين ومع الأبعدين بل وحتى مع الخائنين فلا نقابل الخيانة بالخيانة كما أرشد إلى ذلك رسول الله حين قال (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، ولا صلاة لمن لا يتم ركوعها) حين قال صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أد الأمانةَ إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك).
- ومن أهم مصاديق الهوية الإيمانية في الجانب الروحي أنها تقوي العلاقة بالله وتجعلها علاقة تتجلى فيها الثقة المطلقة بالله في كل الأوقات، وعند كل التحديات توسع دائرة منظومة القيم، وتحافظ على مكارم الأخلاق التي من أهمها الحياء والوفاء والصدق والشجاعة والحكمة والعزة
- كذلك يجب أن تتجسد الهوية الإيمانية في خطوات عملية، والتزامات ملموسة، وإنجازات مشاهدة يقوم بها المؤمنون ومن أهم الميادين التي ينبغي أن تتجسد فيها الهوية ميادين المسؤولية، وإدارة شؤون الناس، والقرب منهم والنفع لهم، والحرص على خدمته والإحسان إليهم ومن أهل الروايات النبوية في هذا الشأن ما يلي:
(المؤمن إِلفٌ مألوفٌ ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس).
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُوراً فَقَدْ سَرَّنِي، وَمَنْ سَرَّنِي فَقَدِ اتَّخَذَ عِنْدَ الله عَهْداً، وَمَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الله عَهْداً فَلَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ أَبَداً إنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: ((مَا مِنْ مُؤْمِنٍ أَتَاهُ أَخُوهُ الَمُؤْمِنُ فَسَأَلَهُ حَاجَةً هُوَ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا فَيَرُدَّهُ عَنْهَا إلاَّ قَالَ الله لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَتَاكَ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ فِي دَارِ الدُّنْيَا يَسْأَلُكَ حَاجَةً قَدْ مَلَّكْتُكَ قَضَاءَهَا فَرَدَدْتُهُ عَنْهَا لا قَضَيْتُ لَكَ اليَوْمَ حَاجَةً مَغْفُوراً كَانَ أَوْ مُعَذَّبًا.
عندما نحيي شهر الهوية الإيمانية على المستوى الشعبي والرسمي يجب أن يكون الإحياء قائما توطين النفوس على أن تتزين بزينة الإيمان، وتنضبط بمعايير الإيمان، وتحب وتبغض، وتعطي وتمنع على ضوء حقائق الإيمان وقيمه ومن أهم القيم التي يجب أن تسود في مؤسساتنا الرسمية والحكومية، معايير الكفاءة والنزاهة والأمانة والدين,قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين) (ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة أنفس، علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله، وغش رسوله وغش جماعة المسلمين).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم)
استنهاض الأمة بالثقافة القرآنية
.من وجهة نظركم .. كيف يمكن للعلماء والخطباء استلهام الدروس من دخول اليمن في الإسلام في مثل هذا اليوم، لتعزيز التعبئة العامة واستنهاض الأمة نحو الجهاد والمقاومة؟
..يمكن للعلماء والخطاب استلهام أرقى وأبلغ الدروس من ذكرى دخول أهل اليمن في الإسلام من خلال تذكير اليمني وربطه بتاريخ أجده الأنصار، وتقديم سيرة ومواقف عمار وأسرته وإبراز سيرة القبائل اليمنية العظيمة، ومن أهم ما يمكن أن يحيي الروحية المعنوية، ويقوي التعبئة العامة ويستنهض الشعب اليمني بل والأمة هي الثقافة القرآنية، والهوية الإيمانية والهوية الإيمانية في مسارها التعبوي وميدانها الجهادي نجده متوفرا في القرآن الكريم على مستوى سورة ال عمران والأنفال والتوبة والأحزاب والفتح ومحمد فهذه السور تمثل دستورا تعبويا راقيا، وكذلك نجد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقدم للشعب اليمني أوسمة راقية، وميزات عظيمة، وإشادات بالغة كل ذلك من أجل أن تبقى معنوياتهم إيمانية وعالية ليكونوا الأعلون على الكافرين والمنافقين، والأعزاء أمام المستكبرين قال تعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ” الْأَزْدُ أَزْدُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُرِيدُ النَّاسُ أَنْ يَضَعُوهُمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَهُمْ وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ الرَّجُلُ: يَا لَيْتَ أَبِي كَانَ أَزْدِيًا وَيَا لَيْتَ أُمِّي كَانَتْ أَزْدِيَّةً. وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :نعم الحيّ همدان ، ما أسرعها إلى النّصر ، وأصبرها على الجهد ، ومنهم أبدال ، وفيهم أوتاد الإسلام.
الدعوة إلى الحق والحذر من الكتمان
.ما هو الدور المحوري الذي تضطلع به رابطة علماء اليمن والعلماء بشكل عام في عملية التعبئة العامة، ليس فقط على المستوى العسكري، بل على مستوى الوعي والبصيرة؟
..بفضل الله تعالى وتوفيقه وعونه الكبير الذي لمسناه منذ تأسيس الرابطة حتى اليوم فإن دور الرابطة المحوري كان مبارك وقويا وفاعلا-بفضل الله- في التصعيد الثوري قبل انتصار ثورة ال21 من سبتمبر وبعده وكانت الرابطة حاضرة بعلمائها في الميادين والساحات والإذاعات والقنوات والتحشيد للمسيرات والمظاهرات والوقفات ومباركات الخيارات الثورية والعسكرية التي تعلن عنها القيادة وتراها لتأديب المستكبرين ولجم المعتدين ومواجهة المحتلين، فقد كان للرابطة الدور المحوري والرؤية الثورية الواضحة منذ انطلاق أول مؤتمر لتأسيسها، وكان لعلماء الرابطة وحتى غير المنتمين للرابطة ممن يثقون بها، وبتوجهها الناصح والصاق، وتحركها الجهادي الذي برز بزخم أكبر في مناهضة العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي على اليمن، وبرز بزخم أقوى في معركة طوفان الأقصى ومعركة الفتح الموعود والجهاد المقدس.
وفي الشق الأهم المتعلق بدور الرابطة المحوري على الوعي والبصير فإرشيف الرابطة ورصيدها الاستثنائي بفضل من الله وعون كبير وتاريخي ومشرف، والتجربة التي قدمته الرابطة لتعزيز الوعي والبصيرة تجربة رائدة وتستحق الدراسة من الدارسين، والاهتمام من المعنيين بملف الوعي والبصيرة ويكفي الرابطة شرفا أمام الله والتاريخ أن يشهد لعلمائها وأنشطتها السيد القائد ويقول عنها وعن علماءها في أكثر من كلمة وخطاب: الأنشطة المتنوِّعة بلغت مئات الآلاف من الأنشطة المتنوِّعة: في مقدِّمة هذه الأنشطة والفعاليات: ما قدَّمته وقامت به رابطة علماء اليمن:
وبرعاية وعناية سماحة المفتي، السِّيِّد العلامة/ شمس الدين شرف الدين حَفِظَهُ الله. ما قامت به رابطة علماء اليمن، ومعها العلماء والخطباء، من جهدٍ توعويٍ، وإعلان مواقف أيضاً، وإصدار بيانات، وأنشطة متنوعة، هو يقدِّم النموذج الراقي لعلماء الدين، الذين ينهضون بواجبهم الإسلامي في بيان الحق، ونصرة الحق، وتقديم الحق، والدعوة إلى الحق، والحذر من الكتمان: الكتمان لما أنزل الله من البيِّنات والهدى، تجاه قضايا مصيرية، يعتبر الكتمان فيها جريمة بكل ما تعنيه الكلمة.
وكان لهم نشاطهم المكثَّف والمستمر، وعقدوا الكثير من الأنشطة، من الفعاليات، وتحرَّكوا بحرارة المسؤولية الإيمانية، باهتمام، بروحيةٍ إيمانيةٍ وجهاديةٍ عالية، وهذا واضح في كل الفعاليات الَّتي أقاموها؛ ولذلك كان نشاطهم في أوساط هذا الشعب له أهميته الكبيرة: في الاستنهاض لهذا الشعب، في رفع مستوى الوعي، في ترسيخ الشعور بالمسؤولية الإيمانية والجهادية، ومسؤولية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكذلك في تقديم النموذج الراقي لعلماء الدين، وكيف يجب أن يكونوا في صدارة الأُمَّة، وهي تواجه الكفر والشر، الشر المطلق، المتمثل بالعدو الإسرائيلي، بالصهيونية العالمية، بأمريكا وإسرائيل ومن معهما.
فكان لهم هذا الشرف الكبير، في أن يتصدَّروا الشعب في أنشطتهم، في اهتمامهم، في ندواتهم، في نزولهم في أوساط الناس في مختلف المناسبات، في البيانات والمواقف القوية، الصريحة، الواضحة، الَّتي ترقى إلى مستوى المسؤولية، وتعبِّر بحقٍّ عن الواجب الديني، عن الواجب الإسلامي، تعبِّر أيضاً بحقّ عن الموقف الحقيقي للإسلام).انتهى كلام السيد القائد.
الانتصار على أهل الكتاب يتحقق بالالتفاف حول قيادة تقدس كتاب الله وتعظمه
بالإيمان والثقة بالحتميات الثلاث لزوال العدو تخرج الأمة من مربع العجز واليأس والإحباط
المسؤولية الدينية الملقاة على عاتق العلماء في المرحلة الراهنة أكبر من أي وقت مضى
الإعانة والتوعية والتزكية والتعبئة
.في ظل الظروف الراهنة، ما هي المسؤولية الشرعية والتاريخية التي تقع على عاتق العلماء تجاه الأمة، وكيف يمكنهم توجيه البوصلة نحو العدو الحقيقي؟
.. مسؤولية الإعانة والتوعية والتزكية والتعبئة, أما الإعانة فتكون للقيادة الربانية القرآنية الحكيمة التي كان العلماء والدعاة ينتظرون مجيئها، ويدعون الله بأن يهيئها للأمة لتخرج من الضياع والذل والتيه والتبعية والظلم ولقد هيأ الله للعلماء خصوصا وللأمة عموما قائد يحترم العلماء، ويجلهم، ويعينهم على إقامة شعائر الدين وإحياء ذروة سنام الإسلام، وإعلاء كلمة الله، ومقارعة الظالمين، والوقوف في وجه المستكبرين.
بل أستطيع أن أقول بكل صراحة ووضوح وقناعة أن من لا يقدر هذه القيادة فهو لا يقدر الدين، ومن لا يعطي هذه القيادة الربانية الإيمانية حقها من الاحترام والولاء والدعاء فانتماؤها للعلم والعلماء انتماء شكلي لا قيمة له ولا يلبي متطلبات المعركة وطبيعة الصراع مع أهل الكتاب الذين لا يمكن الانتصار عليهم إلا في ظل قيادة ربانية، وعلماء ربانيين بعيدين عن الأنانية والغرور والعجب والتعصب المذهبي, كما أنه لا يمكن للأمة تصحح واقعها، وتعالج العلل الفكرية، وتواجه الانحرافات الثقافية، والعقائد الباطلة إلا بعلماء ربانيين يلتفون حول قيادة ربانية قرآنية تقدس كتاب الله، وتثق بالله، ومعها علماء ربانيون وواعون مواكبون للأحداث، ومستشعرون للأخطار المحدقة بالأمة.
إعانة القيادة في إحياء الشعور بالمسولية
.كيف يمكن أيضا للعلماء توحيد الفتوى والموقف لتعزيز الجبهة الداخلية، وتحصين المجتمع من دعوات التخذيل والتفريق التي يروج لها الأعداء وأدواتهم؟
..إن المسؤولية الدينية الملقاة على عاتق العلماء في المرحلة الراهنة أكبر من أي وقت مضى هي في إعانة القيادة، والانسجام معها في خطابها التربوي والتوعوي والتعبوي وفي إحياء الشعور بالمسؤولية، وإذكاء الروحية الجهادية، وترسيخ الهوية الإيمانية حتى تعاد للامة هيبتها وقداستها بين الأمم (لا قدست أمةٌ لا تأمر بمعروفٍ، ولا تنهى عن منكرٍ، ولا تأخذ على يد الظالم، ولا تعين المحسن، ولا ترد المسيء عن إساءته. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه وخليفة كتابه وخليفة رسوله.
والتعبئة العامة للأمة هي مسؤولية كبرى من مسؤوليات العلماء خاصة في هذه المرحلة لاسيما ونحن قادمون على خوض جولة جديدة من جولات الصراع اليهود وأمريكا جولة يجب أن تحسم فيها الخيارات، وتحدد فيها المواقف، ويصطف فيها العلماء في صف التعبئة العامة والتحريض على قتال أشد الناس عداوة للمؤمنين، وأشد الناس كفرا ونفاقا من الأعراب المنافقين ولا يمكن في قاموس الحكمة الإلهية والعدل الإلهي إلا أن يكون النصر مكتوبا لمن كان أشد حبا لله، وأعظم ثقة به، وأقوى تحريضا وتعبئة على الجهاد قال تعالى: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا [النساء : 84].
استهداف عبودية الإنسان لربه وضرب العلاقة معه
.ما هي أبرز ملامح الحرب الناعمة التي يشنها المشروع الصهيو-أمريكي على اليمن والأمة، وكيف تستهدف هذه الحرب العقول والقيم والأخلاق؟
..من أهم وأخطر وأسوء ملاح الحرب الناعمة الموجهة توجيها مدروسا والمخطط لها تخطيطا استراتيجيا لاستهداف اليمن والأمة وضربها في إيمانها وزكاءها واستقامتها وعلاقتها مع الله هو ملمح استهداف عبودية المسلم لربه، وضرب علاقتها به، وحياءه منه، ومراقبته له، وتلاشي التقديس للقرآن، والتفاعل معه، والتأثر بوعد الله ووعيده، وتعزيز الأماني الكاذبة بأن الله سيغفر للمصرين على الانحراف، والمتبعين لخطوات الشيطان، والغارقين في الترفيه والتطبيع، والمتسببين في إشاعة الفاحشة، والمتفرجين على تدنيس المقدسات كل هذه الملامح الخطيرة والكارثية تسعى الحرب الشيطانية الناعمة لتوسيع دائرتها، وإقناع الناس بها، والأخطر من ذلك تلك العقائد الباطلة، والأفكار الخاطئة التي تتلاقي مع الحرب الناعمة، وتغذيها، وتسهم في تحقيق أهدافها الشيطانية، وهذا يتطلب من علماء الأمة ودعاتها تقديم الثقافة القرآنية التي تبعد الناس عن الأماني، وتحيي فيها الشعور بالمسؤولية، وتوقظ الإحساس واليقين بالجزاء على السيئات قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)
التعبئة العامة للأمة مسؤولية كبرى على العلماء خاصة في هذه المرحلة لخوض جولة جديدة من الصراع مع محور الشر الغربي
ننصح علماء الأمة بأن يكون لهم قصب السبق والمسارعة في الاهتمام الفاعل والقوي بقضايا الأمة وهموم الإنسانية جمعاء
الثقة بالله واستذكار الحتميات الثلاث
. أبعاد المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة.. كيف تقرؤون أبعاده، وما هو الدور الذي يلعبه اليمن في إفشال هذا المشروع وإسقاط أدواته الإقليمية؟
..نرى أبعاد المشروع الصهيوني بنفس العين والنظرة القرآنية الثاقبة التي يرى بها السيد القائد حفظه الله عندما قال: لربما من أكبر الأمور المهمة فيما يتعلق بصراع أُمَّتنا مع العدو الإسرائيلي، هو: الإيمان بالحقائق القرآنية، التي وعد الله بها في كتابه، وعلى لسان رسوله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وعد هذه الأمة بزوال ذلك العدو، وهذه حتمية من الحتميات التي نؤمن بها، يؤمن بها كل من يؤمن إيماناً حقيقياً بكتاب الله، وبوعود الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولــذلك فمهما كانت جولات الصراع مع العدو الإسرائيلي قاسية، ومهما كان يمتلكه هو من إمكانات ووسائل للقتل والتدمير، وما يرتكبه من جرائم بشعة جداً، وفظيعة للغاية، جرائم الإبادة الجماعية، وما يظهره من التوحش، وما يصل إليه ويبلغ إليه من الإجرام، كل ذلك لن يغير أبداً من تلك الحقائق الحتمية، في زواله المحتوم، وفي انتصار المؤمنين، الصابرين، الثابتين، الذين استجابوا لله، ووثقوا بوعده، وتحركوا على أساس إيمانهم بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإيمانهم بحتمية الموقف الصحيح للتصدي لذلك العدو المجرم، هذه الحقائق مهمةٌ جداً.
ويقول أيضا: هذا العدو مهما فعل، ومهما يشكله من خطورة، ومهما قد فعله في كل هذه المراحل الماضية، فإننا نصل إلى حقيقة الحتميات الثلاث: الحتميات الثلاث التي هي نهاية لكل هذا الصراع، مئآلات هذا العدو إليها حتمية.
الحتميات الثلاث قدمها القرآن الكريم، ويجب أن نعيها جيداً:
الحتمية الأولى: هي هزيمة هذا العدو:
هذه مسألة محتومة، أكَّد عليها الله في القرآن الكريم، في الوقت الذي أخبر الله فيه في بداية سورة الإسراء، عن هذا العدو، عن خطورته، عن فساده في الأرض، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}[الإسراء:4].
أخبر- في نفس الوقت- عن حتمية سقوط هذا العدو، وهزيمة هذا العدو، وفشل هذا العدو، وأن هذه النهاية حتمية، فيقول الله “سبحانه وتعالى”: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ليسوؤوا}، يعني: وعد المرة الآخرة من المرتين، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ليسوؤوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[الإسراء:7]، فهو يبين هنا النتيجة الحتمية لسقوط هذا العدو، وهزيمة هذا العدو، وهذه طمأنة كبيرة جدًّا، وهذا هو مقتضى العدل الإلهي، مقتضى العدل الإلهي: كيان بهذه الإجرامية، بهذا الإفساد، بهذا التضليل، بهذا العداء لله، ولرسله، ولأنبيائه، ولعباده، بهذا السلوك الإجرامي، مآله هو الهزيمة، هو السقوط، هو هذه النهاية المحتومة.
هذه هي الرؤية القرآنية التي يجب أن يراها كل عالم، وأن يقدمها للأمة لتخرج من مربع العجز، والإحباط اليأس الضعف لأن القرآن لا يصنع يأسا ولا يأئسين، ولا يغذي إحباطا ولا بشجع المحبطين، ولا يقر عجز العاجزين، ولا جبن الجبناء، ولا يمنح القانطين من رحمة الله وعونه وقوتها ولطفه صكا بالمغفرة والعفو بل يخرجهم من دائرة إسلامه ورعايته ( قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ. قال تعالى: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ.
ويقول السيد القائد حفظه الله: القرآن يصنع لك الفكرة، يصنع لك النظرة، يحدد لك التوجه، يرسم لك المسار، يحدد لك الأسس التي تبني عليها موقفك وقرارك واتجاهك، هذا شيء غائب لدى الكثير من الناس، كم هناك من مفاهيم كثيرة، كثيرة وكثيرة جدًّا لا تنسجم مع القرآن الكريم، تخالفه، والكثير من الناس يتشبث بها، مفاهيم سياسية، مفاهيم عامة، مفاهيم ثقافية، مفاهيم دينية… تختلف كليًا عن القرآن الكريم، متى تقبل الأمة بأن تكون رؤية القرآن فوق كل رؤية؟ وأن تكون مفاهيمه هي المفاهيم التي تعتمد عليها، وتتخلى- بكل رحابة صدر، بكل قناعة- عن أي مفاهيم مخالفة للقرآن الكريم، عن كل توجهات مخالفة للقرآن الكريم؟ متى يقتنع الكثير من الناس أن يبني موقفه وولاءه وعداءه على أساس القرآن الكريم، حتى يكون محقًا، وحتى يكون عادلًا، وحتى لا يكون ظالمًا وفي صف الطاغوت في هذه الحياة؟.
الحضور في كل الميادين والساحات
.في خضم المواجهة الساخنة بين الإسلام من جانب وقوى الاستكبار العالمي وأدواتهم من تيار النفاق النشط من جانب آخر.. ما هي بنظركم أكبر مهمة يمكن أن يضطلع بها العلماء الربانيون؟
.. أن يكون للعلماء قصب السبق والمسارعة في الاهتمام العالي والجاد والقوي والفاعل بقضايا الأمة وهموم الإنسانية جمعاء كما رسول الله مهتما، ومتفاعلا، وحاضرا في كل الميادين الإيمانية والأخلاقية والتربوية والجهادية والدعوية والإرشادية بكل الوسائل والأساليب لإنقاذها، وإخراجها من الظلمات إلى النور، وانتشالها من مستنقع الشرك والوثنية والجاهلية الأشد إلى واحة الوحدانية، وطمأنينة الصمدية، ونور الشريعة المحمدية، وحديقة الأخلاق النبوية، الكفيلة بتربية الأمة التربية الإيمانية التي تؤهل المسلمين أفرادا وأسرا ومجتمعا وأمة على اتحاذ المواقف الأخلاقية والإنسانية المنطلقة على أساس من الدين، وعلى ضوء من الشريعة، وفق المحكمات والتعليمات القرآنية الهادية إلى أقوم المواقف، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾[الإسراء : 9]، وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).
رسالة الإمام زيد عليه السلام لهم
.هل من رسالة تودون عبرها تذكير العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي لاستنهاض الأمة للوقوف صفاً واحداً في مواجهة هذا المشروع، خاصة في ظل ما يحدث في فلسطين وغزة؟
..رسالتنا لهم هي تلك الرسالة التي صاغها الإمام زيد وخاطب فيها الإمام العلماء خطابا صريحا وحملهم المسؤولية التي يجب عليهم أن يقوم بها كما يجب ومن المهم لكافة علماء الأمة أن يطلعوا الرسالة كاملة، ويتأملوها جيدا، ويعطوها حقها من الاهتمام ومن النصوص المفيدة التي يمكن أن نضمنها في هذا الحوار ما قال: عباد اللّه فإنما تصلح الأمورُ على أيدى العلماء، وتفسد بهم إذا باعوا أمر اللّه تعالى ونهيه بمعاونة الظالمين الجائرين، فكذلك الجهال والسفهاء إذا كانت الأمور في أيديهم، لم يستطيعوا إلا بالجهل والسَّفَه إقامتها، فحينئذ تَصْرُخُ المواريث، وتضج الأحكام، ويفتضح المسلمون.
وقال في رسالته: فلا تكونوا عند إيثار حق اللّه تعالى غافلين، ولأمره مضيِّعين، فتكونوا كالأطباء الذين أخذوا ثَمَنَ الدَّواء واعْطَبوا المرضى، وكرُعَاةٍ استوفوا الأجر وضلوا عن المرعى، وكحراس مدينة أسلموها إلى الأعداء، هذا مثل علماء السوء.
لا مالاً تبذلونه لله تعالى، ولا نفوساً تُخاطرون بها في جَنْبِ اللّه تعالى، ولا داراً عطلتموها، ولا زوجة فارقتموها، ولا عشيرة عاديتموها.
فلا تتمنوا ما عند اللّه تعالى وقد خالفتموه، فترون أنكم تَسْعَوْن في النُّور، وتَتَلَقَّاكم الملائكة بالبشارة من اللّه عز وجل؟ كيف تطمعون في السَّلامة يوم الطامَّة؟! وقد أخْدَجْتُم الأمانة، وفارقتم العِلْمَ، وأدْهَنتم في الدين، وقد رأيتم عهد اللّه منقوضاً، ودينه مبغوضاً، وأنتم لا تفزعون ومن اللّه لا ترهبون. فلو صبرتم على الأذى، وتحملتم المؤنة في جنب اللّه لكانت أمور اللّه صادرة عنكم، وواردة إليكم.
عباد اللّه لا تُمَكِّنوا الظالمين من قِيَادكم بالطمع فيما بأيديهم من حُطامِ الدنيا الزَّائل، وتراثها الآفل، فتخسروا حظكم من اللّه عز وجل.
عباد اللّه استقدموا إلى الموت بالوثيقة في الدين، والاعتصام بالكتاب المتين، ولا تعجبوا بالحياة الفانية، فما عند اللّه هو خير لكم، وإن الآخرة هي دار القرار.
على علماء اليمن خاصة وعلماء الأمة عامة مهام كبيرة، ومسؤليات عظيمة في هذه الأيام وفي قادم الأيام والسنوات إذا مد الله في أعمارهم ومن أهم المسؤوليات ذات الأولوية أن تكون دعوتهم إلى الخير ليكونوا من أمة الخير، ومن دعاة الوحدة ليكونوا في مأمن من عقوبة تكريس التفرق، وتغذية الاختلاف، وممن يقدمون الخطاب الدعوي الروحي الذي يوسع دائرة التزكية للنفوس، والترويض لها، وضبط شهواتها، وكبح نزوات النفوس الإمارة بالسوء وهذا هو دور العلماء كقادة روحيين، ورواد في ميدان التربية والتزكية وإحياء الرقابة الإلهية والخوف من الله كما أحياها القرآن وقرناؤه.