تحصين الهوية الإسلامية .. تحديات وإستراتيجيات النهوض بالقيم والنماذج الأصيلة
في ظل التحولات الثقافية والاجتماعية المتسارعة التي يشهدها العالم، تتزايد التحديات التي تواجه الهوية الإسلامية، يتناول هذا التقرير أهمية تحصين هذه الهوية، مسلطًا الضوء على الدور الأساسي الذي تلعبه الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والدينية، في تقديم نموذج عملي متكامل يعكس القيم الإسلامية الحقيقية، كما يبرز التقرير الحاجة إلى تفعيل القوة الناعمة في الهوية الإسلامية من خلال العقيدة، والقيم، والقدوة، والتاريخ، لمواجهة التأثيرات الغربية التي سعت بخبث إلى ترويج نماذج حياتية جذابة، مع تشويه النماذج والرموز في الثقافة الإسلامية، وهو ما يستدعي منا الاهتمام بتطوير خطابنا الديني والتربوي بشكل عملي وجاذب، في إطار المواجهة لهذا التحدي الذي لا يقل خطورة عن التحديات العسكرية
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
أهمية تحصين الهوية ودور الأسرة والمؤسسات
تحصين الهوية الإسلامية يبدأ بالأسرة، باعتبارها اللبنة الأساسية في تكوين شخصية الفرد، فالأسرة التي تغرس القيم والقدوة العملية تمثل خط الدفاع الأول أمام أي محاولات للاختراق الثقافي والفكري، كما يجب على المؤسسات التعليمية والدينية أن تتكامل في مهمتها لتقديم برامج عملية تعزز الهوية، بعيدًا عن الاكتفاء بالنظريات الأكاديمية، فالممارسة الحقيقية للنماذج الصالحة هي الوسيلة الأنجع لتثبيت القيم في أذهان الأجيال الصاعدة.
عناصر القوة للهوية الإسلامية
تحتوي الهوية الإسلامية على عناصر قوة يمكن أن تؤثر إيجابًا في الفرد والمجتمع، إذا تم تفعيلها بالشكل الصحيح. من هذه العناصر، العقيدة الصافية، التي تمثل العمود الفقري للسلوك الفردي والجماعي، والقيم والأخلاق، التي توجه الفرد في حياته اليومية، وتجعله نموذجًا يحتذى به، وكذلك القدوة العملية ممثلة بالرموز والقيادات المؤمنة التي تقدم الهدى والوعي للناس، كيف يمكن العيش وفق القيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة، والتاريخ الحضاري، الذي يذكر المسلمين بعظمة ماضيهم ويحفزهم على البناء والإبداع.
أهمية النموذج العملي في مواجهة التأثيرات الغربية
أثبتت الدراسات والخبرات الميدانية أن التأثر بالنماذج الغربية يعود أساسًا إلى غياب تقديم نموذج عملي متكامل يربطه الفرد المسلم بالقيم الإسلامية، الغرب يعمل على استراتيجية خطيرة تعتمد في تسويق نماذجه بأسلوب جذاب ووسائل إعلامية متقنة، بينما ضعف تقديمنا للنماذج العملية التي تعكس هويتنا، ولذا فإن تعزيز النماذج الإسلامية في مجالات الحياة المختلفة، من التعليم والعمل والسلوك الاجتماعي، يمثل الخطوة العملية الأهم لمواجهة الاختراقات الثقافية.
معالجة الانفصام بين القول والفعل
تواجه المجتمعات الإسلامية أحيانًا ما يمكن تسميته بالانفصام بين القول والفعل، حيث يلتزم الفرد بالصلاة والعبادات لكنه يتجاهل قيم الأمانة والعمل الصالح في حياته اليومية، هذا الانفصام يدل على ضعف فهم حقيقة التكليف الإنساني، ويتطلب معالجة جادة والاهتمام بالخطاب الديني الواعي بدلالات الموجهات القرآنية، بحيث لا يقتصر التعليم على الجانب النظري، بل يشمل التطبيق العملي لكل القيم.
تطوير الخطاب الديني والتوعوي
مع كل هذه التحديات المكثفة في الصراع الثقافي مع العدو، أصبح من الضروري الاهتمام بمضمون الخطاب الديني والتوعوي، وجعله أكثر جاذبية وتأثيرًا، بما يعزز الهوية الإسلامية ويحصن الفرد والمجتمع ضد أي محاولات للاختراق الفكري، يجب أن يكون الخطاب مدعومًا بالأدلة العملية والنماذج الواقعية، بحيث يُلهم الأجيال ويحفزها على الالتزام بالقيم الإسلامية في حياتها اليومية.
المسيرة القرآنية المباركة كنموذج للخطاب الديني والتوعوي
لقد قدّمت المسيرة القرآنية المباركة نموذجًا فريدًا للخطاب الديني والتوعوي، قائمًا على قيم ثابتة وهويّة متكاملة، القرآن الكريم لم يقتصر على الجانب النظري للعبادة، بل جمع بين التوجيه الروحي، والقيم الأخلاقية، والتربية العملية في حياة الفرد والمجتمع.
وأبرز معالم النموذج القرآني من وعي المسيرة القرآنية المباركة تتمثل في الخطاب القيمي الشامل، فالقرآن الكريم يقدم توجيهات متكاملة تشمل العبادة، والسلوك الاجتماعي، والمعاملات المالية، والأخلاق الشخصية، بحيث يكون كل جانب من حياة الإنسان مرتبطًا بالقيم الإلهية، وكذلك التوازن بين القول والفعل، فالمسيرة القرآنية تؤكد على ضرورة تجسيد القيم عمليًا، لأن العبادة لا تنفصل عن السلوك اليومي، وهو ما يمنع الانفصام بين القول والفعل الذي يعاني منه البعض اليوم، وكذلك تثبيت الهوية الدينية والثقافية، لأن القرآن يعمل على ترسيخ هوية المسلم عبر ذكر التاريخ، والقدوة، والتوجيه الأخلاقي، مما يجعل الفرد واعيًا بمسؤوليته تجاه دينه ومجتمعه، وكذا القوة التوعوية الجذابة والمؤثرة، فأسلوب القرآن في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وبالقصص يرسخ في النفس حب القيم دون استخدام القسر أو الإكراه، وهو ما يمثل نموذجًا عمليًا للتأثير الجاذب والمقنع في التربية الدينية، وهو ما يقودنا إلى عنصر مهم أيضاً من معالم النموذج القرآني وهو مرونة التطبيق، فالقرآن الكريم وضع المبادئ العامة، مع ترك مجال للمرونة في التطبيق حسب السياق الذي تقوده الدلالة والمعنى في الآيات، مما يجعل هذا النموذج قادرًا على مواجهة التحديات المعاصرة دون الإخلال بالثوابت الدينية.
بهذا، يصبح القرآن الكريم في فكر المسيرة القرآنية المباركة ، ليس مجرد كتاب ديني، بل خارطة عمل ومنهج حياة متكاملة لتحصين الهوية الإسلامية، وتعزيز القيم، وصياغة خطاب ديني وتوعوي يواكب تحديات العصر، ويواجه محاولات الاختراق الثقافي والفكري بنجاح.
يقدم السيد القائد الهوية الإيمانية كمشروع عملي متزامن مع حركة العصر انطلاقاً من واقع ضرورة امتلاك الشروط العملية من أجل المواجهة مع العدو للعودة بكل جد إلى عناصر القوة ولذلك يقول السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله : ((نحن في هذا العصر كأمةٍ مسلمة إذا فقدنا هويتنا الإيمانية، فالنتيجة الحتمية المؤكدة هي الضياع، لا يحمي لنا كأمةٍ مسلمة كياننا ووجودنا ويدفع عنا المخاطر والتحديات التي نعيشها إلا الحفاظ على هذه الهوية، إلا الالتزام بهذا الانتماء بمفهومه الصحيح، وتنقية واقعنا حتى يتطابق مع هذا المفهوم بشكله الصحيح)) ، العدو إذا سيطر على أفكارنا، مفاهيمنا، أثَّر علينا في سلوكياتنا وحياتنا وعاداتنا وتقاليدنا، حينها سيكون، بلا شك، متحكماً بنا، ومسيطراً على واقعنا بشكلٍ تام، حينها نضيع، نصبح أمةً مستغلة، الإيمان عنصر قوة، الأمة اليوم وهي تواجه الكثير من الفتن والمشاكل والتحديات والمخاطر في أول ما تحتاج إليه الحاجة الملحة الماسَّة جداً هي الوعي، من وعيٍ، وبصيرةٍ، وفهمٍ وثقافةٍ صحيحة، وفكرةٍ سليمة.
ختاماً ..
إن التحديات التي تواجه الهوية الإسلامية ليست مجرد تهديد خارجي، بل هي فرصة لتجسيد قوة الإنسان المسلم وقدرته على الإصلاح والبناء. فالهوية المتحصنة بالقيم، والنماذج العملية، والخطاب الجاذب تمثل درعًا يحمي الفرد والمجتمع من الانزلاق وراء التأثيرات الغربية، ويؤكد قدرة المسلمين على استعادة ريادتهم الفكرية والثقافية، في ظل هذه المعركة الفكرية الحضارية، يبقى الأمل معقودًا على العمل الجاد والمستمر لتقديم نموذج عملي متكامل يعكس القيم الإسلامية ويثبت للعالم أن الهوية الإسلامية قادرة على مواجهة التحديات والارتقاء بالمجتمعات.