طريق الضمّ الكبير… مشروع صهيوني جديد يبتلع 1042 دونماً في الضفة الغربية
يمانيون | تقرير
تواصل سلطات العدو الصهيوني تنفيذ أكبر عمليات تغيير الجغرافيا في الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة، عبر مشاريع توسعية متدرّجة تتخذ غطاءً عسكرياً ظاهرياً فيما تستهدف في جوهرها إعادة هندسة الأرض الفلسطينية وترسيخ الضم الفعلي.
وفي أحدث خطوة ضمن هذا المسار، كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية عن استيلاء الاحتلال على 1042 دونماً من أراضي المواطنين في طوباس والأغوار الشمالية، عبر سلسلة من أوامر “وضع اليد” التي تتظاهر بأنها متفرقة، لكنها في حقيقتها تشكّل مشروعاً واحداً لفتح طريق استراتيجي واسع يعيد صياغة التوازنات السكانية والزراعية والجغرافية في المنطقة.
هذا التطور لا يأتي بمعزل عن سياق السيطرة المتسارعة على الأغوار خلال العامين الماضيين، ولا عن المخطط الأشمل الهادف إلى محو التواصل الجغرافي الفلسطيني وتحويل الأرض إلى كتل معزولة يسهل إخضاعها أمنياً وتوسيع المستوطنات القائمة فوقها.
أوامر متفرقة تخفي مشروعاً واحداً للسيطرة
وأوضحت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن أوامر “وضع اليد” التسعة التي صدرت في بلدات طمون وتياسير وطلوزة ومدينة طوباس تبدو منفصلة من حيث الترقيم والموقع، إلا أن إسقاطها على الخرائط يكشف عن تصميم دقيق لمشروع واحد متكامل، يتمحور حول شق طريق أفقي يبدأ من عين شبلي جنوباً وصولاً إلى العقبة شمالاً.
ويمتد الطريق بطول يبلغ 22 كيلومتراً، ما يحوله من مسار عسكري مؤقت إلى ممر استراتيجي ضخم يعيد رسم البنية الجغرافية للأغوار الشمالية، ويؤسس لمرحلة جديدة من الضمّ التدريجي الذي يجري تثبيته خطوة خطوة دون إعلان رسمي.
ويقطع الطريق مساحة واسعة من الأراضي الزراعية والسكانية، مستهدفاً خربة يرزا ومحيطها، بما يعيد تشكيل كامل المشهد الميداني شرق طوباس ويحرم المزارعين والرعاة من الوصول إلى السهول الشرقية التي تُعد العمود الفقري للحياة الاقتصادية والبيئية في المنطقة.
“الطريق الأمني” غطاء لمشروع استيطاني طويل الأمد
ويعتمد العدو الصهيوني منذ سنوات على استخدام مصطلح “الطريق الأمني” كستار لتمرير مشاريع تخدمه على المدى البعيد. الطريق الجديد ليس استثناءً؛ إذ يوصف بأنه “طريق أمني عسكري”، بينما تشير مساراته وهيكليته إلى أنه ممهد ليصبح طريقاً استيطانياً بامتياز يخدم المستوطنين وقواعد الاحتلال المنتشرة في الأغوار.
وتظهر تجربة العقود الماضية أن ما يزيد عن 90% من الطرق العسكرية التي شقها العدو تحوّلت لاحقاً إلى شوارع دائمة تُستخدم لتعزيز المستوطنات وتوسيع نفوذها.
وعليه، فإن المشروع الحالي يُقرأ على أنه خطوة استراتيجية لربط المستوطنات ببعضها من جهة، وربطها بالعمق المحتل من جهة أخرى، ضمن مخطط أكبر لفرض واقع جغرافي لا يمكن التراجع عنه.
1042 دونماً… مساحة كافية لتغيير كامل للبيئة السكانية والزراعية
الأراضي المستولى عليها ليست شريطاً ضيقاً كما في الطرق التقليدية، بل حزاماً جغرافياً واسعاً يمكّن الاحتلال من إعادة توزيع السيطرة الميدانية على المنطقة.
فالمساحة المصادرة تتيح:
- فصل طوباس عن امتدادها الزراعي والبدوي شرقاً.
- تقليص قدرة التجمعات الفلسطينية على الحركة والرعي.
- فتح المجال أمام توسع المستوطنات القائمة وربطها بمحاور رئيسية.
- ضرب الامتداد الزراعي الذي يقوم عليه اقتصاد طوباس والقرى المحيطة.
كما أن المصادرة بهذا الحجم تسمح بخلق “منطقة عازلة” تتيح للعدو فرض الطابع الأمني والاستيطاني بشكل مزدوج دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة مع السكان في المدى القريب.
الطريق لخدمة رؤية ضمّ الأغوار وترسيخ السيادة الصهيونية
وشهدت المنطقة خلال العامين الماضيين ارتفاعاً ملحوظاً في الاعتداءات الاستيطانية، من إقامة بؤر جديدة إلى منع الرعاة من الوصول إلى أراضيهم. ومع إنشاء الطريق الجديد، يصبح هذا النشاط جزءاً من منظومة ميدانية متصلة لا مجرد اعتداءات عشوائية.
الطريق يشكّل محوراً يربط الأغوار الشمالية بالعمق الاستيطاني، ما يرسّخ عملياً ضم المنطقة قبل أي اتفاق سياسي. ومع امتداد الطريق عبر المساحات الزراعية الفلسطينية، تُصبح إمكانية وجود تواصل جغرافي فلسطيني مستقل شبه مستحيلة، ما يدفع نحو واقع فصل شامل بين المدن والقرى في طوباس ومحيطها.
ختاماً
يمثل مشروع الطريق الجديد أحد أخطر مشاريع التغيير الجغرافي التي ينفذها العدو الصهيوني في الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة.
فهو ليس مجرد استيلاء على 1042 دونماً، بل خطوة استراتيجية تهدف إلى شطر الأغوار، وتفكيك الامتداد الجغرافي الفلسطيني، وتسهيل التوسع الاستيطاني، وتعزيز السيطرة العسكرية. ومع ربط المستوطنات بشبكة طرق أعلى تصنيفاً، تصبح الأغوار الشمالية أقرب إلى مناطق ضمّ فعلي لا يمكن التراجع عنه.
وما يجري اليوم في طوباس والأغوار هو إعادة رسم الخريطة على الأرض، وتحويل المنطقة إلى فضاء محكوم بالكامل بالمشاريع الصهيونية، فيما يُترك الفلسطينيون في جيوب معزولة تُفقدهم القدرة على الصمود والانتشار، ما يستدعي وقفة سياسية وشعبية عاجلة تتناسب مع حجم الخطر المتصاعد.