من البحر الأحمر إلى العالم.. انتكاسة أمريكية تعيد توزيع النفوذ البحري الدولي
يمانيون – تقرير
كشف موقع فوتوراسيونس الفرنسي في تقرير موسّع عن التحوّل الأبرز الذي تشهده الساحات البحرية الدولية، بعد الانتكاسة الكبيرة التي مُنيت بها الولايات المتحدة في البحر الأحمر خلال معركة الإسناد، حين خسرت ثلاث طائرات F-18 سوبر هورنت أمام عمليات القوات المسلحة اليمنية، وما تلاه من انسحاب أمريكي اعتبره الموقع “إهانة للهيبة البحرية الأولى في العالم”.هذا الحدث، وفق التقرير الفرنسي، لم يتوقف عند حدود الخسارة التكتيكية، بل شكّل نقطة انعطاف استراتيجية دفعت الخبراء لإعادة تقييم موقع القوة الأمريكية في المسرح البحري العالمي.
انسحاب واشنطن من مسرح الاشتباك: بداية الانهيار المعنوي
وأشار الموقع إلى أن الولايات المتحدة واجهت خلال الأسابيع الأخيرة “سيلاً من الحوادث البحرية” التي كشفت هشاشة غير مسبوقة في منظومة الردع التي بنت عليها واشنطن حضورها العالمي.
فخسارة ثلاث طائرات مقاتلة تجاوزت قيمتها 180 مليون دولار ليست مجرد تكلفة مالية، بل هي ضربة مباشرة لهيبة البحرية الأمريكية التي كانت تعتمد لعقود على الصورة الذهنية للقوة التي لا تُقهر.
ويضيف التقرير أن الانسحاب الأمريكي عقب الحادثة عكس مأزقاً عملياتياً ومعنوياً، إذ بدا أن واشنطن لم تعد قادرة على فرض معادلتها المعهودة في السيطرة البحرية أو الردع النشط. وهذا الانكشاف شكّل – وفق توصيف الموقع – بداية تساقط أوراق القوة التقليدية الأمريكية في بيئة لم تعد تستجيب للأدوات القديمة.
تفوق يمني في بيئة يفترض أنها محسومة لصالح واشنطن
وبشكل متتابع مع هذا الانكشاف، ركّز التقرير على أن النشاط المكثف للقوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، رغم محدودية الإمكانات التقنية مقارنة بالقوة الأمريكية، كشف قدرة فاعلة على كسر احتكار الولايات المتحدة للمبادرة.
فواشنطن التي دفعت بمجموعة حاملة طائرات ضاربة إلى البحر الأحمر بهدف فرض الهيبة ومنع أي نشاط “مزعزع” – بحسب مقاربتها التقليدية – فوجئت بأن وجودها العسكري الكثيف لم ينجح في تعطيل العمليات اليمنية، ولا في تقليص أثرها المتصاعد على خطوط الملاحة.
فشل الردع الأميركي: تداعيات تتجاوز المنطقة
كما ربط الموقع بين الفشل العملياتي وبين تداعيات أوسع على موقع الولايات المتحدة في النظام الدولي. فواشنطن، التي تقدم نفسها كقوة ضامنة لأمن الممرات البحرية، وجدت نفسها أمام اختبار حقيقي كشف أن هذه الضمانة بدأت تتآكل.
وبحسب التقرير، فإن هذا التراجع يشجع أطرافاً إقليمية وعالمية – مثل روسيا والصين – على استغلال الضعف المفاجئ في بنية الردع الأمريكية لإعادة توزيع أوراق القوة في الممرات البحرية الاستراتيجية، بما فيها البحر الأحمر والمحيط الهندي.
هذا الارتباط بين الفشل التكتيكي والتداعيات الجيوسياسية – كما يشير الموقع – يشكل الخطر الأكبر على واشنطن، لأن ما حدث لم يعد مجرد حادثة منفصلة، بل “سابقة” قادرة على تغيير سلوك دول وقوى كثيرة كانت تتعامل بحذر مع الوجود الأمريكي.
الحسابات البحرية الجديدة للبنتاغون
وانطلاقاً من هذه التحولات، انتقل التقرير الفرنسي إلى مناقشة التداعيات المحتملة داخل مراكز القرار في واشنطن.
فـ”دروس البحر الأحمر” – وفق الموقع – ستدفع البنتاغون إلى إعادة تقييم جوهر عقيدته البحرية، بما في ذلك:
- تطوير منظومات أكثر تقدماً لمواجهة الطائرات المسيّرة التي أثبتت فعاليتها.
- تعزيز الدفاعات الساحلية في مناطق الانتشار البحري الأمريكي.
- إعادة التفكير في الدور التقليدي لحاملات الطائرات التي لم تعد قادرة على فرض الردع كما في السابق.
- التوجّه نحو وحدات بحرية أصغر وأكثر مرونة تتناسب مع الحروب اللامتماثلة.
خلاصة
وخلص التقرير إلى أن ما جرى في البحر الأحمر لم يكن مجرد مواجهة عابرة، بل علامة فارقة في تاريخ الصراع البحري الحديث.
فالقوات المسلحة اليمنية نجحت في فرض معادلة جديدة قلبت توازنات القوة في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم، بينما وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام واقع لم تتوقعه:
قوة صغيرة نسبياً تقنياً، لكنها عالية الكفاءة تكتيكياً، تمكنت من كشف حدود الردع الأمريكي، وفرض أسئلة كبرى حول مستقبل السيطرة البحرية العالمية.
وتؤكد أن ما جرى في البحر الأحمر بداية مرحلة جديدة في موازين القوة البحرية الدولية، مرحلة لم تعد فيها الهيمنة الأمريكية مسلمة لا يمكن المساس بها.