من الميناء والمطار إلى المعركة الفاصلة.. اليمن لن يتراجعَ عن إسناد غزة
يمانيون../
باحثًا من بين أعمدة الدخان عن صورة نصرٍ زائف وإنجاز وهمي؛ شن كيان العدوّ الصهيوني عصر اليوم، عدوانًا جويًّا كثيفًا استهدف مطار صنعاء ومناطق متفرقة من العاصمة وبعض المحافظات اليمنية.
في مشهدٍ معلوم للجميع؛ أنهُ ولأكثر من تسعة عشر شهرًا حتى اليوم، لم يكن العدوان الأمريكي الصهيوني البريطاني على اليمن إلا جُزءًا من الحرب على غزة، حَيثُ شكل انخراط اليمن الكامل ضمن معركة طوفان الأقصى؛ -انتصارًا لغزة وإسنادًا لمقاومتها- بُعدًا استراتيجيًّا مهمًّا ومفصليًّا في سياق المعركة.
لكن السؤال الذي يقف أمامه الجميع: هل كان العدوان على مطارٍ بالكاد كان يعمل بالحدود الدنيا، ومصانع إسمنت ومحطات كهرباء ومنشآت مدنية؛ ضربة عسكرية فعّالة، أم هروبًا من مأزقٍ استراتيجي عميق يعيشه الكيان؟
صنعاء تحت القصف.. لكنها ليست تحت الضغط
صحيحٌ أن تدميرَ البِنية التحتية ليس بالأمر الجديد على كيان العدوّ، لكنه هذه المرة يحمل رمزية استثنائية؛ لأَنَّه يأتي ضمن معركةٍ لا تتعلق باليمن فقط، بل بكل الأُمَّــة؛ فاستهداف اليمن اليوم، يمثلُ استهدافًا لآخر قلاع الشرف والنخوة العربية، والمروءة الإنسانية.
ولأن اليمن كذلك، بات العدوّ يدرك جيِّدًا أنه لن يحقّق أيًّا من أهدافه العسكرية؛ إذ لم يعد يرى في اليمن “حديقةً خلفيةً” لبعض حلفائه، أَو فِناءً نضيرًا لبعض خصومه؛ بل يراها جبهة مواجهة رئيسية تُهدِّدُ حاضرَه ومستقبلَه.
إذ لم يكن هذا العدوان الصهيوني، هو الأول على مطار صنعاء؛ فقد سبقته هجمات لطيران تحالف العدوان السعوديّ الأمريكي الإماراتي بمئات الغارات خلال السنوات العشر الماضية، والذي أعلن في ديسمبر 2021م إخراجَ المطار عن الخدمة.
استهدافَه اليوم، حمل بُعدًا مختلفًا تمامًا؛ إذ إنهُ ليس جزءًا من الحرب على اليمن، بل جزء من الحرب على غزة، ورَدٌّ مباشرٌ على الانخراط اليمني الفعّال في حِصارِ كَيانِ الاحتلال جوًّا وبحرًا.
ويرى مراقبون، إذَا كان الاحتلال يظن أن تدمير مدارجِ المطار سيثني اليمن عن مواصلة عملياته، فهو واهم بقدر ما هو مذعور؛ لأَنَّ بنية الردع اليمنية لم تُبنَ على مطار يعمل أَو ميناء مفتوح، بل على عقيدةٍ قتاليةٍ صُلبة، وخبرة تكنولوجية صاعدة، وقدرة على تجاوز الحصار والضرب من خلف البحار.
اللافت اليوم، أن العدوّ الإسرائيلي، ولأول مرة، أطلق إنذارًا مباشرًا لسكان محيط مطار صنعاء لإخلاء المكان؛ ما يعكس بوضوح، خوفًا مفرطًا من الرد اليمني، خُصُوصًا بعد العملية الدقيقة التي استهدفت مطار اللد المسمى صهيونيًّا “بن غوريون”.
ظهور متحدث جيش الاحتلال “أدرعي” معلنًا عن الضربة، محاولةٌ لاقتباس قواعد الاشتباك اليمنية التي باتت تميِّزُ بين الأهداف العسكرية والمدنية، في مفارقةٍ تسحقُ كُـلَّ دعاوى الاحتلال عن “أخلاقيته” العسكرية.
في المقابل، يشي السلوكُ الإسرائيلي (التحذيري) بتكتيكٍ مخابراتيٍّ أَيْـضًا، حَيثُ يسعى العدوُّ إلى إثارة ردود أفعال يمنية عفوية على مواقع التواصل الاجتماعي، كما فعل سابقًا في لبنان؛ بهَدفِ جمع معلومات استخباراتية حول أماكنَ حساسة، وهو ما يعرفه اليمنيون جيِّدًا.
فشل مزدوج.. ورسائل مفضوحة:
اليمن التي ضربت المطار الصهيوني الاستراتيجي الأكثر تحصينًا في العالم بصاروخها الاستراتيجي دون أن تستهدف مدنيين، وأغلقت أجواء الاحتلال ببيانٍ واحد من متحدث قواتها المسلحة، هي اليوم أمام مفترقٍ جديد: إمّا أن تُفهَمَ الرسالةُ بالنار، أَو تُكتَبَ بالدم.
وبالتالي أمكن لنا قراءة أن العدوان الإسرائيلي ليس سوى غلاف دخاني لتغطية الفشل الأمريكي في تحقيق أيٍّ من أهداف عدوانه على اليمن؛ فــ بعد أن عجزت “واشنطن” عن فرضِ إيقاف العمليات اليمنية، جاءت “تل أبيب” لتجرِّبَ حظَّها.
ومع تأكيد المسؤولين اليمنيين سياسيين وعسكريين، وإصرارهم على أن الرد الناري قادم ولن يطول، فَــإنَّ الوعد اليماني واضح: لن يُرفع الحصار عن أجواء وبحار كيان الاحتلال حتى يُرفع الحصار عن غزة، والمعادلة ليست قابلة للتفاوض، كما لا يمكن إيقافها بالعدوان.
وبعيدًا عن الهدف العسكري الصهيوني المباشر، حملت غاراته الجوية في مضمونها حزمة من الرسائل المركَّبة:
أولًا، إلى صنعاء: “توقفوا عن محاصَرة أجوائنا وإغلاق مطاراتنا”، بعد أن أجبر التحذيرُ اليمني شركاتِ الطيران العالمية على وقف رحلاتها إلى مطارات الكَيان، وكما هو الحالُ مع شركات الشحن البحري العالمية.
ثانيًّا، إلى طهران: “نحن لا نزالُ قادرين على الوصول إليكم”، فالذي فتح لنا أجواءَه للوصول إلى اليمن سيفتحُها للوصول إليكم، في محاولةٍ يائسة لاستعادة صورة الردع المتآكلة عبر وسائل الإعلام الصهيونية والمتصهينة، والتي بدأت تتداول هذه المضامين.
ثالثًا، إلى الداخل الصهيوني: “نحن نرد.. نحميكم لا تخافوا”، في استعراض عضلات مهزوز يسعى لامتصاص غضب وذعر الجمهور الذي يرى صواريخ اليمن وهي تعبر فوق الأجواء المحتلّة وتصل إلى أهدافها، معلنةً بشائر “وعد الآخرة” وداعيةً بإسراعهم في حزم أمتعة المغادرة للأرض المغتصبة.
ومع وضوح الرسائل، فَــإنَّ توقيت الضربة ومحتواها العسكري يؤكّـد أنها كانت منسّقة بالكامل مع الإدارة الأمريكية، وفقًا لاعترف المسؤولين الصهاينة للإعلام العبري، في تكرار لسيناريو العدوان الثلاثي على اليمن (أمريكي-بريطاني-إسرائيلي)، الذي لم يفلح سابقًا ولن يفلح لاحقًا.
من اليمن تولد معادلات الردع الحقيقية:
ليس غريبًا على اليمن الذي قدّم شهداءَه في مواجهة جرائم الإبادة الجماعية الصهيونية على قطاع غزة، أن يدفعَ ثمنًا آخرَ، ليس اليوم؛ بل وكل يوم، والعدوّ يعلم جيِّدًا أنه بتماديه سيقدم لليمن الثمنَ الأغلى والباهِظ، والأكثر وجعًا.
إذ لم يكن الهجوم الصهيوني اليوم، إلا استفزازًا لن يُسكِتَ اليمن، بل سيدفعُه إلى مزيدٍ من التصعيد المدروس والموجع، فهو من أثبت أن قصفَه لا يأتي كردِّ فعل انفعالي، وإنما في إطار معادلاتٍ واضحة: “العينُ بالعين، والمطارُ بالمطار، والحِصارُ بالحِصار”.
وإذا كان العدوُّ الصهيوني، يرى في عدوانه “فرصةً لإنقاذ هيبته”، فليتأهَّبْ لردٍّ يُسقِطُ وَهْمَه؛ فما بعد اليوم ليس كما قبله، والأيّام القادمة ستشهد تدشينًا لمرحلةٍ جديدة معادلتها الأبرز ليست فقط ردعًا، بل كسرٌ للغطرسة الصهيونية وإلى الأبد.. والقادم أعظم.
عبد القوي السباعي| المسيرة