حماس تفرج عن الأسير عيدان.. غزة تصنعُ خرائطَ الانتصار
يمانيون../
في مشهدٍ يعكسُ انقلابًا في موازين التأثير، نجحت غزةُ المحاصَرة في فرض نفسها كرقمٍ صعبٍ في معادلة القرار الدولي، عبرَ بوابة التفاوض وصياغة خرائط النصر، متجاوزةً بذلك جبروتَ القوة الصهيونية والغطرسة السياسية الأمريكية.
في تفاصيل المشهد؛ قال الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام “أبو عبيدة”: “قرّرنا الإفراجَ عن الجُندي الصهيوني الأمريكي عيدان ألكسندر، اليوم الاثنين”.
إطلاقُ سراح الجندي الأمريكي-الإسرائيلي “عيدان ألكسندر”، لم يكن نتيجةَ مفاوضات مع كيان العدوّ الصهيوني، بل ثمرة قنوات مفتوحة ومباشرة بين حركة حماس والإدارة الأمريكية؛ ما يؤكّـد هشاشة القرار الإسرائيلي، وتراجع قدرته على فرض شروطه في مِلف الأسرى وغيرها من المِلفات، بدون التدخل الأمريكي.
تجاوز واشنطن لحليفتها الأبرز في المنطقة، وتفرُّدُها بصياغة التفاهمات، شكّل صفعةً سياسية لنتنياهو، كما رفع حماس كمفاوضٍ سياسي مباشر مع أمريكا، وهذا في حَــدِّ ذاته مكسبٌ سياسي وتكتيكي من الطراز الأول.
حدثٌ يمثّل تحولًا دراماتيكيًّا في طبيعة العلاقات الدبلوماسية، وأحدث صدعًا واضحًا في التنسيق “الأمريكي-الإسرائيلي”، الذي ظهر جليًّا في ردودِ الفعل المرتبكة داخل “كابينت” الحرب الصهيوني.
رسائلُ حماس السياسية والدبلوماسية:
حماس، التي أطلقت الأسيرَ الصهيوني “ألكسندر”، مساء اليوم، من شمالي خان يونس، في فعاليةٍ تجاوزت لُغة الكلمة، تؤكّـد استعدادَها لتبادل كُـلّ الأسرى، وفتح المعابر، ومناقشة طريقة الإدارة المستقبلية لقطاع غزة؛ وتضع الكرة في الملعب الأمريكي والإقليمي والدولي، وتمنح فرصةً حقيقية لوقف العدوان، بشروطِ الالتزام الجاد.
ما يلفت النظرَ أن هذه المشاهدَ التي أدهشت العالم، وتلك المبادَرة حملت لُغةَ الدولة المؤسِّسية والنضج السياسي في الموقف، مقارنةً بخطاب نتنياهو العدواني الذي اعترف “بمخطّط تطهير عِرقي ممنهج ضد غزة”.
إذًا المِلف وقع في يد ترامب الذي حقّق إنجازًا تسويقيًّا، وسط حالة قطيعة شبه معلَنة مع نتنياهو، وهو ما دفع الأخير، إلى محاولات يائسة للظهور بمظهر مَن يسيطر على الأمور، رغم أن حكومته أُبلغت بصفقة “ألكسندر” بعد إتمامها، بحسب وسائل الإعلام العبرية.
أما الصفعةُ السياسية الأقسى فجاءت من معارضين داخليين: “عيدان عاد بفضل جوازِه الأمريكي، لا بفضل الدولة”، هكذا علّق الكثير من الساسة الصهاينة والإعلاميين.
وتبدو دلالاتُ ما بعد الصفقة -بحسب الإعلام العبري- أن كَيانَ العدوّ سيضطرُّ إلى وقف العدوان مؤقتًا، وربما بشكلٍ دائم، المعابر ستُفتح، والمساعدات ستتدفَّق، وحماس ستحافظ على موقعها كقوةٍ على الأرض، وقوة مفاوضةٍ مركزية.
المشهد التفاوضي تحول من أدَاة ضغط على غزة، إلى فرصة حَـلّ شامل برؤيةٍ فلسطينية بحتة؛ فما بعد “عيدان”، يأتي الحديث عن تنفيذ خطط أُخرى –إطلاق سراح دفعات من الأسرى–؛ ما يعكس أن واشنطن تسيرُ بمنطق “ما بعد إسرائيل” في القرار.
البُعد السياسي.. ترامب يعيد التموضع:
إدارةُ ترامب تُراهِنُ على تسويةٍ ترضيها أمام الداخل الأمريكي والصهيوني المحتقن، وترضي المقاومة الفلسطينية واقعيًّا، بينما يصطدمُ الكيانُ بحسابات داخلية معقَّدة، ما بين رفضٍ سياسي من “بن غفير وسموتريتش”، وغضب شعبي من عائلات الأسرى، وتآكل في صورة الردع.
غير أن الرغبة الأمريكية في إتمام الصفقة تكشفُ عن نية ترامب خلطَ أوراق المِلف الفلسطيني–الإسرائيلي لعدة أهداف، منها تقديمُ نفسه كـ “صانع سلام” -أيضًا جاهَرَ ترامب غيرَ مرة بطموحِه للحصول على جائزة نوبل للسلام- من خلال صفقة في غزة تضمنُ تهدئة وعودة الأسرى، وتهدئة في المِلف الروسي الأوكراني، والتفاوض مع إيران، والنتائج الإيجابية التي حصدها مع الصين.
لكنَّ تسريبًا يروَّج عن رغبة ترامب بحَلِّ مِلف غزة رغمًا عن نتنياهو، واستثمار الإنجاز بشكلٍ مستقل سياسيًّا، يأتي تمهيدًا لزيارته المرتقبة إلى المنطقة، على رأسها السعوديّة، كورقةٍ يقدمها للحلفاء العرب ترفعُ عنهم الحَرَجَ أمام شعوب الأُمَّــة.
دلالات القوة لدى المقاومة:
فصائل الجهاد والمقاومة في غزة بقيادة حماس، تعاملت مع مِلف الأسرى من منطلق إنساني، وبالتالي فرضت مشهدًا تفاوضيًّا دوليًّا مع واشنطن مباشرة، وربطت الخطوةَ بسلسلة مَطالِبَ استراتيجية مشروعة.
حماس استثمرت الجندي “الإسرائيلي- الأمريكي” كورقةٍ ذكية لخلخلة جبهة الخصم السياسية والعسكرية، والتي أحدثت الانقسامَ الحاصلَ داخل المؤسّسات الصهيونية، وكشفت معطياتِها تفكُّكًا رهيبًا، واتّهاماتٍ مباشرة لنتنياهو بالفشل والإقصاء والتواطؤ.
تصريحات القادة الصهاينة -من اليمين إلى أقصى الشمال- كشفت أَيْـضًا عن أزمة ثقةٍ حادة، داخل الحكومة و”الكابينت” الصهيوني، إضافةً إلى أن الضغط الشعبي والإعلامي من عائلات الأسرى، حوّل “المِلفَّ” إلى قنبلةٍ سياسية في وجه حكومة الإجرام الصهيونية.
غزة تغيّر قواعدَ اللُّعبة:
حين يضطرُّ كَيانُ العدوّ لإيقاف عدوانه، بعد ظهور قيادي في القسام يقول: “تم تنسيق موعد الإفراج عن عيدان ألكسندر مع الصليب الأحمر اليوم الاثنين”، ومن قلب “خان يونس” التي دمّـرها العدوّ مدعيًا الانتصار فيها، فَــإنَّ صورة المنتصِر تتبدل.
لم يعد الردعُ يقاس بكمية القنابل والمجازر والدمار، بل بقدرة غزة على فرض الشروط، وتمرير المبادرات، وإشراك قوى دولية فاعلة في معادلة المواجهة وتوجيهها لصالحها.
وإذا كان “عيدان ألكسندر” هو أول المؤشرات، فَــإنَّ القادم قد يرسمُ نهايةَ العدوان لا بالبندقية فقط، بل بمنطق الانتصار الأخلاقي والواقعي.
وفي ظل سيناريو “الخُضُوع التدريجي”، باسم الضغط الأمريكي؛ بات العالم أمام أولى ملامح الهزيمة السياسية والعسكرية للكيان؛ فالمقاومةُ انتزعت منه ورقةً مفصلية، وأجبرت واشنطن على التعاطي المباشر معها، ودفعت العدوَّ الإسرائيلي إلى موقع التابع، لا المتصدِّر.
عبدالقوي السباعي| المسيرة