Herelllllan
herelllllan2

كيف غيّرت المسيرة القرآنية المباركة نظرة اليمنيين إلى الشهادة في سبيل الله؟

تعتبر مسألة الشهادة في سبيل الله من أعمق وأسمى القضايا التي تشكل أساسًا للعقيدة الإسلامية وروح الجهاد في المجتمعات المسلمة،  وفي اليمن، شهدت نظرة اليمنيين للشهادة تحولًا جذريًا بفضل المسيرة القرآنية المباركة التي قادها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، ثم استمر في إثرائها وتطويرها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)،  هذا التقرير يسلط الضوء على كيف غيّرت هذه المسيرة المباركة المفهوم التقليدي للشهادة، فحولتها من مأساة شخصية إلى قيمة سامية ومصدر عز وفخر ديني ووطني.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

 

أهمية هذا التقرير تكمن في توثيق هذا التحول الفكري والوجداني والاجتماعي، وفهم كيف يمكن لفكرة قرآنية نابعة من جذور إيمانية أن تغير واقع شعب بأكمله، وتُعيد تشكيل هويته وعلاقته بحياته ومستقبله.

 

الشهادة في القرآن الكريم .. موقع رفيع ووعد إلهي

الشهادة في النص القرآني تحظى بمكانة عظيمة، إذ اعتبر الله الشهداء أحياء عنده يُرزقون، وأثنى على من يقدّمون أنفسهم فداءً في سبيل الله ، قال تعالى:  (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(آل عمران: 169) ، وفي موضع آخر قال سبحانه: (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 111) ، هذه الآيات الكريمة وغيرها التي وردت في القرآن الكريم كانت بمثابة الأساس الروحي الذي انطلقت منه المسيرة القرآنية في تقديم الشهادة كقيمة عظمى ومنزلة إلهية رفيعة، لا كخسارة جسدية.

 

الشهادة في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)

رأى الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) أن الشهادة تمثّل أرقى صور الوفاء مع الله، وهي عنوان الصدق والإيمان والثبات،  لم تكن الشهادة لديه موتًا فرديًا، بل طريقًا لصناعة الحياة للأمة، ووسيلة للتحرر من الهيمنة والخوف.

قال في أحد دروسه: (االله سبحانه وتعالى قد منح الشهيد الحياة الأبدية منذ أن تفارق روحه جسده عندما قال سبحانه وتعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169)، إذاً فالخسارة الحقيقة هي: أن يكون الإنسان متهرباً من الحياة الأبدية، إذا كنت تخاف من الموت؛ فإن المفترض منك هو أن تكون ممن يحرص على أن يكون حياً فلا يدخل في غيبوبة مطلقة من بعد أن تفارق روحه جسده، ستكون حياً)  ، وقد جعل من الشهادة مشروعًا قرآنيًا يعيد ربط الأمة بجذورها العقائدية والجهادية، ويدفعها لمواجهة الطغاة دون وجل أو تردد.

 

في محراب آل البيت.. الشهادة عزّ أبدي خالد

من كربلاء الحسين إلى ميادين الجهاد في اليمن، ظل نهج الشهادة هو البوصلة التي يهتدي بها الأحرار. فالشهادة في فكر المسيرة ليست فكرة مبتدعة، بل امتداد حيّ لخط آل البيت عليهم السلام، الذين اختاروا الموت بعز على الحياة بذل.

يردد المجاهدون في الجبهات شعار الإمام الحسين: (هيهات منا الذلة) ، ويعتبرون الشهادة وسيلة للالتحاق بركب الحسين والعباس وزينب وفاطمة عليهم السلام ، فأصبح اليمنيون يقدمون أبناءهم إلى محراب الشهادة وعندما يزفون إليهم يخرجون برقاب عالية تفاخر بمقام أبنائهم عند الله ، على خطى آل بيت النبوة ,

 

 الشهادة درس نبوي عمده الإمام علي عليه السلام بدمه الطاهر 

تُعتبر الشهادة في سبيل الله من أعظم الدروس التي تركها النبي محمد صلوات الله عليه وآله لأمته، فهي جوهر الدين وعمدته التي يستقيم بها الإيمان والعمل،  وكانت حياة وسيرة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام خير مثال حي على ذلك، فقد جسّد بشجاعته وإيمانه وتضحيته درسًا لا ينضب في معنى الاستشهاد الذي لا يموت، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فوق كل برٍّ برٌّ حتّى يُقتلَ الرَّجل في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله عزّ وجل فليس فوقه برّ). فالشهادة ترتفع قيمتها وتعلو طالما أنّها تُشكّل فرصة لقاء الله الذي هو غاية آمال العارفين كما في الدعاء عن الإمام السجاد عليه السلام: “يَا مَنْ أَنْوَارُ قُدْسِهِ لِأَبْصَارِ مُحِبِّيهِ رَائِقَةٌ وَسُبُحَاتُ وَجْهِهِ لِقُلُوبِ عَارِفِيهِ شَائِقَةٌ يَا مُنَى قُلُوبِ الْمُشْتَاقِينَ وَيَا غَايَةُ آمَالِ الْمُحِبِّين

 

ثقافة الشهادة في المجتمع اليمني .. من الحزن إلى الوعي والفخر

غيّرت المسيرة القرآنية النظرة المجتمعية تجاه الشهادة، فبعد أن كانت تُرى كمأساة، أصبحت مصدر عز وفخار، في القرى والمدن، أصبحت صور الشهداء تُعلّق في الشوارع، وأسماؤهم تُطلق على المدارس، وأيام ذكراهم تتحول إلى مواسم فخر واعتزاز.

 

الاهتمام بأسر الشهداء على ضوء موجهات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)

أولى السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) اهتمامًا بالغًا بأسر الشهداء، مؤكدًا أن الواجب الديني والأخلاقي يحتّم تكريمهم ماديًا ومعنويًا، فهم شركاء في النصر، قال في أحد خطاباته: الشهيد قدّم روحه، وأسرته قدّمت قلبها، وهذه الأسر أمانة في أعناقنا جميعًا.

على الصعيد الرسمي: تأسست مؤسسة رعاية أسر الشهداء لتقديم الدعم والرعاية لأسر الشهداء ثم أنشأت بموجب قرار رئاسي هيئة رسمية لرعاية أسر الشهداء وهي المعنية الآن بتكريمهم ورعايتهم ، من خلال توفير منح دراسية وخدمات طبية لأبناء الشهداء ، وتخصيص وظائف وفرص تأهيل لأفراد الأسرة ، أما على الصعيد الشعبي ، فيتم تنظيم زيارات دورية لأسر الشهداء وتكريمهم في الفعاليات ، وتخصيص جوائز وهدايا رمزية في المناسبات ، وإشراك أسر الشهداء في الأعمال الاجتماعية والخيرية.

 

الخاتمة

بفضل المسيرة القرآنية المباركة، لم تعد الشهادة في اليمن مجرد واقعة مؤلمة، بل تحولت إلى ثقافة وهوية، بات الشهيد رمزًا للحياة، وأسرته أيقونة للصبر، ومجتمعه جسدًا واحدًا يحميه ويفتخر به. ومن خلال رؤية قرآنية واعية، وقيادة متبصّرة، أعادت هذه المسيرة تعريف الشهادة كأعلى مراتب الوجود، وأقدس صور الانتصار.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com