Herelllllan
herelllllan2

الباقر عليه السلام.. كاسر طوق الحصار الأموي وعضد ثورة الإمام زيد ونصيره

يعد الإمام محمد الباقرنجل الإمام زين العابدين عليهما السلام, أحد أئمة أهل البيت والعلماء الأفذاذ, وقادتها الذين كان لهم دور بارز في نشر مفاهيم الإسلام الصحيحة, ومواجهة الإنحراف والتحريف للدين وتعاليمه, وكان شاهدا عيانا على ما ارتكبه طواغيت النظام الأموي بحق جده الإمام الحسين وأهل بيته في كربلاء, حيث شهد تلك المأساة في بداية حياته التي تحولت في وجدانه إلى نواة لإحياء الروح الثورية الحية والهاب الحماس في العقول والقلوب والإرادة لمواجهة الظالمين, واستطاع بحركته العلمية الواسعة كسر طوق الحظر الذي فرضه حكام بنو أمية على أبناء الأمة لإبعادها عن مصدري عزتها وكمالها, المتمثلة بالعودة الصادقة إلى كتاب الله واتباع محمد وآله وبث الوعي المطلوب في أبناء الأمة بذلك.

وبينما كان مشغولاً بمسارات الإصلاح في الوسط الإسلامي وتوسعة القاعدة الشعبيّة لأهل البيت عليهم السلام ,كان في الوقت نفسه يوجّه الأنظار إلى ثورة أخيه الإمام زيد عليه السلام الّتي ستنطلق في المستقبل، ويحذّر من خذلانه، فيقول: “إنّ أخي زيد بن عليّ خارج فمقتول على الحقّ، فالويل لمن خذله والويل لمن حاربه، والويل لمن قاتله”.

يمانيون| أعد المادة للنشر: محسن علي الجمال

 

اسمه ونسبه:

الإمام الباقر محمد بن علي(زين العابدين) بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام, وكنيته “أبو جعفر”

 

أشهر ألقابه

باقر علم النبي ، باقر علوم النبيين ، الباقر , وقد أشار النبیّ صلی الله عليه وآله وسلم إلى هذا اللقب قائلاً: يبقر العلم بقراً.

شجرته:

أبوه : الإمام زين العابدين .

أمه : فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى ( عليه السَّلام ) .

 

ولادته

ولد في المدينة المنورة , يوم الاثنين أوّل شهر رجب سنة ( 57) هـ.

 

نشأته

نشأ الإمام محمد الباقر(عليه السلام) في بيت من أعظم بيوتات العرب ، هو بيت آل محمد (صلى الله عليه وآله) مهبط الرسالة ومستقر الوحي، وقد حظي الإمام باهتمام بارز من قبل جده الإمام الحسين سبط رسول الله لمدة 4 سنوات, وكذلك مع أبيه الإمام زين العابدين (عليهما السلام) وهما يهيئانه للدور القيادي الذي سوف يناط به، ومما لا شك فيه ان الامام الباقر قد عاش في كنف والده الامام علي بن الحسين مدة خمس وثلاثين سنة إلا شهرين، وقد لازمه وصاحبه طيلة هذه المدة فلم يفارقه ، فافرغ عليه أشعة من روحه المقدسة التي أضاءت أفاق هذا الكون، وأفاض عليه ما استقر في نفسه من نور النبوة وهدى الله.

 

من كلماته المضيئة

-قال الإمام أبو جعفر الباقر (ع) :”نحن ولاة أمر الله وخزائن علم الله وورثة وحي الله وحملة كتاب الله طاعتنا فريضة وحبنا إيمان وبغضنا كفر”.ويقول عليه السلام :”برأ الله ممن يبرأ منا لعن الله من لعننا أهلك الله من عادانا”.

-«إنّه ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل ينصرف إلى وجوه»

-«… أَ يَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ! فَوَ اللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَ أَطَاعَهُ. وَ مَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ ، وَ التَّخَشُّعِ ، وَ الْأَمَانَةِ ، وَ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ ، وَ الصَّوْمِ ، وَ الصَّلَاةِ ، وَ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ ، وَ التَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَ أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَ الْغَارِمِينَ وَ الْأَيْتَامِ ، وَ صِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ، وَ كَفِّ الْأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ ، وَ كَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ … »

– ” عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ عَابِدٍ “

– ” الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ ، وَ الصَّبْرُ عَلَى النَّائِبَةِ ، وَ تَقْدِيرُ الْمَعِيشَةِ ”

– عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ  ( عليه السَّلام ) يَقُولُ : ” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : ” لَا يُحَالِفُ الْفَقْرُ وَ الْحُمَّى مُدْمِنَ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ ”

– ” إيَّاكَ وَ الكَسَلَ وَ الضَّجَرَ ، فَإنَّهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرِّ ، مَنْ كَسَلَ لَمْ يُؤَدِّ حَقَّاً ، وَ مَنْ ضَجَرَ لَمْ يَصْبِرْ عَلى حَقٍّ ”

– إنَّ المُؤْمِنَ أخُ المُؤْمِن لا يَشْتِمَهُ وَ لا يَحْرِمَهُ وَ لا يَسِي‏ءُ بهِ الظَّن ”

– ” أفْضَلُ العِبادَةِ عِفَّةُ البَطْنِ وَ الفَرْج ”

– ” إنَّ اللهَ يُحِبُّ إفْشَاءَ السَّلامِ ”

 

الإمام الباقرعلى لسان أقرانه ومعاصريه

-يقول ابن حجر الهيتمي: «أبو جعفر محمد الباقر، أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علَمه ورافعه … عمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة …»

-تحدّث عبد الله بن عطاء عن إكبار العلماء وتعظيمهم للإمام الباقرعليه السلام وتواضعهم له، وهو من الشخصيات البارزة والعلماء العظام ما قوله: «ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي لتواضعهم له …»

-أما الذهبي فقد كتب في وصف الإمام الباقرعليه السلام قائلاً: «كان الباقر أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤود والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة»

-من الأشعار التي أنشئت في الإمام الباقرعليه السلام، قول الشيخ حسين البحراني:

سأقضي حياتي بالكآبة والشجا             على باقر العلم الذي ليس يوجد

له شبه في العالمين وقد حوى              فنون علوم الله فهو الموحد.

إمامته

تقلّد الإمام الباقرعليه السلام منصب الإمامة في سنة 95 هـ, بعد شهادة أبيه، واستمرت إمامته وقيادته 19 عاما إلى حين شهادته في سنة 114 هـ أو 117هـ , كما عاصرت فترته خمسة من طواغيت الخلافة لبني أمية .

 

حضوره في كربلاء

لقد قضى الإمام طفولته في المدينة في أحضان والده وجدّه لمدة أربع سنين, وقد شهد واقعة عاشوراء في كربلاء, ، وشاهد المحن الكبرى التي تواكبت على آل البيت (ع) وقد وعاها ، وارتسمت فصولها الحزينة في اعماق نفسه ودخائل ذاته ، وظلت مناظرها الرهيبة ملازمة له ولأبيه الامام زين العابدين طوال حياتهما.

واقبل علماء المسلمين ورواتهم على الامام أبي جعفر (ع) وهم يسألونه عما شاهده وما سمعه من أبيه من رزايا كربلاء، وما جرى على العترة الطاهرة من صنوف القتل والتنكيل ، وكان (ع) يزودهم بمعلوماته عنها ، وهم يدونونها, وقد دون العلماء في ذلك العصر وما تلاه حوالي ستين مؤلفا كلها بعنوان « مقتل الحسين».

حيث يشير الإمام نفسه في إحدى رواياته إلى هذا المعنى بقوله: «قتل جدي الحسين ولي أربع سنين وإني لأذكر مقتله وما نالنا في ذلك الوقت».

 

الثورة العلمية

لم تكن شهرة الإمام الباقر العلمية مقتصرة على أهل الحجاز، بل عمّت العراق وخراسان بشكل واسع , وما بين 94 إلى 114هـ, قاد الإمام الباقرعليه السلام في تلك الحقبة الزمنية حركة علمية واسعة استمرت حتى بلغت ذروتها في إمامة ابنه الإمام الصادق عليه السلام، فقد حصل بعد ظهور الإمام الباقر تقدّم واسع في هذا الصعيد , وفي الوقت نفسه وبسبب ضعف الدولة الأموية إثر النزاع الحاصل بين الزعامات للسيطرة على الحكم والسلطة, ظهرت الكثير من الفرق المحسوبة على الإسلام والتي منها: مثل الخوارج والمرجئة والكيسانية والغلاة، وبدأت بنشر وإشاعة عقائدها بين الناس.

وأمام ذلك اتّخذ الإمام الباقر موقفاً شديداً مقابل سائر الفرق الإسلامية المنحرفة، وحاول – جاهداً – بهذا الموقف أن يضع حدّاً فاصلاً بين عقائد أهل البيت الصحيحة في الأصعدة المختلفة، وبين عقائد سائر الفرق، فقد كان يقول عن الخوارج ما نصّه: «إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين أوسع من ذلك»

كما أنه سلام الله عليه خصص جانباً كبيراً من وقته لتفسير القرآن، حيث تناول فيه جميع شؤونه, وكذلك في اهتمامه بتصحيح الأحاديث الواردة عن جده رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم وعن آبائه, وكان له دور متميز في مجابهة العقائد الباطلة ومواجهة انتشار الأفكار المنحرفة التي سادت الوسط الإسلامي في عهد بنو أمية.

 

ضعف البيت الأموي بعد أحداث عاشوراء

عاش الإمام الباقر عليه السلام فترة حكم بني أمية بمرحلتي بني سفيان وبني مروان، هذه الفترة التي تميزت بتعبئة العالم الإسلامي في مواجهة أهل البيت عليه السلام ، بكل أساليب الدعاية والإغراء المادي والمعنوي، فإن أعلن عداءه لنهج أهل البيت عليه السلام وإلا لم يكن له إلا الاضطهاد والظلم والقمع وفي كثير من الأحيان حد السيف.

في هذه الأجواء وبعد أحداث عاشوراء ومفاعيلها، قام الإمام الباقر عليه السلام وسط كل تلك الضغوط النفسية والمادية ليقوم بدوره ضمن مرحلته.

ولكن رغم كل الأجواء الضاغطة كان هناك فسحة من الراحة نتيجة انشغال الأمويين بنزاعاتهم الخاصة للاستيلاء على الحكم بالإضافة إلى الكثير من الثورات التي انطلقت تباعاً بعد واقعة كربلاء والتي أضعفت الحكم الأموي غير أن الإمام استفاد من هذا الضعف في ظل هذه الأجواء الحاكمة.

 

3 عوامل ميزت المرحلة

أ- انتشار الخوف في كافة المناطق الإسلامية خصوصاً بعد واقعة الحرة.

ب- الانحطاط الفكري الذي كان يعمّ أكثر الناس في العالم الإسلامي وهذا كان نتيجة للابتعاد عن التعاليم الدينية خلال سنوات طويلة وتغييب دور أهل بيت رسول الله وأعلام الهدى .

ج- الفساد السياسي المتفشي بين الحكام سواء في المستوى النظري أو العملي.

في ظل هذه العوامل بدأ الإمام السجاد عليه السلام بالعمل المتواصل والدؤوب، وأكمل ابنه الإمام الباقرعليه السلام، ولكن في زمنه كان الوضع قد تحسن عما كان عليه وذلك بفضل جهود الإمام زين العابدين عليه السلام ولكن ما كان يميز عصر الإمام هو أن الناس لم يعودوا متصفين بعدم الاكتراث وعدم الولاء لأهل البيت عليهم السلام كما كانوا عليه.

 

مشاكل العصر

لقد وصل الانحراف في عصر الإمام الباقر عليه السلام إلى ذروته، سواء على مستوى الحكم والسلطة أو على المستوى العقائدي والديني والثقافي، فالحكم صار كتلة ظلم وجور، والعقائد والمفاهيم صارت تتضاربها الأهواء فكثرت المدارس وتعددت المناهج وتعمّقت الخلافات فعمد إلى إعادة المسلمين إلى المنهج الصحيح حيث كان يقول:

يقول عليه السلام:”نحن ولاة أمر الله وخزائن علم الله وورثة وحي الله وحملة كتاب الله طاعتنا فريضة وحبنا إيمان وبغضنا كفر”.ويقول عليه السلام :”برأ الله ممن يبرأ منا لعن الله من لعننا أهلك الله من عادانا”.

 

كسر طوق حظر بنو أمية

لقد تنوعت أساليب الإمام عليه السلام في مساراته العملية في إصلاح طبقات المجتمع, وبذل جهودا كبيرا في كسر طوق الحظر الذي فرضه حكام بنو أمية على أبناء الأمة لإبعادها عن مصدري عزتها وكمالها, المتمثلة بالعودة الصادقة إلى كتاب الله وإلى اتباع محمد وآله وبث الوعي المطلوب في أبناء الأمة بذلك, كما أسهم في نشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة المرتبطة بالحياة الاقتصادية, وكذا بناء المؤسسات الثقافية وتشييدها , وكان له الدور الرئيس في بناء وتأسيس مدرس المدينة المنورة التي انتهجت نهج آل البيت في نشر العلم والمعرفة, بهدف تعميق الارتباط بهم فكراً ومنهجاً واستلهام روح الثورات منهم, والاستمرار على نهجهم.

 

مواجهة الإمام الباقر عليه السلام

كان لا بد للإمام عليه السلام أن يتحرك بشكل هادئ حتى لا يثير أنظار السلطان وأتباعه، من هنا نجده يقوم بانقلاب شعبي كبير وجذري يبدأ من الثقافة والعلم والمفاهيم، وهو هادئ بقدر ما هو جذري، ولم يبادر إلى الأعمال الساخنة التي تجلب نظر السلطة بشكل مباشر، وقد أخذت الوفود العلمية تترى إليه لتأخذ عنه العلوم والمعارف، وما قصد أحد من العلماء مدينة النبي صلى الله عليه وآله إلا عرج عليه ليأخذ عنه معالم الدين, فتركّز عمل الإمام الباقر عليه السلام ونشاطه على إصلاح الواقع الفاسد والّذي كان يدور حول محورين أساسين هما:
محور الأمّة الإسلاميّة وهو محور النشاط العامّ, والآخر اتباع أهل البيت عليهم السلام محور النشاط الخاص.

– الإصلاح السياسيّ‏
استثمر الإمام عليه السلام بعض أجواء الانفراج السياسيّ النسبيّ لبناء وتوسعة القاعدة الشعبيّة، وتسليحها بالفكر السياسيّ السليم، وتجلّى دوره الإصلاحيّ في الممارسات التالية:

أ – الدعوة إلى تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: لكونهما يحرّران الإنسان والمجتمع من جميع ألوان الانحراف في الفكر والعاطفة والسلوك، يقول عليه السلام:
“إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين، وفريضة عظيمة بها تُقام الفرائض وتأمن المذاهب… وتُردّ المظالم وتعمر الأرض، ويُنتصف بها من الأعداء”

ب- نشر المفاهيم السياسيّة السليمة: وجّه الإمام عليه السلام الأنظار إلى دور أهل البيت عليهم السلام في قيادة الأمّة نحو الرشاد فقال: “نحن ولاة أمر الله وخزائن علم الله، وورثة وحي الله، وحملة كتاب الله، وطاعتنا فريضة، وحبّنا إيمان، وبغضنا كفر، محبّنا في الجنّة، ومبغضنا في النار”. وحذّر الأمّة من الابتعاد عن نهج أهل البيت عليهم السلام، وحثّ على نصرتهم عليهم السلام، وأكّد أنّ تولّي الإمام لمنصب الإمامة منحصر بالنصّ.

ج- الدعوة إلى مقاطعة الحكم القائم: فبالإضافة إلى كشف الإمام عليه السلام حقيقة الحكم الأمويّ، والجرائم الّتي ارتكبها بقوله: “… وكان عِظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن، فقُتلت شيعتنا بكلّ بلدة، وقطعت الأيدي… ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين” ، فقد دع عليه السلام إلى مقاطعة الحكم الجائر ونهى عن إسناده، فقال ـ في معرض جوابه عن العمل معهم ـ: “ولا مدّة قلم، إنّ أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلّا أصابوا من دينه مثله”

 

الباقر يحذر من خذلان ثورة الإمام زيد
كان لثورة الإمام الحسين عليه السلام دور كبير في إحياء الروح الثوريّة، وإلهاب الحماس في العقول والقلوب والإرادة، لمقاومة الظالمين. ولهذا أكّد الإمام الباقر عليه السلام على جعل الثورة حيّة تمنح الناس طاقة ثوريّة لخوض المواجهة في دقّتها وظرفها المناسب, وبينما كان مشغولاً بتوسعة القاعدة الشعبيّة، لكي تنطلق فيما بعد لإكمال العدّة والعدد, كان في الوقت نفسه يوجّه الأنظار إلى ثورة أخيه الإمام زيد عليه السلام الّتي ستنطلق في المستقبل، ويحذّر من خذلانه، فيقول: “إنّ أخي زيد بن عليّ خارج فمقتول على الحقّ، فالويل لمن خذله والويل لمن حاربه، والويل لمن قاتله”.

 

الانقلاب الكبير والجذري

حينما وصل الانحراف في عصر الإمام الباقر عليه السلام إلى ذروته، سواء على مستوى الحكم والسلطة أو على المستوى العقائدي والديني والثقافي في سلطات بنو أمية ومروان المتعاقبة, قام الإمام بانقلاب شعبي كبير وجذري يبدأ من الثقافة والعلم والمفاهيم ويتلخص بإعادة المسلمين إلى منهج الأئمة عليهم السلام والاهتمام تفسير القران الكريم وترويج الحديث, ,ولقد اهتم بنشر أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهارعليهم السلام لما لها من أهمية في معرفة الدين وتفصيل تشريعاته وشرح كتاب الله وبيان اياته, ولم يكتفِ بنشر الحديث وترويجه بين الناس بل حثهم وشجعهم على المعرفة والفهم لهذه الأحاديث والتعاطي معها تعاطي دراية، بالإضافة إلى تأسيس أصول الفقه وقواعده, كما قام بأداء دور القدوة في ذلك, فكان عليه السلام يعالج الواقع الفاسد معالجة عمليّة من خلال سيرته الحسنة.

 

الإصلاح الفكري والعقائدي
بعد نشوء التيّارات السياسيّة والفكريّة المنحرفة تطلّب الأمر إصلاحاً فكريّاً وعقائديّاً يتراوح بين ردّ الشبهات والأفكار المنحرفة من جهة، وبيان البديل الصالح والفكر السليم من جهةٍ أخرى، وتمّ ذلك بأساليب عديدة، منها:

أ- المواجهة العلنيّة للحركات المنحرفة: فقد واجه الإمام عليه السلام ,

-حركة الغلاة:

الّتي نشطت بقيادة المغيرة بن سعيد العجلي، فكان يلعنهم أمام الناس، وحركة المرجئة الذين قال عليه السلام فيهم: اللّهم العن المرجئة فإنّهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة”

-حركة المفوّضة والمجبّرة:

وكان عليه السلام يحذّر منهما بقوله: “إيّاك أن تقول بالتفويض فإنّ الله عزّ وجلّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهناً وضعفاً، ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً”.

-المرجئة

وهم الذي حكموا بمشروعية أعمال الخلفاء وتركت الحكم فيما اقترفوه من الأحداث الجسام إلى الله يوم القيامة, وقد قال عليه السلام محذراً منهم:”اللهم العن المرجئة فإنهم أعداؤنا في الدنيا والاخرة”.

 

مناظرات الإمام

كانت من جملة النشاطات العلمية للإمام الباقرعليه السلام هي مناظراته المتعددة التي جرت بينه وبينه مع الكثير من العلماء والمفكرين بل ومع الزنادقة والمنحرفين وفي شتى المواضيع المختلفة، وكان منها:

مناظرته مع أسقف النصارى

و مع الحسن البصري

و مع قتادة بن دعامة

و مع هشام بن عبد الملك

و مع محمد بن المنكدر

و مع نافع بن الأزرق

و مع عبد الله بن معمّر الليثي

و مع قتادة بن دعامة.

 

كذب كعب الأحبار..!

من الفئات التي كانت موجودة آنذاك في المجتمع الإسلامي وكان لها تأثير عميق في ثقافة المجتمع ذلك الوقت هم اليهود، فقد انتشر في المجتمع الإسلامي آنذاك مجموعة من أحبار اليهود الذين تظاهروا باعتناق الإسلام, واستعان بهم خلفاء بنو أمية وكانوا معهم في سدة الحكم, فقاموا بالإنحراف والتحريف والمسخ للهوية الإسلامية والإيمانية, للسيطرة على بسطاء المجتمع الإسلامي وتشويه ثقافته والهيمنة على أفكارهم, وقد تصدّى الإمام عليه السلام لهم بقوة ,وقد أشار زرارة إلى هذه القضية بقوله:

كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفرعليه السلام، وهو محتبٍ مستقبل القبلة، فقال: أما إن النظر إليها عبادة, فجاءه رجل من بجيلة، يقال له عاصم بن عمر، فقال لأبي جعفر: إنّ كعب الأحبار كان يقول: إنّ الكعبة تسجد لـبيت المقدس في كل غداة.

فقال له أبو جعفر: فما تقول فيما قال كعب؟

قال: صدق القول ما قال كعب.

فقال له أبو جعفر: كذبت، وكذب كعب الأحبار معك، وغضب …

ثم قال: ما خلق الله عزّ وجلّ بقعة في الأرض أحبّ إليه منها.

 

شهادته

استشهد مسموما بتاريخ7 ذو الحجة عن عمر يناهز 57عاما, سنة ( 114) هـ بأمر من الطاغية الأموي هشام بن عبد الملك, ودفن بمقبرة جنة البقيع بالمدينة المنورة.

 

المراجع والمصادر:

– التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة

– مناقب آل أبي طالب.

– حياة الإمام محمّد الباقر(ع) – باقر شريف القرشي

– بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)

– الكافي

-تحف العقول

-الطبري، دلائل الإمامة،

-ابن الجوزي، تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي

– مروج الذهب للمسعودي

-ابن حجر، الصواعق المحرقة

-الذهبي سير أعلام النبلاء

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com