بين الجبال والوديان .. سر بركة اليمن ومكانتها القرآنية ؟
بين تضاريس مدهشة تأخذك من الشواطئ الدافئة إلى قمم الجبال الباردة، ومن السهول المترامية إلى الأودية المتعرجة، تتربع اليمن على مساحة غنية بتنوعها الطبيعي والجيولوجي والمناخي، حتى تكاد تكون خارجة عن النمط الصحراوي المعروف للجزيرة العربية.
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
في هذا التقرير، نأخذ القارئ في رحلة عبر أرض اليمن المباركة، مستعرضين ملامحها الجغرافية، وتضاريسها المتنوعة، ومناخها الفريد، من خلال عدسة قرآنية وروح تأملية تربط بين الآيات الكونية والآيات القرآنية ،ونهدف من خلاله إلى إبراز التكامل البيئي الطبيعي في اليمن من جبال، ووديان، وسهول، وبحار، وأنهار، وتسليط الضوء على الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن وأثره التاريخي والحضاري ، تحليل كيف أن القرآن الكريم أشار إلى بركة أرض اليمن، وربط بين خصوبتها واستقرارها، وبين شكر النعمة واستمرارها، إن فهمنا لبركة اليمن لا يكتمل إلا من خلال قراءة واعية لمعطياتها الجغرافية ومكانتها في النص القرآني، وهو ما يسعى هذا التقرير إلى تقديمه، بعيدًا عن التنظير المجرد، وقريبًا من الواقع والطبيعة التي ما تزال تُدهشنا بجمالها وسخائها.
الموقع الاستراتيجي .. اليمن قلب الجزيرة
تقع اليمن في أقصى الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية، مطلة على البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، تحكم أهم المضائق البحرية في العالم، باب المندب، وترتبط جغرافيًا وثقافيًا بتقاطع طرق التجارة القديمة بين آسيا وإفريقيا والشام ، قال تعالى: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرة وقدرنا فيها السير…)، (سورة سبأ، الآية 18)، ارتبطت اليمن عبر طرق التجارة ببلاد الشام، وهي الأرض التي بارك الله فيها، مما يشير إلى أن البركة تتسع من موقعها وتشملها.
تنوع مناخي فريد .. أرض المواسم والمرتفعات
رغم أن الجزيرة العربية تغلب عليها الصحارى، إلا أن اليمن مختلفة، فالمناخ فيها يتنوع بين الساحلي الحار، والجبلي المعتدل، والصحراوي الجاف ، هذا التنوع جعلها مركزًا زراعيًا عبر التاريخ، حيث تنمو فيها البن، والفواكه، والخضروات، وتشتهر بـ ’’المدرجات الزراعية’’ التي تعكس عبقرية الإنسان اليمني في استغلال تضاريسه، قال تعالى:
(كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور)، (سورة سبأ، الآية 15)
أودية وجبال وسهول وبحار وأنهار اليمن .. لوحة الطبيعة المتكاملة
الجبال معاقل الطبيعة والماء .. تشكل سلاسل الجبال اليمنية، مثل جبال ريمة، صنعاء، يافع، إب، عصب الحياة في البلاد، فهي تسهم في جلب الأمطار وتخزين المياه الجوفية، كما تنظم درجات الحرارة وتوفّر بيئة خصبة للزراعة والرعي، قال تعالى : (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم…)، (سورة النحل، الآية 15)
الوديان شرايين الحياة والإنتاج .. تحتضن اليمن عشرات الأودية الخصبة، منها، (وادي حضرموت – وادي زبيد – وادي سردد – وادي بنا)، هذه الأودية تُسقى من مياه الأمطار المنحدرة من الجبال، وتتحول إلى مناطق زراعية غنية، تُزرع فيها الذرة، والفواكه، والقات، والبن.
السهول أرض الخير الممتد .. في المناطق الساحلية مثل تهامة وأبين وعدن، تمتد سهول زراعية خصبة، هذه السهول تُعد من أكثر الأراضي إنتاجًا بفضل الرواسب النهرية والمياه الجوفية.
البحار اليمن بين موجتين .. يحد اليمن من الغرب، البحر الأحمر، ومن الجنوب، بحر العرب وخليج عدن، هذا يجعل اليمن بلدًا بحريًا بامتياز، غنيًا بالأسماك والثروات البحرية، إضافة إلى أهميته الجيوسياسية العالمية.
الأنهار والسيول مواسم الحياة .. لا توجد أنهار دائمة كبيرة في اليمن، لكن السيول الموسمية والأنهار المؤقتة (مثل وادي حرض ووادي أملح) تؤدي دورًا جوهريًا في تغذية الأرض والسدود، مثل سد مأرب التاريخي، الذي ذُكر في القرآن في قصة سبأ، (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم…)، (سورة سبأ، الآية 16)
اليمن في القرآن .. بلدٌ مبارك
جاء ذكر اليمن في القرآن الكريم من خلال إشارات متعددة، أبرزها في قصة مملكة سبأ، التي كانت نموذجًا لحضارة زراعية مستقرة ومزدهرة، تمثل فيها الأرض المباركة جوهر الحياة، (لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آية ، جنتان عن يمينٍ وشمال…)، (سورة سبأ، الآية 15)، فاليمن في القرآن، ليست فقط بلدًا غنيًا بالأرض والماء، بل بلدٌ طيبٌ مباركٌ، عندما يُحسن أهله شكر النعمة.
اليمن في طريق الأطماع الاستعمارية
لا يمكن الحديث عن اليمن دون الإشارة إلى موقعها الاستراتيجي الذي جعلها محط أنظار القوى الاستعمارية عبر التاريخ، فاليمن التي تقع على مفترق طرق بين قارات آسيا، إفريقيا، وأوروبا، تسيطر على ممرات بحرية حيوية، خاصة مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، وهو أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وهذا الموقع الفريد دفع القوى الاستعمارية في القرون الماضية إلى محاولة السيطرة على اليمن بحكم أهميتها العسكرية والتجارية، ففي القرن التاسع عشر، تنافست الإمبراطوريات البريطانية والعثمانية على السيطرة على مناطق مختلفة من اليمن، واستمرت محاولات الهيمنة والتدخل خلال القرن العشرين، انتهاءً بعدوان كوني تقوده أمريكا ورغم هذه التحديات، حافظ اليمن على هويته وثقافته، ولا يزال وستبقى أرضه مباركة كما وصفها القرآن، رغم محاولات الاستعمار وأدواته من المرتزقة .
خاتمة
اليمن ليست مجرد تضاريس وتنوع مناخي، بل هي بركة ربانية شاملة، تحتاج إلى الأمن والاستقرار ليُعاد اكتشاف كنوزها، وما بين الجبال والوديان، والسواحل والأنهار، ما زالت اليمن تنبض بجمالها الطبيعي، وتنتظر أن يعود أبناؤها إلى وصفها الرباني ، (بلدةٌ طيبةٌ وربٌّ غفور)