Herelllllan
herelllllan2

الفلكلور الشعبي في اليمن.. البرع نموذجاً

يمانيون|تقرير|محسن علي

تعد رقصة البرع الشعبي أحد أكثر ألوان الفلكلوراليمني حيوية واتساعاً ’ تتعد ألوانه بتعدد أماكنه ومناسباته’ فإلى جانب كونه أحد الطقوس والعادات المتوارثة في أوساط القبائل اليمنية يتربى على إتقان أداء أدوارها الأطفال منذ الصغر في المناسبات الفرائحية’ برز دورها بقوة في ساحات النزال والمواجهة والصراع مع الأعداء كسلاح مؤثر وفعال في رفع معنويات الشعب والمجاهدين وإلهاب حماسهم بشكل غير مسبوق, وتعزز لدى أبناء القبائل خاصية العمل الجماعي وتبادل الأدوار.

 

البرع وآلاته المستخدمة؟

مصطلح كلمة «برع» اشتق من “يبرع” وتعني في معاجم اللغة العربية “البراعة والإتقان والإجادة للشيء”، وفي العرف القبلي اليمني تعني :الخطوات السريعة أو البطيئة المنتظمة, على سماع صوت آلات شعبية تعرف بـ”الطاسة“: وهي إناء نحاسي مغطى بالجلد يصدر نغمات رنانة وقوية ويصاحبه آلة تسمى “المَرْفَع” بنغمة ثابتة وغليظة, يستمر أداء الفترة فيها قرابة نصف ساعة للدقة الواحدة, وتتعدد ألوانه بتعدد اماكنه ومناسباته.

 

رقصة البرع

لرقصة البرع مكانة خاصة لدى الشعب اليمني, كما أنها جزء من التراث الفلكلوري الشعبي في معظم المناطق, وأحد أنواع الرقص وسيدتها وأكثرها شهرة وحيوية واتساعا, أدرجت عام 2010 ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية, يؤديها مجموعة الرجال بمختلف أعمارهم سواء في الريف أو الحضر, في الحفلات والمناسبات والأفراح والانتصارات والانجازات, يشهرون خلالها “الجنابي” ويلوحون بها, وأحيانا تستعرض فيها البنادق على الأكتاف, وفق الإيقاع المتنوع الذي يسمعونه, وتحاكي حركاتهم وتنقلاتهم فيها مبارزات قتالية وتكتيكات تجسد مهارات استخدامها, وبحسب فإن رقصة البرع تمر من بدايتها حتى نهايتها بأربعة أطوار هي «الدسعة، الوسطى، السارع، الهوشلية».

الخلفية التاريخية لها

“رقصة البرع” ليست وليدة اللحظة في بلد ضربت جذور حضارته في عمق التاريخ, فلقد عرف اليمن منذ العصور القديمة بالبلد المتنوع الفنون منذ العصور القديمة, وتمثل رقصة البرع أحد أشكال هذا التنوع الثقافي الأصيل بين أوساط القبائل, وارتبطت دوما بهذا الإرث التاريخي كونها كانت تستخدم ضمن طقوس الإعلان الشعبي كإشعار لجمع القبيلة وإحتشادها للمشاركة بالحضور في مناسبات فرائحية كـ”الأعراس” بالدرجة الأولى لإبراز هيبة القبيلة وتعاضدها وتلاحمها ووحدة صفها المجتمعي, ولحالات الإنذار لتدارس خيارات المواجهات مع أي عدو, واستخدمت لمساندة المجاهدين والقبائل في المرحلة الراهنة كما ظهر جليا في كافة مسارات التصعيد الثوري حتى انتصار ثورة الشعب اليمني في 21 سبتمبر2014م, وشكلت أحد عوامل التحفيز للقبائل ونكفها في مساندة القوات المسلحة الداعم لمعركة طوفان الأقصى والانتصار للقضية الفلسطينية.

 

أنواعها

تتنوع رقصات البرع بتنوع المناطق والقبائل اليمنية  وتكون مغايرة لبعضها البعض سواء في الأداء أو الإيقاع بحسب العادات والتقاليد والأعراف المعروفة, وبالذات في المناطق الشمالية والمرتفعات الغربية لمناطق اليمن. غير أنها أشهرها هي :(الهمدانية, الحارثية, الصعدية, البيضانية, الآنسية, السنحانية’ الحاشدية, الخولانية, الحيمية, اليافعية, اللحجية, البيضانية) ورغم هذا التنوع إلا أنها  تعكس مدى ارتباط القبائل ببعضها البعض وتلاحمها في مواجهة الشدائد والنوائب والأخطار, واستطاعت في الآوانة الأخيرة تجاوز نطاق الجغرافيا اليمنية لتحط رحال رمزيتها ودلالاتها في بعض الدول العربية ومنها الكويت ومصر والتي ظهرت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي إقامة حفلات أعراس في بعض مدن هاتين الدولتين وفق الطريقة اليمنية.

 

 البرعة في ساحة الصراع

برزت رمزية البرع وأصوات إيقاعاته كأداة فنية ومعنوية فاعلة في تحفيز مشاعر القبيلة اليمنية للقيام بدورها والمشاركة بواجباتها الدينية والأخلاقية والإيمانية , في ساحة الصراع والمواجهة القائمة اليوم بين محور المقاومة والجهاد من جهة, وبين محور الشيطان الأكبر وربيبته المتمثل بالكيان الصهيوني الغاصب, وكان للبرع حضور طاغي في كل “الزوامل الجهادية التي تترجمها أفواه الملايين من أبناء اليمن في كل الساحات, منذ ما قبل العدوان الأمريكي السعودي على اليمن في 2015م وحتى اليوم, لا يزال يترنم على إيقاعها أبناء الشعب اليمني الذي مثل حضوره في الساحات المليونية نصرة لفلسطين وقضايا الأمة أحد أهم الأعمدة الفولاذية التي استعصى على الغزاة الجدد كسرها ولي ذراعها وإخماد صوتها, ومثلت الجبهة الأقوى في المحور المناصر لفلسطين وما تتعرض له غزة من إبادة جماعية بأسلحة أمريكية إسرائيلية وأموال عربية خليجية, حتى أصبح العدو اليوم يحسب لهذه الحشود ألف ألف حساب منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م وحتى اللحظة.

 

استراحة المحارب المفضلة

وعلى مدى 10 سنوات من عمر العدوان الأمريكي السعودي على اليمن, رافقت رقصة البرع جميع مسارح العمليات العسكرية للمجاهدين في كل الملاحم التي خاضوها باقتدار, باعتبارها أحد أنواع الوسائل الفنية المصاحبة لرفع المعنويات وتعزيز الحماس, وتمثل لهم” الاستراحة المحارب المفضلة”, يتم تأديتها فوق حطام المدرعات والآليات تعبيرا بالفرحة والسعادة في كل نصر يمن الله به عليهم في مختلف المحاور والجبهات , حتى أصبحت جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية لكل مجاهد في ميدان النزال ترصدها عدسات الأعلام وتنقل مشاهد أدائها لكافة دول العالم.

 

البعد القبلي والاجتماعي

فإلى جانب كونها إرث يعبر عن الهوية الوطنية والانتماء للهوية الإيمانية اليمنية , فهي ترمز إلى لشجاعة والقوة’ يتدرب عليها الأطفال منذ الصغر وتكسبهم الجرأة في الظهور اللائق في المواقف والمناسبات وتكسر لديهم حواجز الخوف والخجل والحياء سيما أثناء تبادل الحديث مع الرجال باقتدار, كما أنهم تسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية, وتعزز لدى أبناء القبيلة خاصية العمل الجماعي وتبادل الأدوار’ وتجسد مظاهر الإحسان والتكافل الاجتماعي, بل اعتدها أطباء في وقتنا الراهن تمارين رياضية متكاملة للجسد تنعكس اثارها الصحية والإيجابية على المؤدين لها.

 

الخاتمة

رغم كل محاولات الاستهداف لرقصة البرع اليمنية وتمييعها، خاصة مع انتشار العديد من وسائل العزف والطرب الصاخبة المصاحبة لحفلات الأعراس في زمن الحرب الناعمة،  إلا أن رقصة البرع على إيقاع وأنغام صوت الطاسة والمرفع، تبقى سيدة الرقصات وأكثرها شهرة ضمن الطقوس القبلية الأصيلة والحاضرة دوما في كافة مراحل الانتصار والسلم والحرب والأفراح.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com