تمثال يمني نادر يُعرض في لندن بعد تهريبه منذ عقود
يمانيون |
في واحدة من أبرز مفارقات التاريخ والثقافة اليمنية المنهوبة، ظهر تمثال أثري يمني نادر في معرض دولي بلندن، بعد أن غادر البلاد سرًا منذ أكثر من نصف قرن، مثيرًا اهتمام الأوساط الأكاديمية والفنية العالمية، ومسلطًا الضوء مجددًا على معاناة اليمن من نهب تراثه الحضاري في فترات الضعف والفوضى.
وكشف الباحث اليمني المتخصص في الآثار، عبد الله محسن، عن مشاركة تمثال يمني فريد مصنوع من المرمر والبرونز، يجسد شخصية نسائية بارزة من مدينة “تمنع” التاريخية، عاصمة مملكة قتبان، في معرض “باد لندن” للفن القديم، الذي أُقيم في ساحة بيركلي بلندن بين 2 و8 أكتوبر 2017.
وأشار محسن إلى أن التمثال النادر يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ويُعد من أكمل وأجمل القطع التماثيلية التي تم اكتشافها من تلك الحقبة، حيث يتميّز بدقة ملامحه وتفاصيله الفنية، خاصةً الوجه والعيون ووضعية اليدين، فضلًا عن التباين البصري بين الرأس والجسم، ما يعكس مهارة نحتية متقدمة في فنون جنوب الجزيرة العربية.
ولفت الباحث إلى أن التمثال غادر اليمن قبل عام 1970، في ظروف غامضة، متنقلًا بين فرنسا وسويسرا، قبل أن يستقر في معارض الفنون الأوروبية، من بينها هذا المعرض السنوي المرموق الذي أسسه تاجر التحف الفرنسي باتريك بيرين عام 2007، ويعد النسخة البريطانية من “باد باريس” الذي يُقام سنويًا في حديقة التويلري الفرنسية منذ 1998.
ويؤكد عدد من الخبراء والباحثين في الفنون القديمة، من بينهم كليفلاند ودي ميغريه، أن هذه القطعة تمثل مثالًا فريدًا على التطور الفني والثقافي لممالك اليمن القديم، وتحديدًا قتبان التي كانت مركزًا تجاريًا وثقافيًا مهمًا على طريق اللبان والتوابل.
لكن الظهور العلني لهذا التمثال، وغيره من الآثار اليمنية في المعارض الأوروبية، يثير في الوقت نفسه قلقًا واسعًا بين المهتمين بالشأن الثقافي والوطني، لما يكشفه من حجم النهب والتسريب الذي تعرض له التراث اليمني خلال مراحل الاضطراب السياسي والاستعمار والتدخل الأجنبي، وما يعكسه من غياب التنسيق الدولي الكافي لحماية الممتلكات الثقافية للشعوب الأصلية.
ويُجدد ظهور هذه القطعة الثمينة في لندن الدعوات من الداخل اليمني للمطالبة باسترداد الآثار المنهوبة، وتعزيز الجهود القانونية والدبلوماسية لحماية التراث اليمني من التلاعب والبيع في الأسواق الدولية، في ظل ما تمثّله هذه الآثار من هوية تاريخية وروحية وحضارية لا تُقدّر بثمن.